بقلم : الشاعر محمود يونس
فى زمن التنقيب عن مبدع لابد أن يلفت نظرك المبدع الحقيقى الذى يملك أدواته الإبداعية ؛ ويصر على التعلم والاستزادة من العلم والبحث عن كل جديد .
لا يدعى المعرفة وهو دونها . ولا يوهم البسطاء بادعاءاته وانه وصل للقمة وهو مازال أسفل القاع .
“فالوصول للقمة تواضع ..والسقوط للهاوية غرور “
شاعرتنا التى نقدم لها نص اليوم الشاعرة همسة محمد
وحقيقة كتاباتها ليست غريبة على . حيث عرفتها من خلال نشر حلقات علم العروض والقوافي على صفحات “مجلة كواكب الشعر ” وكنت أسعد جدآ بتفاعلها مع الحلقات والنظم على البحر الذى تم تناوله فى الحلقة والتطبيق عليه .
وها نحن اليوم سنتعرف عليها من خلال نصها “وتبقى العمر آسرنى”
أولا : النص
وتبقى العمرآسرني.
وتبقى العمرآسرني
وحبك كلّ أكواني
تناديني فتسعدني
فيكسو الزهر أوطاني
وكان الفرح يغمرني
فبات الحزن سجاني
وتدنيني وتقصيني
فيهذي العقل من شاني
تطاردني وتطردني
وتأتيني بأحزاني
وتظلمني وتجرحني
وتسألني من الجاني؟!
لما أدميت أيامي؟!
لقد حطمت أركاني
فأين الحبّ يا حبّي.
لما أصبحت تسلاني
وأين العشق يا عشقي
فوحدك نبْض شُرْياني.
تقيدني تعذبني
ويكوي الشوق وجداني..
وصرت أذوب من لوعي
وتاهتْ كلّ أزْماني
بقلمي..همسة محمد.
ثانياً : الرؤية التحليلية للنص
حقيقة اول ما قرأت النص أدركت حجم قراءاتها وخاصة للشاعر الكبير فاروق جويدة . فقد جاء النص وكأنها تعارض نصه الذى كتبه لها لتلك العينين اللتين تطل علينا بهما من خلف نقابها ” وفى عينيك عنوانى” .
فهى استهلت نصها تخبره بأنه قد أسرها بحبه منذ أن وعت وأدركت معنى وقيمة الحب ‘ فهى لم تر ولم تعرف غير حبه الذى صار لها ليس كون بل كل أكوانها التى مثلت حياتها ؛ فهو حين ينادى مجرد سماعها لصوته تنتابها كل أشكال السعادة ؛ بل والأمر لم يقتصر على ذلك بل تصبح حياتها ربيعية كستها الورود والأزهار.
وتبقى العمرآسرني
……وحبك كلّ أكواني
تناديني فتسعدني
…فيكسو الزهر أوطاني
ثم تنتقل بنا كحال أى تجربة بين اثنين ؛ حين يكون أحدهما مولع بالآخر ويعتبره كل حياته ؛ فإذا ما غاب عنه لحظات تحولت حياته إلى أحزان والحياة جميعها إلى سجن ؛ ويكون الطرف الآخر السجان الذى أغلق عليه سجن البعاد.
فحين يدنو يفتح أبواب السجن ؛ وحين يقسو ويبعد تمرض المشاعر وتوهن وتضعف ؛ وكأن الأمر مطاردة لا لقاءات سعيدة بين عاشقين .
فلم تشعر سوى بالجرح والظلم لعدم تقدير مشاعرها بعد أن أصبح كل حياتها ؛ والآن يلقى عليها اللوم و يسألها من الجانى.
وكان الفرح يغمرني
فبات الحزن سجاني
وتدنيني وتقصيني
فيهذي العقل من شاني
تطاردني وتطردني
وتأتيني بأحزاني
وتظلمني وتجرحني
وتسألني من الجاني؟!
ثم تعود وتسأله لماذا تسبب فى جرح الايام لدرجة الادماء ؛ لقد حطم كيانها وكل أركانها .
وهنا تحدث شاعرتنا المفارقة بعد أن كان كل أكوانها ؛ وأصبح معول تحطيم لأركانها الداخلية والاهمال والجفاء .
ورغم كل ذلك مازالت تعشقه وتقول له يا حبى وترجوه ألا ينساها فهو نبض شريانها .
لما أدميت أيامي؟!
لقد حطمت أركاني
فأين الحبّ يا حبّي.
لما أصبحت تسلاني
وأين العشق يا عشقي
فوحدك نبْض شُرْياني.
وتنهى بمعاتبته وأن بعاده ماهو إلا تقييد لها وعذاب واكتواء لمشاعرها وكيانها . فهى التى أصبحت تذوب من لوعتها وتاهت فيها كل أزمانها .
تقيدني تعذبني
ويكوي الشوق وجداني..
وصرت أذوب من لوعي
وتاهتْ كلّ أزْماني
ثالثاً : النص من الناحية العروضية
نص شاعرتنا المبدعة ” وتبقى العمر آسرنى “
من الشعر العمودى بقافية نونية متحركة ؛ وقد نسجت شاعرتنا نصها مستخدمة تفعيلتى مفاعيلن و مفاعلتن طوال النص .
والنص جاء فى إحدى عشر بيتاً ؛ واربع وأربعين تفعيلة بواقع أربع تفعيلات فى كل بيت شعرى .جاء منها أحد عشر تفعيلة ” مفاعلتن” والباقى ” مفاعيلن” .
ومن خلال ما ورد وقواعد علم العروض والقوافي .لو النص كامل من تفعيلة مفاعيلن أصبح النص من بحر الهزج ؛ أما إذا دخلت تفعيلة واحدة من مفاعلتن على الهزج أصبح النص من بحر الوافر .
وقد سبق وأن أشرت فى مقالة عن أن ذلك يعد ظلم للابحر المتشابهة كالهزج والوافر والرجز والكامل .
وبالتالى شاعرتنا نظمت قصيدتها من بحر الوافر المجزؤ أى الذى يعتمد على تفعيلتين فى الصدر والعجز .
خاتمة
اختم بأن النص موزون تماماً دون أدنى خلل عروضى واحد طول النص .
وإن شاعرتنا لم تستخدم من الزحافات والعلل سوى زحاف مفرد واحد وهو العصب ؛ والعصب هو تسكين الخامس المتحرك فى مفاعلتن فصارت مفاعيلن .
وفى النهاية أشكر شاعرتنا المتألقة دائماً همسة محمد ؛ فهى شاعرة متمكنة تملك أدواتها الابداعية وتستطيع أن تقود النص بمهارة حتى تصل لمرفأ الإبداع وتربط أحبال القصيدة كالقبطان الماهر .
احييها لروعة النص وجمال الإبداع والتألق
وأتمنى لها دوام التميز ودائماً من نجاح لنجاح .