شهر رجب : تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب :
متابعة : أحمد حامد عليوة
الحمد لله رب الشهور والأيام والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله بدر التمام وشفيع الأنام وعلى آله وصحبه الكرام وبعد
لا شك أن الأزمنة ليست كلها في شرع الله تعالى سواء فمنها المفضول ومنها الفاضل ومنها المخصوص بمزيد من الفضائل ومعلوم أن لله تعالى خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص ومن المقرر في كتاب الله تعالى أن من خواص الأزمنة الأشهر الحرم ،
إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ، ومن جملة هذه شهر الله رجب ، الفرد ، الاصب والاصم ، بارك الله تعالى لنا فيه
قَالَ قتادة رحمه الله تعالى : إن الظلم في الأشهر الحُرُم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن اللّه يعظم من أمره ما يشاء
ولقد اعتنى العلماء قديما في بيانِ ما يحدث في هذا الشهر والفوا فيه كتبا منها ، تَبيينُ العَجَب فيما ورد في فَضلِ رجب ، للحافظُ ابنُ حجر العسقلاني رحمه الله تعالى
فمن باب النصح للمسلمين و تذكيرا لهم أحاول في هذا المقال أن أخط خطا وسطا بين إفراط المبالغين في التحذير والتنفير وكأنهم يتقربون إلى الله تعالى بأقرب القربات وتفريط الموسميين الذين يبالغون في الحث والتشمير حيث ينشرون ماهب ودب دون أي بحث ولا تفكير وخلاصة ما يمكن قوله :
أحسن ما ورد في رجب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم :
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان
رواه الإمام أحمد في المسند وهوضعيف لكنه في الترغيب والفضائل مقبول وهو أحسن من دعاء مخترع بلا شك
وماعدا ذلك فلا يصح منه شيء يعول عليه عند العلماء. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة
ليس لرجب مزية في عبادة مستقلة لا في صلاة ولاصيام ولاعمرة ولا صدقة ولاغيرها
قال الحافظ ابن رجب ، رحمه الله-:
“وأما الصيام : فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه
هذا على وجه الخصوص أما ما ثبت من أصول صحيحة في عموم التطوع فيه وفي غيره مما وردت النصوص عامة به كصيام يومي الاثنين و الخميس وثلاثة أيام من كل شهر أو صيام يوم وفطر يوم فهذا لا نهي عنه بل يشمله الاستحباب المطلق
خاصة وصوم الأشهر الحرم مرغب فيه على العموم وشهر رجب داخل فيها
الظن أن في شهر رجب كانت فيه حوادث عظيمة :
قال ابن رجب : رحمه الله : وقد رُوي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ، ولم يصح شيء من ذلك ، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه ، و أنه بعث في السابع
و العشرين منه ، وقيل في الخامس و العشرين ، ولا يصح شيء من ذلك
كما في لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله وحتى تاريخ الإسراء والمعراج لم يثبت أنه في شهر رجب وأحسن هذه الأقوال إسنادًا -وإن كانت كلها ضعيفة، ما رواه موسى بن عقبة عن الزهري أن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة، فإن صح هذا القول فيكون الإسراء في ربيع الأول
ومن أضعف الأقوال التي انتقدها المحققون ، قول من قال : إن الإسراء كان في رجب
خلاصة القول أنه من الأشهر الحرم وتعظيمها أصل ثابت على العموم.
ومن أحسن وجوه البر ترك الظلم مطلقا وخاصة ظلم النفس باستمرار الغفلات والانغماس في الشهوات والتردي في الملهيات.
فكُنْ أيُّها الموفَّقُ لهذا الشهرِ معظِّماً بهذا الوصف المذكور ولفضلِه مغتنِماً فهو كغيره ميدان فضل وخيور ،
وتُبْ فيه إلى ربِّك الحليم الغفور ، فالتوبة وظيفة مستمرة في كل الشهور ، وأصلِحْ فيه من شأنِك فمن صدق ربه كفاه جميع الامور
ويرحم الله تعالى القائل بَيِّضْ صَحيِفَتَكَ السَّوْدَاءَ فِي رَجَبِ
بِصَالِحِ الْعَمَلِ الُمنْجِي مِنَ اللَّهَبِ
شَهْـرٌ حَرَامٌ أَتَى مِنْ أَشْهُرٍ حُرُمِ
إِذَا دَعَا اللهَ دَاعٍ فِيـهِ لَمْ يَـخِبِ
طُـوبَى لِعَبْدٍ زَكَا فِيـهِ لَهُ عَمَلٌ
فَكَفَّ فِيهِ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالرِّيَـبِ
فاللّهمّ بارك لنا في رجبٍ وشعبانَ وبلّغنا رمضانَ، ونحن في أمنٍ وأمانٍ وسلامةٍ وإسلامٍ. اللّهمّ آمينَ
والحمد لله ربِ العالمين
إسماعيل الراوي ،