“بحارالغربة”
بقلم/ هاني الغنام…..
محمود شاب فتي في مقتبل العمر تقدم لخطبة فاطمة التي أحبها بجنون وأحبته فرفضته عائلتها نظراً لظروفه المادية الرقيقة كما أنه يعمل (ميكانيكي) وهذا لا يليق بمستوي عائلة فاطمة المادي والاجتماعي فالأهل ينظرون له علي انه من طبقة اجتماعية أقل من طبقتهم الاجتماعية الراقية إنهم ينظرون له من أبراجهم العاجية نظرة تدني واحتقار.
تصارح فاطمة أباها بأنها تحبه فيصيح في وجهها ( انتي عايزة تلطخي راسنا في الوحل) وتتمسك به فيصفعها علي خدها ويطرحها أرضاً تواجه والدها أنها ستتزوجه رغم كل شئ فهي تري فيه الزوج المناسب لها فهو أفضل في نظرها من ابن عمها الثري الذين يودون أن يزوجوها اياه وهي لا تطيقه بعضاً فمشاعرها تواءمت وانسجمت مع محمود ذلك الشاب البسيط قلباً وقالباً فهي تري فيه الفارس النبيل الكريم وترى فيه صفات الرجل الذي تحلم بأن ترتبط به.
ويحبسونها في المنزل لكنها وعن طريق خادمتها التي تصل لمحمود في ورشته وتبلغه اولاً بأول بما يحدث تطمئن علي محمود رغم أن ابوها بنفوذه يحاربه في أرزاقة بل ويهدده بالابتعاد عن ابته والا سيلقيه في غيابة السجون وهو له اتصالاته وقادر علي فعل ذلك التهديد ولكنهم حددوا ليلة زفاف فاطمة إلي ابن عمها ولكن لحظة انتظار المأذون تفر من ( البلكونة) إلي محمود وتستنجد به وتتوسل إليه ألا يتركها وأن يأخذها ويهربا بعيداً بعيداً عن أهلها ومحمود ذلك الشاب المهذب الرقيق في حيرة من أمرة وأمر قلبه أيخالفها وهو يثق أنه إن فعل فستضيع منه إلي الأبد كما أخبرته. أيضحي بحب حياته وأجمل وأقرب إنسانه إلي قلبه وعقله أيفارق روحه ويقضي بقية حياته جسداً بلا روح وما معنى الحياة بدون فاطمة إن الحياة بدونها جحيم وعذاب أم تراه سيستجيب لنداء قلبه ويهربا بعيداً عن الناس كل الناس ويحيا معاً حياة سعيدة كريمة خاصة وأنه كان قد توجه للمأذون وأخبره بقصته فأكد عليه أن موافقة الأهل ضرورية وواجبة كشرط لصحة عقد الزواج فلا زواج بغير ولي أي موافقة ولي الأمر حسبما يري الشرع ولا يمكز له إن يخالف ذلك وقد درس وتخرج من الأزهر الشريف وبالفعل كانا قد قررا أن يرحلا سوياً إلي إحدى قرى المنصورة حيث أحد أصحابه الذي روي محمود له القصة ليأتي بالمأذون ويتمما عقد الزواج لكن محمود قرر أن يرجع إلي والد فاطمة ويطلبها مرة أخري فيشتاط الأب غضبا لكنه يطلب فاطمة فيحضرها محمود علي وعد منه بعدم التعرض لها ويكون ذلك بعد محضر رسمي يقر الأب فيه ذلك أمام مأمور المركز ويخبر الأب ابنته أن بن عمها بعدما حدث صرف نظره عن الزواج منها وأنه لايمكن لأي شاب من أبناء الأسر الكريمةأن يفكر في الزواج منها بعدما حدث أي بعد ( الفضيحة) علي حد تعبيره ويشترط عليها أن تكتب إقرارا بتنازلها عن نصيبها في الميراث مقابل أن يوافق علي الزواج وبالفعل يتم عقد الزواج إنها اسعد لحظات العمر لدي فاطمة إنها سعيدة سعادة ما بعدها سعادة سعادة لو وزعت علي كل الناس ما بقى فيهم تعيس واحد إن عينيها تفيضان بالفرح والسرور وورود خدها قد ازدادت توهجاً وإحمراراً ورسمت الفرحة علي شفتيها أجمل ابتسامه في الوجود انها ابتسامة كالشمس تضيء الدنيا وتملاؤها بهجة وسعادة فأخيراً وبعد كل هذا العذاب ارتبطت بتوأم روحها محمود ومحمود كذلك سعادته لا توصف بكلمات بل إنه يحس أنه أسعد أنسان في الوجود إنه سعيد لدرجة الخوف علي تلك السعادة ألا تدوم خوفه من الزمان والأيام لكن سعادته غامرة وهو الآن يجمعه بتوأم روحه بيت واحد ويظلهما سقف واحد فما اجملها وما أجمل القدر الذي وهبه هذه الفرصة الكبيرة ولم يبخل عليه بهذه السعادة ويقضيا أسعد ( شهر عسل ) وبعدها كان علي محمود أن يبحث علي عمل فكان يقضي النهار هو وصديقه في البحث ويعود متعباً منهكاً إلي البيت فتلقاه زوجته الحنونة ببسمة رقيقة وبشاشة علي الوجه وقبلة علي خدة تسكن كل آلامه وتملأ نفسه بالأمل.
