كتب : عبد الحميد الحناوي
غابت القدوة واغتصبت عذرية الاخلاق، وضاعت الحقوق واغتيلت نسمات الأمل فينا ، ذلك ليس احباطا وليس يأسا بل حقيقة كالشمس في كبد السماء ..
يا سادة وهل هذا يدعونا إلى الإحباط واليأس؟ بالطبع قولاً واحداً لا والف لا بل بالعكس يدعونا إلى تغيير ثقافة القدوة التي باتت مخزية الى ابعد الحدود …..!!!
السؤال الآن اين القدوة؟
يا سادة … القدوة الصالحة من أعظم المعينات على بناء العادات والأخلاق والسلوكيات الطيبة لدى المتربى حتى إنها لتيسر معظم الجهد في كثير من الحالات ، والإسلام لا يعتبر التحول الحقيقي قد تم سواء من قبل المربِي أو المتربى حتى يتحول إلي عمل ملموس في واقع الحياة التي نعيشها.
وكان – صلى الله عليه وسلم – قدوة للناس في واقع الأرض .. يرونه – وهو بشر منهم – تتمثل فيه هذه الصفات والطاقات كلها فيصدقون هذه المبادئ الحية لأنهم يرونها رأي العين ولا يقرأونها في كتاب ! يرونها في بشر فتتحرك لها نفوسهم وتهفو لها مشاعرهم ويحاولون أن ينهلوا منها حتى تمتلئ عقولهم بالفهم والإدراك والوعي. كل بقدر ما يطيق أن ينهل وكل بقدر ما يحتمل كيانه الصعود . لا ييأسون ولا ينصرفون ولا يدعونه حلما مترفاً لذيذاً يطوف بالأفهام والافئدة. .. لأنهم يرونه واقعاً يتحرك في واقع الأرض كما يرونه سلوكا عمليا تطبيقيا لأمانى في الخيال وأحلام باتت تجول فينا كالحقيقة!
لقد كان صلى الله عليه وسلم أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل . وكان مربيا وهاديا بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بكلامه فعن طريقه – صلى الله عليه وسلم – أنشأ الله هذه الأمة التي يقول فيها سبحانه ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ” سورة آل عمران
لقد بعثه الله قدوة للعالمين ..وهو أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير وقد جعله الله القدوة الرائدة للبشرية يتربون علي هديه ويرون في شخصه الكريم الترجمة الحية للقرآن ، فيؤمنون بهذا الدين علي واقع تراه أبصارهم محققا في واقع الحياة .
لقد كان – صلى الله عليه وسلم – قدوة جعلها الله متجددة علي مر الأجيال والله سبحانه لا يعرض علينا هذه القدوة للإعجاب السلبي والتأمل التجريدي في سبحات الخيال إنه يعرضها علينا لنحققها في ذوات أنفسنا وذوات من نقوم علي تربيتهم ، ومن ثم تظل حيويتها دافقة شاخصة ولا تتحول إلي خيال مجدد تهيم في حبة الأرواح دون تأثر واقعي ملموس ولا اقتداء .
نعم رسول الله صل الله عليه وسلم ومن بعده الصحابة والتابعين ،والسؤال هل نقتدي بهم؟
طبعاً قولا واحدا لا لا لا للأسف! !! لأننا لو اقتدينا بهم ما وصلنا إلى هذا الترهل والانحلال وانعدام القدوة!!!
ان التجرد من عبودية العبيد وعبودية المال والاخلاص لله صفة لازمة للداعية المربي ومن دون ذلك يصبح من المتعذر عليه أن ينشأًَ جيلا من الدعاة إذ أن الناس جبلوا ( صاروا) على اتباع المتجرد الذي لا ينوي بعمله إلا وجه الله .
جاء في ترجمة الخطيب البغدادي ، أنه ( دخل عليه بعض العلوية وفي كمه دنانير فقال للخطيب فلان يسلم عليك ويقول لك اصرف هذا في بعض مهماتك ، فقال الخطيب : لا حاجة لي فيه ، وقطب وجهه ، فقال العلوي : كأنك تستقله ونفض كمه على سجادة الخطيب وطرح الدنانير عليها فقال : هذه ثلثمائة دينار ، فقام الخطيب محمرا وجهه وأخذ السجادة وصب الدنانير على الأرض وخرج من المسجد )
وحركة ( نفض السجادة ) التي لم تستغرق دقيقة واحدة من الخطيب ، ربت أتباعه الذين كانوا في المسجد على معاني العزة وحقارة العبودية لغير الله ، ظهرت في قول أحدهم ( ما أنس عز خروج الخطيب وذل ذلك العلوي وهو قاعد على الأرض يلتقط الدنانير من شقوق الحصير ويجمعها )
وتكمن أهمية القدوة الصالحة من خلال الآتي:
إن القدوة الصالحة تثير في نفوس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع التنافس المحمود فيتولد لديهم حوافز قوية لأن يتمثلوا أخلاق وأفعال قدوتهم.
