المنافقون
بقلم: أسامة حراكي
من لم يشعر بالحاجة إلى الصلاة فلا يصلي، ولا يتظاهر بها لأنه لا فائدة من ذلك يوم القيامة، فكل واحد منا في مواجهة ضميره ومسؤول عن أفعاله أمام الله عز وجل، وليقرر كل منا مايريده فلا أحد يستطيع أن يرغمه بأن يكون مؤمناً، فكل منا قام بواجبه تجاه ضميره، وفي كل الأحوال الاسلام دين يسر لا دين عسر، فيكفي أن نكون مؤمنين، أنا نؤمن بالله لاشريك له وبالأنبياء جميعاً وبمحمد صلى الله عليه وسلم آخرهم، ولا نكذب ولا نسرق ولا نسيء للآخرين ونحسن معاملتهم ولا نقتل النفس إلا بالحق، أما الباقي فيما يخص كل واحد منا فهي علاقة بين العبد وربه، ولا إكراه في الدين، ونحن على يقين بأنه لا أحد يملك مفاتيح الجنة ولا تصريح دخولها، لأننا على يقين أنَا نملك من حُسن الظن بالله ما يخولنا لدخولها.
كانت هناك سيدة أعمال محجبة تؤدي الفرائض وتعتمر كل عام وتحج كل خمس سنوات وتنصح الملتزمات من صديقاتها بعدم وضع الكحل وأحمر الشفاه لأنه يلفت النظر ويشوه الالتزام الديني، اتفقت على شراء ثلاث شاليهات قيد التشطيب، وقبل إتمام عملية الشراء بيوم قررت الاكتفاء بشاليه واحد فقط، وغاب عن محاسب الشركة تغيير عقد البيع، فتم تسجيل الشاليهات الثلاثة باسمها في الشهر العقاري وبعد اكتشاف الخطأ، جن جنون الشركة المالكة وحاولوا إقناعها بإعادة التسجيل، لكنها رفضت وقالت إن هذا رزق من الله سبحانه وتعالى، ولم يكن لديها أدنى شك في أنها اغتصبت حق غيرها.
في كتابه “مصر على دكة الاحتياط” يتحدث الكاتب علاء الأسواني عن صاحب مطعم كباب معروف بتدينه الشديد، ويشترط التدين في من يعمل لديه، ويغلق المطعم في أوقات الصلاة ويمتنع عن البيع ويؤم العاملين عنده في صلاة الجماعة، والعاملون على جباههم علامة السجود ويبدؤون المكالمات التليفونية “بسلام عليكم” ويضعون كلمة إن شاء الله في كل جملهم، والعاملات جميعاً محجبات يرتدين الزي الإسلامي الفضفاض، ويتولى صاحب المطعم الإنفاق على أحد المساجد من جيبه، ويخصص مبلغاً كل فترة لتجديد المبنى وطلائه وشراء الحصير والمراوح الكهربائية وكل ما يلزم المصلين، كل هذا جيد ولا اعتراض عليه، لكن الغريب أن هذا التدين الشديد لا يمتد أبداً إلى طريقة العمل في المطعم، فالأسعار مبالغ فيها تصل إلى ضعف الأسعار في المطاعم الأخرى، واللحم يتم وزنه قبل الشواء على قطعة سميكة جداً من الورق المقوى، تؤدي إلى أن يحصل الزبون على لحم أقل من الذي دفع ثمنه، إضافة إلى مخالافات أخرى سجلتها الأجهزة الرقابية واستطاع الحاج دائماً أن يفلت منها بعلاقاته واكرامياته، والمفارقة هنا بين حرص صاحب المطعم على أداء فروض الدين واستيفاء مظاهره، وتلاعبه في الوقت نفسه في الأسعار والأوزان، وهو ليس منافقاً بالمعنى التقليدي وهو لا يشعر بأنه متناقض مع تصرفاته، وعدم أمانته مع زبائنه لا تخدش عنده إحساسه بالتقوى، وهو يكسب بفضل المغالاة في الأسعار والتلاعب أموالاً طائلة يقتطع منها جزءاً بسيطاً يتصدق به على الفقراء، فينام قرير العين مرتاح الضمير.
ويضيف الدكتور الأسواني:هذا الفهم للدين سبب رئيسي في تخلفنا عن العالم، فقد استبدل الحاج الكبابجي بمبادىء الدين الحقيقية تديناً شكلياً مريحاً لا يكلفه موقفاً جاداً ولا تضحية حقيقية، فالدين الحقيقي يدعو إلى العدل والأمانة، لكن إدارة المطعم بالأمانة ستؤدي إلى خسارة كبيرة في الأرباح، بينما التدين البديل لا يكلف شيئاً لأنه يقف عند الشكل والعبادات، يبدأ وينتهي عند الحجاب وصلاة الجماعة والصيام وأداء الحج والعمرة.