علم من بيت النبوة الإمام” جعفر الصادق بن محمد الباقر” عليهما الرضوان
إعداد/ د. محمد أحمد محمود غالي
الإمام جعفر الصادق هو: “جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، والسيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم”. كان مولده في ١٧ ربيع الأول لعام ٨٠ هجرية في المدينة المنورة، والده : الإمام «محمد الباقر» بن علي زين العابدين، ووالدته: «أمّ فروة» بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الخليفة الأول، قال الإمام الصادق عن والدته : “كانت أمّي ممّن آمنتْ واتّقت وأحسنتْ واللهُ يحبّ المحسنين”. عاش رضي الله عنه مع جدّه السجّاد ١٥ عاما ومع أبيه الباقر ٣٤ عاما، دعاه الناس بألقاب عديدة منها : «الصابر»، «والفاضل»، «والطاهر»؛ وأشهرها «الصادق»، و كلّها تدلّ على شخصيته الأخلاقية وحسْن سيرته. كان الإمام الصادق إذا مضى جزء من الليل أخذ جراباً فيه خبز ولحم ودراهم، فحمله على عاتقه فوزّعه على ذوي الحاجة من أهل المدينة وهم لا يعرفونه، فلما توفّي الإمام الصادق رضي الله عنه افتقدوا ذلك الرجل فعلموا أنه الإمام. عاصر الإمام جعفر الصادق ظلم بني أميّة أكثر من أربعين عاما، وعاش في زمن بني العباس أكثر من عشرين عاما، وظل بعيداً عن السياسة منصرفاً إلى تثبيت دعائم الدين في نفوس الناس، ونشر أخلاق الإسلام وعقائده في زمن راجت فيه العقائدُ الإلحادية والمنحرفة. تصدّى الإمام الصادق إلى محاربة الإلحاد والزندقة، وفي عهده انتشر مذهب أهل البيت عليهم الرضوان. في عهد الإمام الصادق رضي الله عنه راجت العقائد المنحرفة والضالّة، فسعى الإمام إلى محاربتها، فتأسّست على يديه جامعة إسلامية كبرى تضمّ أكثر من أربعة آلاف عالم تخرّجوا على يديه، في علوم الدين والرياضيات والكيمياء، وحتى الطب. وكان جابر بن حيّان الكيميائي المشهور يبدأ مقالاته في هذا العلم بقوله : “حدّثني سيّدي «جعفرُ بن محمدٍ الصادق رض الله عنه»”. يرى أهل السنة والجماعة أن جعفر الصادق إمام من أئمة المسلمين، وعالم من علمائهم الكبار، وأنه ثقة مأمون، وأقوال أئمة الحديث فيه غزيرة في الثناء والمدح. قال الذهبي في معرض حديثه عن الإمام الصادق: “جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين الهاشمي أبو عبد اللّه أحد الأئمة الأعلام برّ صادق كبير الشأن وليس هو بالمكثر إلا عن أبيه، وكان من جلَّة علماء المدينة، وحدَّث عنه جماعة من الأئمة، منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهما”. كان الإمام الصادق يحترم العلماء المؤمنين ويشجّعهم ويوضّح لهم الطريق الصحيح للبحث والحوار لخدمة الدين وتعميق أساس الإيمان، وكان يشعر بالحزن لدى رؤيته المنحرفين الضالّين الذين يسعون إلى بلبلة عقائد الناس ونشر الضلال. تتلمذ على يديه أبو حنيفة إمام المذهب الحنفي مدّة عامين، وكان يقول : “لولا السنتان لهلك النعمان”. قال عنه زيد بن علي الثائر المعروف: “في كل زمان رجلٌ منّا أهلَ البيت يحتجّ اللهُ به على خلْقه ، وحجّة زماننا إبن أخي جعفرُ بن محمد . . لا يضلّ من تبعَه ولا يهتدي من خالفه”. وقال فيه إمام المذهب المالكي مالك بن أنس: “والله ما رأت عيني أفضلَ من جعفر بن محمد زهداً وفضلاً وعبادةً و ورعاً، وكنت أقصده فيكرمني ويُقبل عليّ”. تزوَّج الإمام جعفر الصادق من نساءٍ عديدات، منهنّ: فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان أبوها ابن عم زين العابدين، ومنهن حميدة البربريَّة والدة الإمام موسى الكاظم، واتخذ إماء أخريات. كان له عشرة أولاد هم : “إسماعيل (وإليه ينسب المذهب الاسماعيلي)، وعبد الله، وأم فروة «وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب»، وموسى بن جعفر، ومحمد، وإسحاق، «وأمهم أم ولد أسمها حميدة»، وعلي ( المعروف بالعريضي)، والعباس، وفاطمة، وأسماء لأمهات شتى”. كان يوصف بأنه ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده، أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود. كني الإمام الصادق بعدة كنى منها أبو عبدالله (وهي أشهرها)، وأبو موسى، وأبو إسماعيل. إستطاع أن يؤسس في عصره مدرسة فقهية وتتلمذ على يده العديد من العلماء، ويعتبر من أوائل الرواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ علي يديه عالم الكيمياء جابر بن حيان. ينسب إلى الإمام الصادق عدد من الكتب لم يصل إلينا منها شيء، مثل: “كتاب الرد على القدرية”، وكتاب “الرد على الخوارج”، وكتاب “الرد على الغلاة من الروافض”، بالإضافة إلى بعض الرسائل التي كان يمليها على تلاميذه، ومنها وصاياه إلى ابنه موسى الكاظم، وتنسب إليه رسائل في الكيمياء جمعها تلميذه جابر بن حيان، ورسالة في شرائع الدين، ورسالة إلى أصحاب الرأي والقياس. عندما أتيحت الفرصة إلى الإمام الباقر ثم ابنه الإمام الصادق عليهما الرضوان انصرفا إلى نشر علوم الدين، وتحكيم اُسس الإيمان في قلوب الناس. كان الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه يحترم العلماء المؤمنين ويشجّعهم ويوضّح لهم الطريق الصحيح للبحث والحوار لخدمة الدين وتعميق أساس الإيمان، وكان يشعر بالحزن لدى رؤيته المنحرفين الضالّين الذين يسعون إلى بلبلة عقائد الناس ونشر الضلال. من أقواله البديعة المضيئة : “ثلاثة لا يصيبون إلاّ خيرا : أولو الصمت وتاركو الشرّ، والمكثرون من ذكر الله، ورأس الحزم التواضع. فقيل للإمام : وما التواضع ؟ فأجاب : أن ترضى من المجلس بدون شرفك، وأن تسلّم على من لقيت، وأن تترك المِراء (الجدل) وإن كنت محقاً”، “اتقوا المظلوم فإنّ دعوة المظلوم تصعد إلى السماء”، “الفقهاء أمناء الرسل فإذا رأيتهم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتّهموهم في دينهم”، “إحذر من الناس ثلاثة : الخائن والظلوم والنمّام ، لأنّ من خان لك سيخونك ومن ظلم لك سيظلمك ، ومن نمّ إليك سينمّ عليك”. توفي الإمام جعفر الصادق في ٢٥ شوّال لعام ١٤٨ هجرية، ودُفن جثمانه الطاهر في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة إلى جانب والده وأجداده وباقي الصحابة رضي الله عنهم جميعا وعنه وصلى اللهم وسلم وبارك على جده الحبيب المصطفى وآله وصحبه أجمعين.