ويعمل في (مطحن الغلال) في القرية إنه عمل منهك وشاق كما أنه غير مجزي لكنه يتحمله رغم كل هذا ويسمع محمود أحلي خبر وهو عائد إلي منزله من أحن زوجة في الوجود إنها حامل نعم حامل في شهرها الثالث ويضمها إلي صدره بقوة ويكاد أن يطير بها من الفرح وبعد ستة أشهر تلد فاطمة فتاة وضيئة الوجه كالبدر ليلة تمامه ويسميها هدي علي اسم امه ويعمل إلي جوار عمله في ( مطحن الغلال) سائقًا علي ( جرار ) ليزيد دخله ويرزقه الله بمني ثم شيماء ثم أحمد الذي يتوسم فيه كل خير ويعده لتحقيق أحلام تمني أن يحققها ولم تسمح له الظروف بذلك بعد لأن يدخل كلية الحقوق ويصير وكيلاً للنيابة ثم يرزقه الله بأسماء وبعدها دعاء ثم هبه ثم منة ويعمل ليزيد دخله وينفق علي الأولاد تلك الأسرة التي طالما تمناها وحلم بها إنه يحب فاطمة ويتمنى لو أنجب منها مائة طفل هكذا يحدثها بشرط أن يكونوا في رقتها ووداعتها وجمالها ويرزقه الله بـ رشا آخر العنقود ويحس الأب بأن الدائرة بدأت تضيق عليه فالأولاد يكبرون وها هم يدخلون المدرسة تباعا هدي ثم مني وشيماء ثم أحمد والمصاريف تزيد بل وتزيد فهو يصر علي أن يعلمهم ويدخلهم المدارس وطالما شكي لأعز أصدقائه خالد من ضيق الحالة وطالما واساه خالد وأمره بالتحلية بالصبر والايمان بالله وهكذا فاطمة تلك الزوجة المؤمنة الطاهرة التي ضحت من أجله بثراء أبيها ورغد العيش في كنفه ضحت بكل شئمن أجله إنها دائما تبتسم في وجهه وتمده بالأمل فأحمد الآن في الصف الثاني الابتدائي وشيماء في الصف الثالث ومني في الصف الاول وهدي في الصف الخامس والاب يكد ويكدح طوال اليوم لينفق عليهم ويعلمهم ولكن ماذا يفعل تجاه هذه المصاريف والالتزامات فهو بشر وله طاقة احتمال ماذا يفعل لشراء الطعام والملابس بل وشراء الكتب المدرسية والكتب الخارجية ومصاريف المدارس والدروس لمن يلجأ وهو غريب في هذا البلد فصديقه فقير مثله لكن العناية الإلهية لن تترك ذلك الشاب المخلص الأمين فصديق عمره يدق بابه في فرح شديد ( فرجت يا محمود فرجت مش بأقولك ربنا كبير) ويريه عقد عمل في إحدي دول البترول في الخليج العربي في دولة الكويت إنه الحلم الذي تمني أن يتحقق ويعد نفسه للسفر رغم خوفه من الغربة ومرارتها وشوقه لزوجته وأولاده وخوفه من البعد عنهما إلا أنه ليس أمامه حل غير هذا وتودعه فاطمة ويسافر بعد أن جمع ثمن التذكرة وعقد العمل فقد استدان وباع ( عفش البيت ) أيضا ليسافر ولكنه في الكويت سيعمل ويجتهد و سيعوضهم عن كل هذا وبالفعل يعمل ويتعب في ورشة كبيرة ويري صاحبها إخلاصه وتفانيه في العمل فتزيد ثقته فيه ويزيد أجره ويرسل لزوجته المال فتبني الدار وتجملها وتنفق علي الأولاد وها هم جميعا يتقدمون في المدرسة وتتسحن الحالة ويعم السرور الأسرة جميعها. إن الأب أصبح شريكا لصاحب الورشة بل وفي تجارة السيارات أيضا وإن أحمد الآن في الثانوية العامة والأب يزور مصر كل سنة ويقضي معهم شهراًكاملا ثم يسافر إنهم أصبحوا في رغد من العيش ويتقدم عريس لخطبة هدي فلا تمانع الأم وبالفعل تتم الخطبة أثناء إجازة الأب السنوية في مصر وتخطب مني في الاجازة التالية ثم أحمد فهو الآن في السنة الثانية من الكلية (كلية الحقوق) كما حلم والده وبعده تخطب شيماء كماإن أحمد أحب زميلته حبا شديدًا وهو في السنة الثانية ينجح بتقدير جيد جدًا والأب لم يمانع في الخطبة بشرط أن يدفعه ذلك للتفوق ولا يؤثر علي مستقبله نعم إنه أيضا في السنة الثالثة بالكلية يحصل علي تقدير جيد جدًا والفتاة مهندمة وجميلة ومن عائلة كريمة وأحمد وأسرته في رغد من العيش فقد أصبح الآن لديهم الأرض الزراعية والدار الجميلة والسيارة وحساب غير قليل في البنك.
