المحكمة الدستورية العليا الرومانية تلغى الإنتخابات الرئاسية الرومانية
كتب : د.عبدالله مباشر و م.احمد خليل ثقافلوجيا رومانيا .
أثار قرار المحكمة الدستورية الرومانية بإلغاء الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية مجموعة من الأسئلة من قبيل لماذا تم إتخاذ القرار؟ و هل القرار ينسجم مع مبادئ الدستور أو يتعارض معها ويتغول عليها؟ هل يؤثر القرار على المسار الديموقراطي؟ من سيحكم البلاد و إلى متى؟ و متى ستجرى الإنتخابات الجديدة؟ أهم ردود الفعل؟ تبعات القرار؟ وغيرها، سنحاول الإجابة على تلك الأسئلة و أكثر من خلال المقال التالي، في البداية أكدت المحكمة الدستورية CCR في قرارها المتعلق بإلغاء الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية في رومانيا ،على أنه بموجب مواد الدستور التي يمارس رئيس رومانيا ولايته و سلطاته من خلالها ،فإن الرئيس يبقى في منصبه حتى لحظة أداء الرئيس الجديد المنتخب اليمين الدستورية ،وعليه سيبقى الرئيس كلاوس يوهانيس في منصبه يمارس ولايته الدستورية وفق المادة 83 الفقرة 2 من الدستور لحين إنتخاب رئيس
جديد لرومانيا،بحيث يتم تحديد موعد الإنتخابات الرئاسية الجديدة بعد المصادقة على البرلمان الجديد وإنعقاده،و إجراء مشاورات مع الأحزاب البرلمانية وتشكيل الحكومة الجديدة،من جهته أكد يوهانيس على ذلك الأمر ، مشيرا إلى أنه لا يطمع بأي منصب آخر ،و لكنه فقط سيكمل ولايته حتى يتم إنتخاب رئيس جديد لرومانيا،و عندما يؤدي الرئيس الجديد اليمين، سيغادر منصبه ، وعليه تكون إجابة السؤال متى سيتم إجراء الإنتخابات الحديدة؟ غير محددة و لكن
مبدئيًا التجهيز و عملية الترشح و الدعاية و التصويت توحي أن الموعد قد يكون في شهر مارس آذار المقبل 2025، نجم عن قرار المحكمة الدستورية ردود فعل محلية و دولية متفاوتة ،البعض أكد على أهمية المسيرة الديمقراطية التي إكتسبها الشعب الروماني بعد تضحيات جسام، و أهم أركان النظام الديموقراطي نزاهة إنتخاباته بحيث تعكس الإرادة الديمقراطية للشعب وأنها خالية من التأثيرات الخارجية ذات النوايا الخبيثة بحيث يختار الشعب من يختاره عن بينة، أهم الأسباب التي دفعت المحكمة الدستورية إتخاذ القرار حسب ما نشرته المحكمة، هي المعلومات التي تم رفع السرية عنها خلال إجتماع المجلس الأعلى للدفاع CSAT
والمقدمة من الأجهزة المسؤولة عن حفظ الأمن مثل أجهزة المخابرات ووزارة الداخلية وأمن المعلومات والإتصالات والتي أشارت إلى الأنشطة الروسية التي تهدف إلى التأثير على توجهات التصويت في رومانيا”، أي بلغة أخرى هناك تدخل خارجي في الإنتخابات بقدر تسبب في عيوب لا يمكن تجاوزها ،أما بالنسبة للمعترضين فإن الحديث يستند إلى ضياع فرصة الخروج من عباءة ثنائية PNL و PSD والنخبة الحاكمة و أن التوجه السيادي الشعبوي أو الليبرالي الذي يمثله USRيجب أن يحظى بفرصة، و أن الوضع الاقتصادي في رومانيا معلق بخيط رفيع، و
