رمضان شهرمحبة الله
أ . د / مفيدة إبراهيم على
محبة الله من أعظم مقامات العبادة عليها تدور رحى الطاعة والسير إلى الله، لأنها تسوق المؤمن إلى القرب وترغبه في الإقبال على الله، وتجشم المشقة والعناء في سبيل رضا الله والفوز بجنته. قال تعالى في وصف المؤمنين: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ” المائدة : 54 . فمحبة الله يذوق بها العبد حلاوة الإيمان. ومحبة الله هي إيثار محبة الله على ما سواه بالتزام أمره واجتناب نهيه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل كبير وصغير وصرف المحبة الإيمانية لكل محبوب لله والبعد عن كل ما يسخط الله وينافي محبته، وشرط المحبة لله الإحسان في العمل واتباع الشرع. فلا تصح المحبة ولا تقبل الدعوى من أحد إلا بما يوافقها من العمل الصحيح.
ولذَّة ترك الطعام عند الصائمين أجمل من لذَّته عند الآكلين, والمحب العاشِق يَترك طعامه وشرابه اضطرارًا، وهكذا يَنبغي أن يكون حال الصَّائم.
فما أجمل الصَّوم عندما يكون بدافع الحبِّ والاحتساب والرضا فيه يترك الصَّائم طعامَه وشرابه من أجل الله سبحانه؛ حبًّا فيه، وامتثالًا لأمره، وطلبًا لمرضاته، ورغبة لما عنده، والصوم بهذا المعنى يُنسي الصائم آلامَ الجوع والعطش.
ولعلَّ في قول رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى ذلك، فقد قال:(والَّذي نفسي بيده، لخُلُوفُ فَم الصَّائم أطيبُ عند الله من رِيح المسك؛ إنَّما يذَرُ شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، فالصِّيامُ لي، وأنا أجزي به؛ كلُّ حسنةٍ بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، إلَّا الصِّيام، فهو لي وأنا أجزي به). إن الحب الدنيوي يشغل صاحبَه عن الطَّعام والشراب، يرى صاحبه أنَّ الحبَّ الصادق ينبغي أن يشغل الإنسان عن طعامه وشرابِه حتى يذبل فلا يجيب من يناديه، وينحل حتى لا يبقى من أعضائه عضو سليم سوى العين للبكاء والمناجاة.
وقد لوخظ أنَّ عددًا من الصائمين يؤدِّي هذه العبادة المباركة بدافع العادَة، المصحوبة بالملَل والكسل، وليس بدافع الحبِّ الصادق، والشوق المقلق, وربما لا يخطر على باله أن الله تعالى قد شرَّفه به، وأكرمه بأدائه، فهو نوع من أنواع شُكر المنعم على نعمة البدن.
والصوم عندما يؤدَّى بدافع الحب والاحتساب، تَظهر آثاره وأنواره في سلوك الصائم، وفي مفردات حياته انضباطًا ونظامًا , وهو بهذا المعنى يحافِظ على صفاء المجتمع ونقائه، ويُعدُّ من الأساليب النَّاجحة في القضاء على الجرائم التي تهدِّد أمنه واستقراره. فإن الصائم لا يفعلُ شيئاً، وإنما يتركُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده، فهو تركُ محبوبات النفس إيثاراً لمحبة اللَّه ومرضاته وذلك بدافع الحب .