إن احمد يشعر أنه أسعد سكان الكرة الأرضية بل أسعد انسان في العالم ولما لا وقد حباه الله بكل نعم الدنيا الحياة الكريمة والأبوين الحنونين والأسرة الطيبة وايضا الحبيبة الجميلة المخلصة إنها أروع صور السعادة علي الاطلاق . الأب في قمة رضاه عن إبنه وسنده ووحيده الذي تمناه من الدنيا والأم كذلك كم هي سعيدة بوحيدها الشاب الفتي المهذب العاقل الذكي إنه حقاً مفخرة ( وزينة الشباب ) كما يقولون.
ايضاً البنات اخوات احمد كلهن سعيدات فرحات المخطوبات منهن والصغيرات السعادة تملأ الوجوه والعيون وتفيض من الجفون. إنها كما قالت أم احمد حين سألها أبوه ليلة خطبته ( دموع الفرح ).
ويسافر الأب بعد خطبة أحمد وتودعه الأسرة راجين من الله أن يحفظة ويرعاه.
الأب : أشوف وشك بخير يا أحمد
الأم :(مع السلامة يا ابو احمد ترجعلنا بألف سلامة)
الأب:(أشوف وشكم بخير يا ولاد خدوا بالكم من نفسكم)
الاولاد:(مع السلامة يا بابا)
أحمد :(في رعاية الله يا بابا)
الأب :(خد بالك من اخواتك وأمك يا احمد)
الأم :(وهي تكفكف دمعها ربنا يحفظك ويكفينا شر المستخبي)
ويسافر الأب وتمضي الشهور والشهور وأحمد الآن في السنة الرابعة ( النهائية ) إنه لم يبقى إلا شهر واحد علي الامتحان وخطيب هدي يستعجل الزواج وكذلك خطيب شيماء ومني وينتظرون نزول الأب بفارغ الصبر .
وبالفعل يخبر الأب الأسرة في تلغراف عن موعد نزوله يوم الخميس القادم ويأمرهم بأن ينتظروه جميعاً في المطار ويذهبوا لانتظاره لكن تحدث ( الفاجعة ) الميكروفون يعلن الرحلة رقم ١٣١٦ القادمة من الكويت حدث احتراق وانقلاب للطائرة) الأم تقع علي الأرض لهول ما سمعته والأولاد يصرخون( يا حبيبي يا بابا يا حبيبي يا بابا) وأحمد تدور به الكره الأرضية إنه لأول مرة في حياته يشعر بدورانها إن دورتها قاسية مؤلمة إنه يشعر وأن قدماه تغوصان في أعماق الأرض ما الذي يسمع أحقاً ما يسمع أم أنه في كابوس فظيع يود أن يستيقظ منه سريعا.
لكن لرحمة الله بهم الأب كان من ضمن المصابين الأحياء الناجين من ركاب الطائرة الحزينة المنكوبة ونقل مع من نقلوا إلي المستشفى ويزوره أحمد ووالدته وأخواته لكن لا يستطيعون الدخول عليه إنه في حجرة العناية المركزة وكلهم يتضرعون إلي السماء رافعين اكف الضراعة وعيونهم وقلوبهم متعلقة بالسماء أن يحفظ الله الأب عائل الاسرة وكل شيء لهم في الدنيا إنه رصيدهم الوحيدة في بنك الحياة .
(يا رب يا رب يا رب – استرها معانا يا رب – يا رب ( الأم )
يا رب تخليلنا بابا يا رب يا رب يا رب ( الأولاد )
أحمد يطرق واضعاً يديه علي ركبتيه وممسكاً رأسة بكفيه وفي شرود عميق.
الأيام تمر والأب طريح الفراش في المستشفى والأسرة كلها في حيره لا تدري ماذا تفعل.
