والله مع الصابرين
كتبت: فاطمة عبد العزيز محمد
كلنا يعيش الأزمات المتلاحقة، وتضيق الدنيا في عيون البعض، لكن الأزمات والابتلاءات لم تأت إلا اختبارًا للعباد، وتأتي ليطهر الله تعالى عباده، وعندما يشتد الضيق ضيقًا، ويزيد الهم همًا، فلا يلبث إلا ويلاحقها الفرج، لقوله تعالى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6].
ويكون حال كثير من العباد إذا نزلت بهم الشدائد القنوط، الا أن الله عز وجل يجعل لهذا الهم نهاية، ولهذا الكرب تفريجاً، ولكن العباد يستعجلون، والله سبحانه يعجب ويضحك من قنوطهم ومن قرب فرجه، وكتب عمر إلى أبي عبيدة يقول: “مهما ينزل بامرئ من شدة يجعل الله له بعدها فرجاً، وإنه لن يغلب عسر يسرين”.
وفي تأمل أحوال الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم خير دليل على ذلك، فيوسف لما صار في ظلامة الجب، ثم في ضيق السجن، كرباً على كرب، وهماً على هم، فماذا حصل بعد ذلك؟ تداركته رحمة الله، وهي قريب من المحسنين، فأخرجته من ظلامة الجب، ومن ضيق السجن إلى سعة الملك، وبسط في العيش، وجمع بأهله في حال الرخاء بعد الشدة، وهذا يعقوب ﷺ: عمي من كثرة البكاء والحزن على فقد ولديه، وابيضت عيناه فهو كظيم، تداركته رحمة الله بعد سنوات من الشدة، ومفارقة الأولاد الأحباء إلى نفسه، فجمعهم الله سبحانه بهما على غير ميعاد منهم، وهذا يونس في بطن الحوت لما نزل به البلاء دعا ربه في مكان ما دعا به أحد من الناس ربه، في جوف البطن المظلم، فاستجاب الله دعاءه، وهذه سيرة نبينا محمد ﷺ فيها شدائد، وأهوال، وكرب، وهموم، ومنها شدائد المواطن التي نصره الله بها في معاركه ضد المشركين، وهذه عائشة رضي الله عنها لما نزل بها من الضيق الشديد عندما اتهمها المنافقون، وردد ذلك معهم الذين لم يعوا الأمور من المسلمين، ولم يتثبتوا فيها، فاتهموا تلك المسلمة العفيفة، زوجة رسول الله ﷺ، بأنها قد وقعت في الفاحشة وهي منها بريئة، فصار رسول الله ﷺ يدخل عليها فلا يكلمها، ولا يتلطف معها كما كان يتلطف، واشتعلت الفتنة من حولها، والألسن تلوك في عرضها وهي البريئة، حتى بكت الدموع أياماً متواصلة، حتى انقطع دمعها، وكان لا يأتيها النوم، ثم جاءها فرج الله بتبرئتها من فوق السبع الطباق، وفرج الله همها، وأذهب كربها.
فالله لطيف بعباده، لطفه واسع، ورحمته واسعة، فإنه ينقذ العباد من الضيق، ولو كان في أعتى صوره، ولا يتخلى سبحانه عن المخلوقين.