هكذا قرارات غير متوقعة،ستؤدي إلى تأجيج مخاوف المستثمرين وهي إشارة سلبية تضاف إلى الإشارات السلبية المتعددة التي تلقاها المستثمرون من رومانيا مؤخرًا بغض النظر عن طبيعة رأس المال، لأن المستثمرين يريدون الإستقرار فالإستقرار هو الذي يولد الرغبة في الإستثمار،و هو الذي يدخل الأموال إلى البلاد، وهو الذي يخلق فرص العمل ويؤدي إلى الرخاء الإقتصادي، ولكن بشكل عام القرار لم يلغي الإنتخابات إلى الأبد بل أجلها و كل تيار لديه الفرصة ليخاطب الناخب من جديد و يستقطب صوته و من لديه الأغلبية قادر على تنفيذ برنامجه مع
التذكير بأن دور الرئيس في رومانيا محدود في المسائل الداخلية و المالية في مقابل دور أكبر في الملفات الخارجية و الدفاعية،
في وثيقة قرار المحكمة المؤلفة من عشر صفحات، يشرح قضاة المحكمة الدستورية سبب قرارهم إعادة الإنتخابات الرئاسية من الصفر،حيث ذكر القضاة أن العملية الإنتخابية كانت معيبة طوال مدتها وفي جميع مراحلها بسبب المخالفات المتعددة وإنتهاكات التشريعات الإنتخابية التي شوهت الطبيعة الحرة والنزيهة للتصويت ومبدأ تكافؤ الفرص
حيث إن بعض المتنافسين في الإنتخابات، أثروا على طبيعة الحملة الانتخابية التي يفترض أن تسودها قيم الشفافة والنزاهة وتجاهلوا الضوابط القانونية المتعلقة بتمويلها،وهو ما تسبب بالتلاعب بأصوات الناخبين وتشويه مبدأ تكافؤ الفرص بين المتنافسين الانتخابيين، من خلال الإستخدام غير العادل للتقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي في إدارة الحملة الانتخابية،
وكذلك غياب الشفافية عن مصادر تمويل الحملة الانتخابية، وهو ما أثر سلبًا حرية الرأي للناخبين التي تشمل الحق في الحصول على معلومات صحيحة قبل إتخاذ القرار،بالعودة إلى المحكمة الدستورية صاحبة القرار فهي جهة مستقلة تمامًا تتألف من 9 قضاة من أصحاب الخبرة القانونية العلمية و العملية الكبيرة و من أدوارها مراجعة كافة القوانين و المعاهدات و الإشراف على الإنتخابات الرئاسية و عمليات الإستفتاء الشعبي و ضمان نزاهتها، والَمحكمة غير خاضعة لسلطة و التاريخ حافل بمواقف
وقرارات عارضت فيها المحكمة قرارات حكومية و رئاسية، والمحكمة هي الضامنة لمبدأ سيادة الدستور، و أخيرا الدستور الروماني في مواده الأخيرة يتضمن فقرات واضحة عن أهمية مسار الإندماج في مؤسسات الإتحاد الأوروبي و حلف شمال الأطلسي و هي مواد أقرها الشعب بموجب إستفتاء على التعديلات الدستورية و نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة كشفت عن أن 65%من المصوتين على الأقل قد دعموا الأحزاب السياسية ذات التوجه الأوروبي مثل أحزاب
PSD و PNL و USR
و UDMR،أي أن أي رئيس لن يستطيع تغيير المسار الحالي لأنه مهما كان توجهه لا يملك أغلبية في البرلمان و لا شعبيًا، و أساسًا لا أحد يعرف كيف كانت ستكون نتيجة الجولة الثانية فالجولة الأولى الملغية كانت نتيجة المرشح الأول حوالي 22% و نتيجة الإنتخابات البرلمانية كشفت عن أن الأغلبية الناخبة تدعم التوجه الأوروبي لا التوجه السيادي الشعبوي الذي تمثله أحزاب مثل
AUR و S.O.S و POT
العالم كله يشهد أحداث غير متوقعة البعض يراهن على الإستقرار و البعض يراهن على ضرورة التغيير وفق المصلحة الوطنية و السيادية و لكن بإختصار شديد الصندوق هو الحكم و الميدان مفتوح أمام الجميع طالما كان اللعب بنزاهة و عندما يختل هذا المبدأ يتدخل الحكم.