شهر الرضوان
بقلم: عمر الشريف
أقبل شهر الخير والبركات حاملاً معه نسائم الرحمة والمغفرة على قلوب عباد الله التي أظمأتها كثرة الذنوب والمعاصي، وسودتها ظلمة الغفلة والبعد عن الله في مشاغل هذه الدنيا الفانية، فالقلوب عطشى لكي تنهلَ من نبعه الصافي لتروي ظمأها وتشفي صُداها، وكيف لا يرجو القلب ذلك وهو على أعتاب شهرٍ كريم فيه مواسم الطاعات الكثيرة وفرص المغفرة الواسعة ما لا يكون في زمان آخر، ففيه من توارد هبات العفو من الله ما يجعل المرء راجياً أيما رجاء أن يكون من عتقاء هذا الشهر الكريم طمعاً في سعة رحمة الله التي وسعت كلّ شيء.
لكن رمضان ليس فقط موسم مغفرة، ومن الخطأ أن يكون رمضان في قلب المؤمن زماناً للمغفرة ومحو الذنوب فقط، ومن القصور أن لا يتجاوز المؤمن هذه المنحة الإلهية سعياً إلى ما هو أعلى منها وأكبر، فرمضان في الحقيقة هو شهر تجديد وتقويم الإيمان ليستقيم القلب بعد رمضان بشكل أقوى وبعزيمة أمضى على السير في صراط الله المستقيم، وليستمسك بعُرَى التقوى بشكل أكثر كمالاً.
وأيام رمضان هي دفعة لنا في الصراط الصحيح بعد أنِ اختلطت علينا السُبل الكثيرة، وتجاذبتنا اتجاهات خاطئة، كما أنه وقفةٌ يقف بها المؤمن بين يدي المولى عز وجل، ليعاهده فيها على مداومة التقوى ما استطاع، باذلاً حياته في سبيل مرضاة الله لكي ينال سعادة الدارين.
فهذا الشهر يفترض أن نجعله محطة للتغيير الحقيقي الدائم وليس فقط للتأثير المرحلي الزائل، وهذا يستدعي منا قلباً عقولاً ولساناً ذاكراً يلهج بالدعاء لمن يقلب القلوب كيف يشاء، أن يجعلنا ممن عرفوا قدر رمضان وغيَّر فيهم، لكي نكون بعد رمضان أفضل مما كنا قبله.