القدوة الصالحة المتحلية بالقيم والمثل العليا الحميدة تعطي للناس قناعة بأن بلوغ هذا المستوى الرفيع من الأمور الممكنة وأنها في متناول قدرات الإنسان وطاقاته.
إن واقع الناس اليوم يشكو القصور والانحراف رغم انتشار العلم، ما لم يقم بذلك العلم علماء وقادة عالمون مخلصون يصنعون من أنفسهم قدوات في مجتمعاتهم، يترجمون ذلك العلم إلى واقع عملي يفهمه الجميع، وهذا يُسهّل في إيصال المعاني الأخلاقية ويحدث التغيير المنشود إلى الأفضل.
إن غياب القدوة الصالحة من المجتمع عامل رئيس في انتشار المنكرات واستفحالها وإفشاء الجهل بين الناس، ومن هنا تكمن أهمية القدوة الصالحة، فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم واختفت المنكرات، لذلك فنحن نحتاج إلى قدوات يدعون الناس بأفعالهم لا بأقوالهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصَّف: 2-3).
لا ينكر أحد ما للمدرس القدوة من الأثر الكبير في الرقي وإصلاح المجتمع الإنساني علميًا وخلقيًا وأدبيًا وصحيًا واجتماعيًا لأن أثر المدرس الصالح يظهر على نفوس تلاميذه فيغرس فيهم الفضائل والأخلاق الحسنة وما يراه خيرًا للأمة والوطن.( فقرة مقتبسة)
والقدوة الصالحة أعظم من المناهج الدراسية والقوانين الجامعية أو الأبنية الفخمة لأن للأستاذ الجامعي أثرًا كبيرًا على طلابه في علمه وأدبه وعمله ومهارته التدريسية وسائر أخلاقه وتصرفاته.
ولم تصل التربية الحديثة إلى أبدع من اتخاذ القدوة الصالحة وسيلة إلى بناء الجيل الطلابي، فالمعلم القدوة هو الذي يرتقي بالأمة إلى أسمى درجات الحضارة والمدنية، وبالمدرسين المخلصين تنهض الأمة من كبوتها وتنتصر على أعدائها.
يا سادة الان وبكل الم غابت القدوة شبابنا يضيع بين إعلام ساقط سفيه وبين واقع مرير ونحن جميعا مسئولين عن هذا الضياع!!!!
أولا الاسرة التى غابت عن التربية وضاعت ،أسرة ضائعة فكريا وعلميا .وهذا بسبب سوء تربية المربي أولا واللهث وراء المادة والكل متخيل أن جمع المال هو النجاة!!!! وللأسف أحيانا يكون هو النقمة الحقيقية في الحياة حتى اصبح المال غاية وليست وسيلة تسهل علينا أمور الحياة …. وهنا غابت القدوة،لابد أن يعود دورها كما كان لأن الأسرة هي المعيار الأول لثقافة المجتمع وتطوره!!!!
ثانيا المعلم … ضياع المعلم سبب كارثة الجهل التي نقع فيها جميعا، لابد الأخذ بيد المعلم حتى يصبح القدوة والأمل لإصلاح ما تبقى من أحلامنا المبعثرة في تيه الاستغلال والانحلال والغزو الفكري والثقافي لعقلية السزج فينا، بسبب طمع وجشع حفنة من المنتفعين الذين سخروا الإعلام لتغييب ثقافة وعقل الشباب،، ولذلك لابد من إعلاء المعلم مادياً وتطويريا ووضعه في المكان المناسب حتى لا يأكل على كل مائدة ويكون منساق لقمة عيش مغموسة بألم! !! تحية اجلال ثم اجلال لكل معلم رابط على قيمه ومبادئه…
أخيرا يا سادة إلى كل إنسان يغرس غرسا فاسدا فيوما ما سيذوق غرسه!!! الى اصحاب الاعلام الفاسق لا سامحكم الله ثقوا انكم لن تفلتوا من الله. …
ان شاء الله يقيني بالله ان العلم سيسود هذه الأمة قريباً قريباً! !!