صباح_مصري
بطيخ
بقلم: سمير المصري
كان هناك ملك _ علي حسب الرواية _ يحكم دولة وكان لديه وزير له من الفهم والفطنة والذكاء قدرا كبيرا جعله من بين المقربين تماما للملك ، مماجعله هو الاقرب وصاحب الفكر العالي الذي يستشيره الملك في كل الامور سواء كان ذلك في الحكم ، او كان ذلك في الأمور الخاصة الحياتية والدنياوية لثقته في صدق مشورته …. لقد كان وزيرا ذكيا حكيم ..
وكان هذا الملك كغيره من الملوك يحلم بأن يبقى دوماً شاباً ، جميلا قوياً ، واراد ان يعيش حياته في نعيم الشباب الذي لا يفني ، وان تبقي الحياة التي يحتاجها في متناول يده ، لا تصله الشيخوخة ابدا … مهما مر الوقت ، وعصف الزمن ، وقد جعل هذا الموضوع والمطلب مذهب اساسي يسير من خلفه ، بكافة المناحي و الطرق.
احضر وزيره وطلب منه ان يحضر له ترياق ” دواء ” باي طريقة كانت ، يحقق له المراد والهدف الذي يسعي اليه ، موجها وزيره ان هذا هو المراد من رب العباد ، وان هذا الامر هو الذي يجب الا يعمل في امر اخر غيره ، وان يكون الدواء هو السببل الاوحد لبقاء مكانته عند الملك ،،،،
الوزير وعد الملك أن يأتيه بدواء يطيل في العمر ، بعد ان وعده بأن يعطيه أي شيء يطلبه إن جاء له بطلبه هذا .
ذهب الوزير يبحث في كل بقاع الأرض ، في الماء واليابسة بعد ان اصبح هذا الموضوع هو الاهم ، وهو الشغل الشاغل للمملكة ، فهو نعم الطالب والمطلوب .
بحث الوزير في الأماكن كلها …. المدن والقرى عن دواء يطيل العمر ، ويبقي جمال المحيا ظاهرا ، ويبقي الإنسان في مرحلة الشباب الدائم .
عندما مَرَّ الوزير بقرية ، شاهد أهلها ، وحياتهم ، وسألهم عن عشبة ، أو أكلة ، أو أي شئ يزيد الجمال و يطيل العمر ،
فلم يترك احدا الا وقد ساله . واخيرا نصحه أهل هذه القرية أن يذهب إلى أعلى الجبل ، حيث كان يسكن هناك أخوين وربما يجد عندهما ما يريده …. وسأل عليه ،،،،
ذهب الوزير إلى حيث يعيش هذان الأخوان ، ووصل إلى هناك قبل غروب الشمس بقليل ….
لقد كان المسكن الأول صغيراً ، والأشياء من حوله مبعثرة ، وأمام باب البيت يجلس رجل عجوز قد أكل الدهر عليه وشرب ،
سلم عليه الوزير … فرد عليه العجوز السلام … وزاد في ذلك ورحّب به ،،، ثم طلب الوزير من العجوز أن يسمح له بالمبيت عنده ليلة واحدة حتى اليوم التالي
وقبل أن يتكلم العجوز جاء صوت من داخل البيت فإذا هي زوجته لتقول ليس لدينا مكان للضيوف !!
ابحث لك عن مكان آخر …
فطأطأ العجوز رأسه ، وتأسف من الوزير ….. .
توجه الوزير إلى البيت الآخر ، كان بيت في غاية الجمال والنظافة والترتيب ، بيت تحيط به كافة أنواع الزهور والنباتات الجميلة ، تستمع فيه لاعذب أصوات الطيور والعصافير والبلابل .
خرج منه شاب جميل الوجه والملبس ينتظره ويرحب به ونادى على زوجته :
اليوم لدينا ضيف !
رحبت الزوجة بالوزير أجمل ترحيب ، وكلمات الضيافة ، وجاء اليوم التالي … هنا افصح الوزير للشاب عن مطلبه ، أفصح الوزير للرجل عن سبب زيارته لهم ….
وسأله لماذا أنت في صحة وشباب بينما أخوك الأكبر قد شاب وهرم ؟
ضحك الرجل وقال له أنت مخطيء هو أخي الصغير وأنا أكبر منه بعشرين سنة !!
تعجب الوزير ، وزاد ولعه لإكتشاف سر بقاء الرجل في مرحلة الشباب ، وطلب معرفة ذلك مقابل أي شيء يطلبه .
فوعده الرجل بذلك ولكن بعد أن يتناولا طعام الغداء .
قدم الرجل وزوجته أفضل ما لديهما من الطعام للضيف ، ثم جلسا تحت شجرة تطل على الوادي وطلب الرجل من زوجته أن تذهب إلى حديقتهم الذي يقع أسفل الوادي وأن تحضر لهم بطيخة .
فذهبت الزوجة .. وبعد ساعة جاءت ببطيخة ، نظر زوجها إلى البطيخة وأخذ يضرب عليها ثم قال لزوجته :
لا يا زوجتي العزيزة !! أرجو أن ترجعي هذه البطيخة وتأتي لنا بواحدة أخرى .
فقالت الزوجة : على عيني !!!
ذهبت الزوجة إلى أسفل الوادي ورجعت ببطيخة أخرى … ولكن الزوج لم يقتنع وأرسل زوجته مرة ثالثة وذهبت الزوجة بكل رحابة صدر ، ونزلت إلى الوادي وجاءت ببطيخة .
وفي هذه المرة وبعد أن تفحص الرجل البطيخة فتحها وأكلوا منها.
أعاد الوزير السؤال وطلب معرفة الأكلة أو العشبة التي تحافظ على الشباب .
فأجابه الرجل إنها ليست أكلة أو عشبة بل السر في صحتي وشبابي هي زوجتي !!!
منذ أن تزوجتها لم أجد منها غير الحب والرحمة والحنان والإحترام والتقدير .
هل تعلم يا حكيم أنه لم تكن في حديقتي غير بطيخة واحدة وأنها نزلت إلى الوادي ثلاث مرات وكانت في كل مرة تأتي لنا بتلك البطيخة نفسها ولكنها لم تمتعض أو تبدي أي علامة تنقص من شأني أمامك ؟؟
الخلاصة
اعلم وتيقن تماما أن السعادة ، وراحة البال ، والصحة ، والجمال ، والشباب اشياء جميلة تصنعها المراة الطيبة الصالحة ، بمحبتها ، وحنانها ، وعطفها ، واهتمامها ، فليس الدواء ولا الأعشاب.