اللاجئين في الأرض
بقلم: عمر الشريف
تركوا أوطانهم مكرهين وارتحلوا، واختصروا ماضي حياتهم في حقائب ظهورهم ومضوا، مضوا إلى أملٍ موعود بحياة كريمة بعد أن تمزقت قلوبهم ألماً وقهراً، وجرعتهم الحروب الطويلة عذاباً وحسرةً، جعلت منهم أجساداً منتشرة في كل مكان.
لكن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت واصبحوا ضيوفأً بعد أن كانوا يوسعون أرضهم وأوطانهم وأرزاقهم لكل ضيوفهم فيما مضى، تقاذفتهم الإشاعات في بحار الحيرة والألم، وهم في حالة من الذهول وعدم التصديق أنهم هم أنفسهم قد هانوا على بعض الناس من حولهم، فاستعبدوهم بشتى السبل بعد أن كانوا سادة كرماء.
إنهم اللاجئون، سواء من سوريا والسودان والعراق واليمن… اقتلعت جذورهم من أوطانهم فأصبحوا ريشة في مهب رياح الأوطان الأخرى، تتخبطهم الحيرة ويخنقهم الخوف والقلق، فما إن يصبح لديهم أمل بخبر يحمل لأنفسهم الراحة والأمان، حتى يسارعه خبر آخر يقتل لديهم فرحتهم ويسود الدنيا وأهلها في عيونهم، ويجعل ثقل الجبال على صدورهم.
فبعضهم تقطعت بهم السبل وأرهقتهم الحيل، مما اضطرهم أن يركبوا مراكب الموت عبر البحار تتلاطمهم الأمواج، بعدما تنكرت لهم أرضهم وانقلب عليهم إخوانهم.
إن قضية اللاجئين في أي بقعة من بقاع الأرض هي قضية إنسانية بالمقام الأول بغض النظر عن العرق والدين، والإنسان الذي لا تحركه قضية إنسانية عادلة لا يمكن أن يصنف من تعداد البشر، لأنه عار على البشرية التي تملك هبة العقل والتفكير أن تبقى بلا حراك أمام قضية لاجئي الحروب، فضلاً عن اتخاذ بعض الدول موقف العدائية والتشفي منهم وتضييق الخناق عليهم، مع التنكيل بهم ومعاملتهم بطريقة سيئة، فالمدنيون هم الضحية الأولى لأي نزاع أو حرب أو احتلال، وهم الذين يتجرعون مرارة قسوتها من ظروف معيشية قاتلة، ويتعرضون للموت والقصف والتشويه والاضطهاد اليومي، مما يضطرهم إلى محاولة اللجوء إلى مناطق أكثر أماناً للحفاظ على حياتهم وحياة عائلاتهم.
لقد سلط الإسلام الضوء على فضية اللجوء منذ مئات السنين، فقد أوصى الله تعالى بالإحسان إلى ابن السبيل ولاجئي الحروب والتودد إليهم بالعطف والرفق بهم في القول والعمل والمعاملة الجيدة، واعتبر ذلك من عبادة الله وحده والإيمان به، حيث قال تعالى: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا” [سورة النساء: الآية 84].
كما أن الإسلام أعطى الأمان لمن لجأ إلى دولة الإسلام حتى وإن لم يكن مسلماً، لأن هذا إنما منبعه احترام الإسلام لإنسانية الإنسان أياً كان، فالله جل جلاله يأمر نبيه الكريم ومن بعده المسلمين أن يجيروا من استجار بدولة الإسلام، وأن يحافظوا على كرامته ويشعروه بالأمن على حياته وماله وعرضه مع تلبية احتياجاته حتى ولو لم يكن مسلماً موحداً، فقد قال تعالى: “وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ” [سورة التوبة: الآية 6] .
والتشريع الإسلامي الحكيم قد فرض حقوقاً مالية لابن السبيل تدفع من أموال الدولة تسهيلا لأموره الحياتية كونه يعيش ضمن أراضيها، وقد سمى الله تعالى ما نعطيه لابن السبيل حقاً ضمن اعتبار الحقوق الإنسانية العامة التي كفلها الشرع الإسلامي لكل إنسان في آيات كثيرة منها قوله تعالى: “وآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل” [سورة الإسراء: الآية 26].
خلاصة القول أن اللاجئين لهم كامل حقوقهم الإنسانية والمالية التي تكفل لهم كرامتهم وإنسانيتهم، بعيداً عن عالم السياسة والمصالح وجعل الشعوب ورقة لعب ومفاوضات، حيث يدمي القلب ما نراه اليوم من تعرض اللاجئين إلى بعض الدول من تضييق الخناق عليهم ومعاملتهم بطريقة غير لائقة مع أبسط مشاعر الإنسان تجاه أخيه الإنسان، في حين أننا نجد أن التشريع الإسلامي الحنيف قد عالج وتعرض لقضية اللجوء وأبناء السبيل منذ مئات السنين، لأنه تشريع يرتكز على مبادئ الحب والتعاون بين جميع بني البشر دون تمييز أو تفريق.. فرفقاً بآخواننا اللاجئبن فهم ضيوفنا، وإكرام الضيف واجب.