العلاج مكلف والأب يحتاج إلي عمليه عالية التكاليف يضطر أحمد أن يعمل بنصيحة والدته ويبيع السيارة ثم يبيع الأرض الزراعية . كل هذا لا يفيد خرج الأب من المستشفى والحمد الله لكنه يحتاج إلي علاج مستمر ولأمد بعيد ورعاية وأدوية أسبوعية ( حقن وعقاقير ) تضطر الأم لانفاق ما يتبقى معها علي العلاج فالعلاج يكلفهم ٢٠٠٠:٣٠٠٠ جنيه اسبوعياً فتضطر الأم لبيع ( صيغتها ) و (صيغة) البنات التي اشتراهم الوالد بعد أن سحبت كل رصيدهم في البنك.
يا لقسوة الظروف فقد حالت بين دخول احمد امتحان السنة النهائية بكلية الحقوق بل وحدث ما هو أفظع من ذلك أن خطيب هدي يفسخ خطبته بها وبعده خطيب منى وخطيب شيماء أيضاً مخافة ألا يستطع أحمد أن يجهز أخواته د وأن الحال قد تغير إلي أسوأ حال إن الفتيات يكدن يقتلن انفسهن من البكاء لكن وعلام الندم الحمد لله الذي انجاهم من هؤلاء الاندال الأوغاد اللذين لا يستحقونهم.
– الظروف تقتضي أن يعمل أحمد لينفق علي البيت وعلي علاج أبيه وعلي أخواته البنات. إنه يعمل في مطحن الغلال ويعود كل يوم متعباً منهكاً من عمله والحسرة علي ما آل إليه حاله تملأ عينيه لكن عمله وحده لا يكفي للانفاق علي العلاج والبيت وتضطر الأم أن تبيع الدار وتنتقل لدار صغيرة من الطوب اللبن في اطراف القرية.
أحمد في ظل هذه الظروف يجب أن يختار و ويأخذ خطوة ما كان يتمنى أن يخطوها في حياته إنه يقرر أن يترك خطيبته ويضحي بها رغم حبه الشديد لها لأسباب عديدة فهو لم يكمل تعليمه وهي قد حصلت علي الليسانس وليست لديه فرصة لإتمام تعليمه.
كما أن الظروف أصبحت قاسية جداً فهو مسئول عن أسرة مكونة من 10 أفراد الام والأب والبنات وهؤلاء البنات يجب أن يزوجهن والأب في أمس الحاجة للرعاية . فلا مكان في أن يفكر في نفسه ولو للحظة واحدة فقد فرض عليه القدر دورا ويجب أن يؤديه علي أكمل وجه إنها تصر علي أنها تحبه وأنها متمسكة به وستتحمل معه كل شيء تطلب منه فرصة أن تساعده وتقف بجانبه لكنه في إباء وعزة يرفض لأنه شاب ذو كرامة ومرهف الحس وللأسف يعطيها دبلتها وتفترق الأيدي التي تشابكت واجتمعت علي الحب والصفاء والعبرات تملأ العيون
مها : ( أحمد انا بحبك ارجوك ماتسيبنيش. أحمد : أنا كمان بحبك وعلشان كده لازم نفترق )
أحمد يعود كل يوم من مطحن الغل عليه الاعياء والتعب ثم أن أجره لا يكفي وحده في الإيفاء بالمصروفات اليومية ومتطلبات المعيشة والعلاج . إن الظروف تضيق أكثر وأكثر والبنات يخرجن للعمل في الحقول وهن الناعمات المرفهات يا لقسوة الظروف بل وتضيق أكثر والأم تخرج للسوق لتبيع وتشتري ويعدن كل ليلة للبيت فيسمعن صوت الأب الحزين وبكاءه الشديد ( يا رب يا تشفيني يا ترحمني يا رب يا رب )
إنه لا يطيق ان يصبح معالاً بل وعبئاً علي الأسرة بعد أن كان عائلها ومصدر سعادتها لكن ( هي الايام والقدر وأمر الله ينتظر ).
وتواسيه الأم وتضمه إلي صدرها ( بس يا أبو احمد الصبر الصبر ان شاء الله ربنا فرجه قريب بس انت اصبر وقول يارب )
أحمد يدخل ويقبل يد والده كالعادة ويجلس إلي جواره والبنات يلتففن حوله ثم تقوم الأم لإعداد الطعام.
