بقلم :احمد عماد
اختلفت نفسى، مع نفسى، حول عنوان هذا المقال الذى يكشف حياتنا الحزبية الآن، وهل الأفضل هو: أحزاب بلا شوارع سياسية.. أم هو: شوارع بلا أحزاب.. وأخيراً اتفقنا على أن الاثنين معاً هما الحقيقة المُرة والمجردة.. وأن مصر الآن بلا أحزاب حقيقية.. تماماً كما أن الشارع المصرى بلا أحزاب، أو حزب واحد «يوحّد ربنا» يقود العمل السياسى، وتنتظر الجماهير رأيه.. هذا إن كان لأى حزب فى مصر الآن رأى!! وللأسف نقول ذلك ونعترف بأنه، وبعد قرن وربع القرن من الزمان، من نشأة الأحزاب السياسية فى مصر، منذ الحزب الوطنى الأول الذى أنشأه مصطفى كامل.. فإن مصر الآن بلا أى حزب.. وكأننا نعود- ونحن الآن نرى تشكيل مجلس الشيوخ- إلى نظام التعيين.. أو إلى النظام النيابى الذى يبدأ من فوق ولا يخرج من بين الجماهير منذ تم إنشاء أول مجلس نيابى مصرى أيام الخديو إسماعيل عام ١٨٦٥.. فما هو الفرق؟.
مجلس شورى النواب بدأ بالتعيين.. أيام الخديو إسماعيل.. ومجلس الشيوخ، الجديد، القديم، يخرج للناس الآن وثلثه يتم اختيارهم بالتعيين.. والثلث بنظام القوائم، وهى تتم بالاتفاق المسبق وتحت عيون المسؤولين.. والثلث يتم اختيارهم بالانتخابات الفردية.. وللأمن دوره الأساسى فى الموافقة على هذا الثلث أو ذاك.. المهم أن أحزابنا السياسية، وكلها بلا أى استثناء، غائبة تماماً من أى عمل سياسى، فلا هى موجودة فى أى شارع، حتى وإن ملكت أى مقار عليها لافتات، وليس لها أى نشاط حتى فى مقرها الرئيسى.. وجاءت فكرة التباعد الاجتماعى لتنقذ ماء وجه كل الأحزاب بلا أى استثناء.
وأتحدى لو تركنا الجماهير تختار مرشحى الثلثين: القوائم والفردى أن يحصل أى مرشح منهم على صوت أحد أفراد أسرته.. إذ لا أحد يعرف أفكار هذا الحزب أو ذاك، ولا ما هى رؤيته للقضايا الداخلية، أو القومية، أو الخارجية.. أو حتى الأمنية، بل أتحدى أن يعرف أى ناخب اسم اثنين أو ثلاثة من رؤساء هذه الأحزاب.. أو حتى يعرف مقر هذا الحزب أو ذاك.
هى إذن «كانت» أحزاباً ورقية، وكان ذلك أيام كانت لكل حزب جريدته الناطقة باسمه، والمعبرة عن آرائه ومبادئه.. بل أتحدى أن يذكر لنا رئيس أى حزب منها اسم أكثر من حزب، أو اسم رئيسه.. حتى مع وجود هيئات عليا لكل حزب، ووجود قائمة طويلة لكل حزب، تضم عدداً مهولاً من نواب رئيس الحزب ومساعدى الرئيس ومستشارى الرئيس، أما عن عدد مساعدى السكرتير العام.. فحدث ولا حرج.
وأحزابنا للأسف لم تعد حتى أحزاباً ورقية.. وربما كان ذلك وراء ابتعاد الدولة عن الاعتماد على أى حزب منها.. ولجوئها ومباشرة إلى الاعتماد على الشباب.. وعلى المرأة.. ألم أقل لكم إننا أصبحنا أحزاباً بلا شارع.. وأيضاًَ شوارع بلا أحزاب.. واقرأوا الفاتحة على النظام الحزبى المصرى بشكله الحالى!!.