بقلم/إسلام عبدالرؤوف عون.
مما لا شك فيه أنَّ كل إنسان منا فى هذه الحياة تعرض لمواقف عديدة كان لها تأثير كبير فى بناء شخصيته وطريقة تفكيره فى الحياة بل ونظرته إلى الأمور بعين واعيه وعقل مستنير، وتلك المواقف منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم، ومنها ما يرتقى بالإنسان ومنها ما يجعله ينحدر، ولكن القاسم المشترك بين تلك المواقف جميعها أنَّ تأثيرها فى حياة الفرد يجب أن يكون تأثيراً واضحاً ينتج عنه تغيير جذرى فى سلوك الفرد وطريقة إدارته للحياة.
ودائماً تكون المِحَنْ هى الحائزة بنصيب الأسد فى التأثير على الفرد منا، حيث أنها دوماً تُظْهِرُ حقائق الأمور وتبين طبائع البشر وما يخفون فى أنفسهم من محبة أو بُغضْ، كما أنها تسلط الضوء على من يمكن للإنسان أن يثق فيه ويعتمد عليه فيما هو آت، وكذلك تُظهِر من تخاذل عن الوقوف إلى جانبه فى محنته، والحقيقة أنَّ الكثير من الناس ينزعج من المحنة ويعتبر أنَّ الحياة قد توقفت عند تلك الأحداث المريرة، ولكن هناك نظرة أخرى للمحن وهى نظرة المتعلم والمتدبر فيها والصابر على مرارتها، المتشوق إلى ما سوف يتمخض به رحمها من عطايا ومِنَحْ.
فكم من مشقة تبعها راحة، وكم عُسِرٍ أتى بعده يُسرٍ، وكم من ظلام دامسٍ أشرق بعده فجر أضاء أرجاء الدنا، وكم من ألمٍ تبعه شفاء، فدوماً تأتى تلك المحن والابتلاءات لتعيد لنا الأمور إلى نصابها، وتحمل بين طياتها الخير كل الخير.
فعلى مر التاريخ ومدراسة حياة الشخصيات التى كان لها شأن عظيم، والدول والمجتمعات التى كانت أقمار يُهتدى بها فى دياجى الظُلَمْ نجد أنّهم تعرضوا لشدائد تشيب لها الرؤوس، وتقشعر منها الأبدان، إلا أنَّ هؤلاء الكبار الأفاضل أدركوا حقيقة تلك الشدائد فصبروا عليها وتعلموا النهوض بعد الكبوة وأيقنوا أنَّ لهذا الكون الفسيح رب عادل يأبى الظلم ويرفض الجور ويغيث الملهوف، وخير مثال على هذا حياة نبينا _صلى الله عليه وسلم_ فقد كانت مليئة بالصعاب والشدائد والمطاردة والافتراء والكذب على حضرته الشريفة، وكذلك حياة الصحابة الكرام، والتابعين الأجلاء، وغيرهم ممن كان لهم أثر وتأثير فى البشرية، إلا أنهم استقبلوا تلك المحن بنفوس راضية، وقلوب مطمئنة غير جازعة، وصبر أذآب الحديد حتى هانت الشدائد فى أعينهم وأيقنوا أنَّ رب العباد قريب يجيب المضطر إذا دعاه.
والحقيقة أنَّ التاريخ مليئ بالمواقف والصعاب التى تدلل على أنَّ المحنة يتبعها منحة، والليل وإن طال ظلامه يتبعه فجر مضيئ، والعسر يقع بين يسرين، فيجب علينا دوماً أن نعلم أنَّ الحياة سنتها المشقة والتعب، فلا فرح يدوم ولا حزن يطول، فكل الكون فى تغير دائم، فيجب أن ننظر إلى المحنة بعين المتعلم، وألا نجزع من الابتلاء، بل نصبر ونحتسب ونعلم أنَّ نصر الله قريب، وأنَّ كل هم وغم مصيره إلى زوال، والأهم أن نستقبل منح العطاء من أرحام محن البلاء.