ويلتفون حول ( الطبلية ) لتناول العشاء المتواضع واثناء العشاء أحمد يوجه خطابه لوالده
احمد: ( ايه رأيك يا بابا اسافر ليبيا مع أصحابي اهم بيقولوا بالبطاقة دلوقتي وان الشغل فيها كتير والفلوس كتير )
الوالد: ( قلبي عندك يا ابني كان نفسي اعلمك واشوفك زي ما انا عايز لكن الظروف اقوي مني ومنك يا احمد )
احمد : ( وهو حصل ايه يعني يا بابا ما تروق كدا ياحج وصلي علي النبي وتدعيلي ومن عارف ما يمكن ربنا يفرجها من عنده ويكون السفر هو السبب )
الوالد: ( سافر يا احمد سافر يا ابني ربنا معاك )
الام: ( ربنا يوفقك يا بني )
وبالفعل احمد يحدد ميعاد سفره الخميس القادم هو ورفاقه من شباب القرية ويسافر فجر الخميس علي المملكة العربية السعودية وتودعه الأم والأسرة بحرارة شديدة وفي المملكة الأمر غير ما توقع احمد ان الظروف غير مهيأة للحياة فهو يقيم في ( غرفة من الطوب مع عمال الترحيلة والمعمار ) والشغل المناسب غير متوفر فلكم اشتغل في البناء والنقاشة والمحارة والحفر وانتقل من ( شغلانة الي اخري ) وكلها أعمال شاقة وهو لم يتعود التعب والخشونة لكن فرضتها عليه ظروف الحياة اسوأ فريضة انه كل يوم يمر عليه يشعر بضيق وضجر وهم يطبق علي صدره يكاد يذهب يأنفاسه من العمل تارة ومن سوء المعاملة التي يلقاها المصريين تارة اخري إنهم يعاملون اسوا معاملة بكل احتقاروا زدراء ولا يقدر تعبهم وإبداعهم وتؤكل حقوقهم انهم يعاملون كأسوا فئة من المغتربين يعاملوا بهذه القسوة والمعاملة السيئة وكثيرا ما أطرق أحمد وشرد فيما آلت اليه حاله إنه خسر كل شئ خسر حبيبته التي أحبها وخسر شهادته وأحلامه وخسر والده صحته وخسر ثروتهم وحياتهم الكريمة وإلي الآن لم يكسب شئ لو كان قد تربي علي التعب والعناء لكانا أهون عليه الآن لكن هذا لم يحدث فالمرارة هنا أشد بكثير ولطالما رفع عينيه الي السماء طالباً الخلاص من الله انه يجد العناء في تحصيل الأموال القليلة التي يحولها الي الاسرة ولا يدري ما حالهم انه يذوق الامرين من أجل اسرتة مر الغربة ومر العمل الشاق . لكن الله رؤف رحيم.
فأحمد ما من احد من اخوانه المصريين سواء كان (عم رجب سرور )كما ينادونه مع اسمه الحقيقي رجب علي ابراهيم ابوعلي الشريعي الشريف الذي اشتهر بالأمانة والدعارة والروح الخفيفة أو عماد يوسف أو ناصر عطية أو هاني شباب أو الحج علي عبدالله الحلاق أو عيد نور فني المحارة أو نور عبدالعال فني المحارة أو عاطف قطب النقاش أو هشام الطيب هشام انور السائق الا ويحبه ويثق به ويفضي اليه بسره ويحاول ان يهون عليه ويطمنئه ويخرج إلي العمل كل يوم مع رفاقه ( في المحارة ) وفي يوم يدعوهم (ثري سعودي ) للعمل ( مرمة ومحارة ونافورة في حوش المنزل ) ويذهبوا لعمل المرمة والمحارة كل صباح واثناء العمل يري احمد البنت الصغيرة التي تطالع دروسها فيبتسم لها ويحاول ان يساعدها في مذاكرتها دون ان يلهه ذلك عن عمله ويوماً بعد يوم تعودت البنت عليه وحكت لوالدها الحج عمران عنه فتعجب الوالد وسأله هل تجيد القراءة والكتابة والمذاكرة وماقصتك؟ فيخبره أحمد بقصته وسبحان الله ينشرح قلب الحج عمران ( السعودي ) لأحمد ذلك الرجل اطيب يشع وجهه بالنور ولما لا وهو من أهل مكة أهل الحرم أعل الكرم وصدق الله إذ يقول (الله يعلم حيث يجعل أمانته ) ويطلب منه أن يذاكر لطفلته الصغيرة نظير ١٠٠ ريال شهريا ويوافق أحمد علي الفور فلحسن الحظ ذلك السعودي الطيب وزوجه الحاجة أم مهند وابنها مهند وابنتها لولي وابنها محمد وابن اختها ابو كالي العصيمي ومروان الشايف . وبدر العتيبي كان قد نزل إلي مصر وعرف عن أهلها صفات حسنه كثيرة منها الطيبة والكرم والأمانة علاوه علي أنه وثق في أحمد واطمئن له ولولا ذلك لما سمح له بدخول بيته فهم حريصون جداً وغيورون جداً لدرجة قد تصل عند بعضهم للتشدد أحياناً مع كل من حولهم.
