تجليات_إيمانية
إعجاز القرآن الكريم: هداية ببيان رباني وبرهان قاطع
كتب د . م مجدي عبدالله
القرآن الكريم كتاب الله الخالد الذي يحمل في طياته هداية للعالمين وبرهانًا ساطعًا يتحدى المكذبين.
من بين آيات التحدي قوله تعالى:
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾
(هود: 13).
في هذه الآية تتجلى دعوة مفتوحة للتأمل في مقاصد القرآن الكريم ودوره في هداية البشر وتثبيت الإيمان وإظهار أوجه الإعجاز في هذا الكتاب العظيم.
أولًا: هداية العباد بالبيان الرباني
جاء القرآن الكريم لهداية البشرية، موجهًا قلوبهم وعقولهم نحو الحق، بأسلوب بليغ جامع بين البيان والتأثير.
بيان معجز يخاطب الفطرة:
يخاطب القرآن الإنسان بما يلائم فطرته ويقنع عقله، بأسلوب بليغ تتخلله الدعوة إلى التفكر والتأمل
كما في قوله تعالى:
﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾
(ص: 29).
فالقرآن يدعو الإنسان إلى التدبر، ويقدم الهداية بأسلوب ينفذ إلى القلوب، ويعالج النفوس التائهة.
إصلاح الفرد والمجتمع:
يضع القرآن قواعد شاملة لإصلاح حياة الإنسان، مستعرضًا قصص الأنبياء وأحداث التاريخ كعبرة للأجيال. قال النبي ﷺ:
“ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة”
(رواه البخاري).
يبين هذا الحديث عظمة القرآن وكونه المصدر الأكبر لهداية الناس.
ثانيًا: التحدي المكذبين ببرهان قاطع
الآية الكريمة تبرز تحديًا واضحًا للمكذبين:
إذا كانوا يشكون في صحة القرآن، فليأتوا بعشر سور مثله، بل إن الله أورد تحديات أخرى تدريجية في آيات متعددة:
1. التحدي بجزء من القرآن:
﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍۢ ظَهِيرًا ﴾ (الإسراء: 88).
في هذه الآية يتحدى الله الإنس والجن مجتمعين على أن يأتوا بمثل القرآن، ولا يزال هذا التحدي قائمًا منذ نزوله.
2. التحدي بسورة واحدة:
﴿ وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍۢ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍۢ مِّن مِّثْلِهِۦ ﴾
(البقرة: 23).
هنا يطالب الله المكذبين أن يأتوا بسورة واحدة فقط تماثل أسلوب القرآن وبلاغته، ولكنهم عجزوا.
ثبات العجز:
لم يستطع أحد على مر التاريخ أن يأتي بمثل القرآن أو حتى بجزء بسيط منه رغم تكرار التحدي، مما يؤكد أنه من عند الله. يقول النبي ﷺ:
“إن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا”
(رواه الطبراني).
ثالثًا: إظهار أوجه الإعجاز القرآني
الإعجاز القرآني ليس مقتصرًا على البيان والبلاغة، بل يمتد ليشمل مجالات متعددة:
الإعجاز البلاغي:
يظهر في تركيب الجمل، وانتقاء الكلمات، وانسجام الآيات، وهو أمر أذهل أفصح العرب. قال الوليد بن المغيرة:
“إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر.”
الإعجاز العلمي:
تتجلى في آيات عديدة سبقت الاكتشافات الحديثة بقرون، كقوله تعالى:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍۢ حَىٍّۢ ﴾ (الأنبياء: 30).
الإعجاز التشريعي:
يتمثل في القوانين الإلهية التي تنظّم حياة الفرد والمجتمع، مراعياً العدل والرحمة، كما في قوله تعالى:
﴿ وَلَكُمْ فِى ٱلْقِصَاصِ حَيَوٰةٌ يَـٰٓأُو۟لِى ٱلْأَلْبَـٰبِ ﴾
(البقرة: 179).
يبقى القرآن الكريم دليلًا خالدًا على صدق الرسالة النبوية وإعجاز الوحي الإلهي. فهو كتاب لا تنقضي عجائبه، وكلما تأمله الإنسان ازداد إيمانًا. قال الله تعالى:
﴿ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِۦ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَـٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴾
(يونس: 37).
فلنتمسك بهذا الكتاب العظيم ونجعل تدبره والعمل به نبراسًا لحياتنا، وسبيلًا لرشادنا.