وأحمد كل يوم يذاكر للطفلة الصغيرة ثم ابنة أخت الرجل ولبنت جارهم وبنات أخريات. الحمد لله أحمد الآن يستطيع أن يرسل للأسرة كل شهر مال غير قليل تستطيع أن تشتري ما تحتاجه ونتيجة لتردد أحمد كل ليلة علي المنزل يتعلق به قلب إبنة الحج عمران الثري الليبي الكبيرة لكنه يغمض قلبه وعقله عنها صوناً للأمانة وحرصاً علي لقمة العيش وفي حفل زواج حضره بين رجال اعمال من الليبيين أحمد يشير عليهم استشارة قانونية نافعة جداً ويعجبوا بها فيخبر الرجل صاحب المنزل صاحبه بأنه كان في كلية الحقوق في آخر سنة فيرد الليبي الآخر ( وليه ما تشغلهوش معاناً في التوريدات والتصدير وخلافه أهو اكيد يفهم في الحاجات دي وهيريحنا كثير ) ويعرضا العرض علي أحمد فيطلب فرصة للتفكير فيغرياه بمرتب كبير فلا يمانع احمد فتكون الفتاة الصغيرة تحضر الحديث فتقول علي الفور علي شرط يفضل يديني الدروس يا بابا
الليبي : ( ما شي يا ستي )
السنوات تمضي وأحمد يعمل ويكسب لكنه لا ينسي حلم التخرج والليسانس.
ولا زالت الفتاة الكبيرة تحاول ان تقترب من قلب احمد انها رائعة الجمال بل انها آيه في الرقة والوداعة وأحمد يشعر بارتياح شديد لها لكنه أحرص ما يكون علي الا يقترب منها اكثر من اللازم يكفي السلام والاماءه وقليل من الكلمات لكن كلماتها للرقيقة وصوتها العذب ينساب ويتسلل الي القلب في رقة ووداعة الحق انه وجد فيها اكبر عوض عن آمال خطيبته التي فرقت بينه وبينها الظروف القاسية لكنه لن يستجيب لنداء قلبه فأمامه ما هو أهم ويستأذن احمد الرجل الليبي في النزول الي مصر فيأذن له لكنها تخشي عليه ألا يعود وتطلب منه العودة وتخبره بشوقها الشديد لمصر الجميلة الكريمة التي كم قرأت وسمعت عنها فهي مثقفة وجامعية وتحب القراءة وهي من هواياتها المفضلة و تطلب منه ان يراسلها طيلة وجوده في مصر الفترة التي سيقضيها هناك فيعدها أن يفعل إن استطاع ويرجع احمد الي مصر ويقابل بكل ترحيب وحب من الأسرة إن السنين قد غيرت ملامحه لكنها لم تستطع أن تغير قلبه وطباعه وإن بدت علامات الزمن واضحة علي وجهه لكن علامات الطيبة واضحة ايضا. في مصر بحث عن آمال خطيبته فعلم بأن حبه الأول قد تزوجت وانجبت طفلين فيتمني لها حياة سعيدة ويحدث نفسه ( بقي النصف الثاني من الحلم ) يعود للكلية ليسجل اسمه ويعمل ( الكارنيه) ويحضر الكتب المطلوبة كلها وفي البيت يخبروه بأن شاب مهذب وبسيط تقدم لخطبة هدي وهو لا يطلب أي شئ سوي هدي نفسها والأب والأم موافقان وينتظرا موافقة أحمد فلا يمانع ويكون الفرح عائلي وآخر يطلب شيماء فأحمد يطلب فرصة لتاجيل دخلة شيماء والحمد لله الوالد أفضل من الحال التي تركه عليها لكن الأم دب الشيب في رأسها وانكسرت ملامح الوجه وبدأت التجاعيد تملأ الوجه الطاهر النقي ويطلب منها احمد الدعاء: ( ادعيلي يا امه دايماً تدعيلي) ويحكي لها عن هيفاء الفتاة الليبية وعن رقتها وتحاول الام ان تختبر قلب ابنها فيؤكد لها أن أمامه مهام اكبر من الحب ومن الزواج ويخبر أمه بأنه قد اعاد تسجيل اسمه لامتحان الليسانس وتشعر الام كذلك بالحيرة كثيراً لكن تسأله ( مش ناوي ترجع ليبيا يا احمد تاني ولا إيه). احمد: ( لا يا أمي ازاي أنا بس هاخد الكتب معايا أحاول أذاكر فيها علي قد ما أقدر وفي آخر شهرين قبل الامتحان هانزل مصر وربنا يساهلها وآهي كلها سنة وتعدي أحسن ما يضيع مستقبلي كله علي كام شهر ولا إيه ياست الكل. الام:(ربنا يوفقك ويسعدك يا أحمد يارب).
ويعود أحمد إلي المملكة ويقابله الرجل السعودي علي شوق ( إيه يا أحمد انت كنت ناوي تقعد في مصر وتسيبنا لايصين من غيرك ولا إيه) أحمد: لا ازاي يا حاج انتم وحشتوني قوي والشغل كمان وحشني قوي حضرتك والحج احمد الحربي وأبو سف واسلام الحج فهد الغنام والحج علي المطيري والحويطي ووخشني قوي الشحن والتفريغ والتوريد…………….. كله يا حاج). وأماهيفاء فإنها كانت علي شوق كجمر النار تنتظر عودة أحمد وهو كلما زادت الفترة التي غابها في مصر زاد شوقها وحبها له أما احمد فقد أشعرته فترة غيابه هو أيضا بعاطفة غريبة نحوها وشعور يدب في أوصاله يخشي أن يكون حبا فقد كان يظن أن قلبه أغلق علي ( آمال ) وحدها لكن يبدو أن الحياة قد عادت إلي قلبه والحب يدق باب قلبه غازيًا للمرة الثانية فيقترب منها كلما اقتربت منه وكلما سنحت الفرصة رويدا رويدًا ويحكي لها عن مأساته ومعاناته ويجد فيها الصدر الحاني الرقيق الذي يسع كل البشر علي اختلافهم يالها من فتاة رائعة وكأن القدر يعوض أحمد عما عاناه وقاساه في حياته ويبدو أن الرجل السعودي يشعر بتلك العاطفة النبيلة الطاهرة والغريب يبدو أنه لا يمانع فيسمح لأحمد بتناول القهوة بعد الغداء معهم في وجود الفتاة ويتحدثا سويا ثقة منه بأحمد وثقة في أخلاق ابنته التي رباها وأدبهاعلي أحسن ماتكون التربية وكم تمني أن يكون أحمد زوجا لابنته وأخا لبناته الأربعة ويسأله بعد الغداء وأثناء تناول القهوة (وناوي تعمل إيه يا أحمد) (علي ايش ناوي يا أحمد ) . أحمد:(والله يا حاج نفسي أمتحن الليسانس السنة دي ) الحاج:( طب وايه المانع ) (وايش مانعك أحمد:( أنا ممكن أستأذنك في نزول مصر قبل الامتحان كده إن شاء الله).
الحاج: ( بإذن الله يا أحمد ربنا يساهلها لك)(أن شاء الله ياوليدي أن شاء الله ) الحاج : (طب والوالد ايه اخباره)(وطيب والوالد ايش اخباري ايس بيسوي منو بيقعد معه منو بيرعاه .
أحمد: ( كويس ووالدتي واخواتي هم اللي بيراعوه لكن نفسي ربنا يكرمني يا حاج وأقدر أسفره بره يعمل العملية).
الحاج: وايه المانع يا أحمد. أحمد (وايش المانع ): ( العملية مكلفة جدًا دي هتتكلف ١٠٠٠٠٠ دولار ) .
الحاج:( يااااااه كتير يا ابني لكن علي العموم انا ممكن اساهم معاك) ( والله مو كثير علشان يسترد صحته وعافيته وان مستعد للمساهمة في ها الخير والثواب ).
أحمد: ( لا يا حاج متشكر أرجوك أنت عارف مبدأي).
الحاج: ( عارف يا أحمد عارف الوالد لازم يتعالج من جيبك أنت وعلي حسابك أنت ربنا يقدرك يا ابني )( اي والله عارف بدك تجول بوك لازم يتعالج علي حسابك ولا تسمح لحدي يدفع هلله واحدة .
يواصل أحمد عمله مع الحاج عمران السعودي ويواصل مذاكرته وكم أسعفته هيفاء بقدح من القهوة وهو يذاكر في غرفته المخصصة له في منزلهم وكم ربتت علي كتفه وبثت فيه الأمل وبفضل الله ينجح أحمد في الليسانس بدرجة جيد جدًا إن الفرحة غامرة والسعادة ليس لها مثيل فرحة تكاد تمتد من مصر المحروسة إلي المملكة العربية السعودية الشقيقة تملأ قلب الأم والأب والأسرة وقلب هيفاء ووالدها وشقيقاتها اللاتي وجدن في أحمد الأخ المخلص لهن جميعًا والوفي والأمين عليهن جميعًا.
وتكمل الفرحة بزفاف شيماء ومني في ليلة واحدة إلي بيت أزواجهن .
ويعود بعدها أحمد إلي المملكة وبفضل الله يخبر الحاج أنه ينوي العمل في المحاماة في القانون الدولي الذي سجل فيه أحمد دبلومته والعمل به مربح ويساعده الحاج في العمل في مكتب للمحاماه والحمد لله الفترة التي قضاها في عمله مع الحاج عمران أعطت له فرصة كبيرة في الاحتكاك بالمحاكم و
أتاحت له فرصة التمرين في مكتب أكبر محامي في حي الزاهر بفضاء مكة بالمملكة ويعمل أحمد في المكتب لكن طموحه أكبر فإنه يحصل علي الماجيستر وبالفعل وعلي الدكتوراه أيضا في زمن قياسي ويفتح له مكتب خاص ويتعب في بداية الأمر لكن تعبه يثمر ويصبح مكتبه واحد من أكبر مكاتب المحاميين في ليبيا إن لم يكن أكبرها علي الاطلاق.
أماهيفاء فشوقها زاد وفاض علي الضفتين وهو أيضا لكن كم طلب منها أن تتريث وتصبر وسيكون ما تمنياه بإذن الله.
إن أحمد الآن أكبر محامي في الجماهيرية وهذا ساعده علي أن يتقدم لخطبة هيفاء و يوافق الأب (ويسأله إيه اللي منعك الفترة اللي فاتت دي كلها يا ابني) (شنو منعك ياوليدي كل ها الفترة اللي فاتت انك تتجدم ).
أحمد: ( كنت أخاف أن تظن أنني أكون وصولي وإني استغل ثروتك وثروتها في منفعتي أو حتى يفهم عني كده لكن الوقت أنا أقدر اطلبها وأعيشها في مستواها وانا في غاية الثقة إني هاعمل المستحيل علشان أسعدها ).
الحاج 🙁 وأنا موافق يا ابني والخطبة الخميس القادم ).
أحمد 🙁 ماشي يا عمي بس علي شرط الدخلة الشهر القادم في مصر وبعد سفر والدي وعودته من العملية باذن الله ) .
الحاج : ( موافق يا ابني ربنا يشفيه ويطمنك عليه) الفرحة أشبه بالزلزال الذي يهز كل جوارح هيفاء فرحة انتظرتها شهور وسنين مع أحمد فتي أحلامها وحبيب عمرها والرجل الوحيد الذي خفق له قلبها فمن يا تري أسعد منها وهي تجلس إلي جوار خطيبها وحبيبها أحمد ( في الكوشة) وحولها أخواتها البنات وأبوها والأقارب من أهل الدمام والرياض وتبوك ومكة من حي النزهة والظاهر والمنهجية والاحوال المدنية والجعرانة والحوطة وأصحاب أحمد المصريين ومنهم الحج سيد البربري والحج فتوح والأستاذ رضا والأستاذ علاء وأهالي قرية الطيبة من نبروهةقرب مدينة المنصورة محافظة الدقهلية.
ويمر الشهر وينزل الحاج وبناته مع أحمد علي مصر وفي مصر قوبلوا بالترحاب والحفاوة البالغة من الأهل والأولاد. الحمد لله فأحمد أصبح الآن ثري والحمد لله وقد عوضه الله عن دارهم بدار أفضل منها وسيارة حرص علي أن تكون متواضعة تؤدي الغرض منها لكن الدار جديدة ومعها هيفاء الجميلة فقد رفض أحمد أن يتزوج في ليبيا وطلب من والد هيفاء أن يقيم ولو الفترة الأولي من الزواج في مصر مع أبيه وأمه وتودع الأسرة الأب وهو مسافر لإجراء العملية وينتظروته علي شوق وقلق.
والحمد يعود سالمًا معافا ماشيًا علي قدميه فيحتضنه أحمد في المطار ويرتمي علي صدره ويتذكر كل ما مضي من العمر في لحظة ارتياح نادرة .
الأم: وهي تبكي وتحتضن زوجها (حمد الله علي السلامة يا أبو أحمد ) الأسرة والحاضرون يتأثرون فالموقف مؤثر للغاية.
وفي البيت يقرر والد أحمد أن فرحه الخميس القادم فتشهد القرية أكبر فرح في مصر لأحمد وعروسته السعودية الحسناء هيفاء وتغمر الفرحة الأسرة التي طالما تلقفتها الحسرة والحزن وترتسم البسمة فوق الشفاه وفوق وجوه الفتيات أخوات أحمد وأصحابه وأهل القرية والأم والأب والحاج أبو هيفاء وأخواتها. الحمد لله الذي لم يحرم قلوب هذه الأسرة البسيطة الكريمة من السعادة وعوض أحمد وأسرته عن معاناتهم والأمر أصبح يسير من حسن إلي أحسن المفاجأةالكبري كانت في جد أحمد أبو والدته فاطمة وأعمامها وسط فرحة عارمة من فاطمة ومحمود واحمد والبنات والحمد لله وقد بني أحمد مسجد بالقرية ومصنعا ومستشفي لعلاج الفقراء وتنتهي القصة علي الأب وهو يقبل أحمد والأم وهي تقبل هيفاء في الكوشة.