“السد العدواني” والصفقة المشبوهة بين إسرائيل وإثيوبيا
بقلم / نجاح حجازي
صرح وزير الري الأثيوبي في مؤتمر تم عرضه منذ أيام : ” أننا في موسم الفيضان لن نقدر علي القيام بالمليء الثاني كما هو مقرر بــ ١٣ مليار وسيكون من ٢ : ٤ مليار متر مكعب فقط” ؛ وذلك متوافق مع صور الاقمار الصناعية التي ترصد تعلية السد بمقدار (٤ م) فقط على حين أن المفترض التعلية تكون في حدود (١٥ م) علي الاقل ليستوعب السد ال( ١٣) مليار .
وهناك بعض الآراء المفسرة لذلك التصريح بأنه تراجع وخوف أثيوبي من ضرب السد جعل إثيوبيا تلتزم بالشروط المصرية في مد سنوات المليء الي (٧ ) سنوات بدلا من (٣ )سنوات كما اشترطت مصر
لكن معذرة لهذة الآراء وتلك التهليلات الإعلامية بفشل الملئ الثاني مع العلم أن مالم تستطيع أثيوبيا فعلة اليوم سوف تكمله غدا ببناء ال ١٠ أمتار الباقية وتلك تكون النهاية وفرض الأمر الواقع دون شروط والتزامات فالمشكلة ليست في سنوات المليء فقط فمصر قادرة أن تعوض ذلك النقص حيث أن مصر لديها إحتياطي يصل إلي (٣٥٠) مليار متر مكعب غير المياه الجوفية وإحتياجتنا (٥٥) مليار سنويا ومعني ذلك أن مصر قادرة علي سد اي عجز مهما حدث، لكن المشكلة الحقيقية مابعد إنتهاء فترات المليء .
فتصميم السد الأثيوبي الحالي و يطلق عليه الخبراء ” السد العدواني” لأن المتعارف عليه في بناء سدود توليد الطاقة الكهرومائية أن تكون فتحات جسم السد أفقيه ؛ فيقوم بتخزين المياه ثم تفتح البوابات فتعبر المياه عبر التوربينات وتقوم بتوليد الطاقة الكهربائية وتمر المياه في مجراها الطبيعي كما هي بدون نقصان ،
لكن هذا السد تم تصميمه ب ( ١٤ )فتحة رأسيةو( ٢ ) فتحة أفقية وهذا معناه وجود ( ١٤ ) فتحة توربين تستطيع إعادة المياه مرة أخري لإثيوبيا بدلا من أن تطلقها في نهر النيل لمصر والسودان .
ولن تخرج المياه لدول المصب إلا عبر ( ٢ ) فتحة أفقية ومصر طالبت بزيادة الفتحات لأربعة وتم التعنت والرفض
من الجانب الأثيوبي.
وهاتان الفتحتان لن يخرجوا أكتر من (٣٠) مليار متر مكعب من المياه بمعني أننا نتحدث عن عجز بمقدار ١٥ مليار متر مكعب سنويا في مصر فقط بالإضافة للعجز بحصة السودان ،
والمعني الحقيقي من ذلك أنه إذا قبلت مصر بالفتحتين وتريد باقي حصتها يستلزم ان تدفع لأثيوبيا الثمن لتحول لها فتحتين علي المجري وتكمل حصتها،
وإذا لم تستطيع الدفع أو لاتريد استلزم هذا رضوخ مصر لتحويل المياه لإسرائيل وتقوم اسرائيل بعملية دفع المقابل (الثمن) وبذلك تكون مصر مركزا لتوزيع المياه والتي تصل لإسرائيل عبر سيناء في مقابل ان تأخذ مصر حصتها من المياه عوضا عن المال .
وتحويل مجري النيل للبحر الاحمر من قبل الأحباش حلم قديم جذورة ضاربة عبر التاريخ ومنها محاولة لملك فرنسا لويس ١٤ بالاتفاق معهم وبعد حرب ضروس ؛ باءت بالفشل و محاولات أخر.
وأكدت بعض المصادر محاولة أثيوبية في زمن الزعيم الراحل أنور السادات لبناء بعض السدود ومن خلفهم بالطبع إسرائيل وفشلوا فشلا ذريعا وحطم لهم بطل الحرب والسلام مخطتهم وتم دكها بالطيران المصري والفاعل مجهول .
وبالعودة للسد ولأن مصر قلب أفريقيا وبجوار الشعب الأثيوبي في اي مشروع تنموي تضمنت المفاوضات المصرية بعض شروط لصالح الجميع ومنها :
تنازل مصر عن ( ٥ ) مليار متر مكعب خلال فترات المليء خاصة مع سهولة تعويضهم عن طريق تحلية مياه البحر واعادة تدوير المياه في الزراعة ومشروع تبطين الترع دون الحاجة الي مياه بحيرة ناصر او المخزون الجوفي ، علي ان تعود حصة مصر كما كانت بعد انتهاء فترات المليء ، والشرط الاخر ضمانات لأمن وسلامة السد و مراقبة تشغيله من خلال خبراء مصريين وسودانيين مع تبادل للبيانات ،وزيادة الفتحات الافقية حتي لا يتأثر احد وتقوم اثيوبيا بالتنمية المستهدفة كما تدعي من المشروع ويعيش الجميع في سلام امنين .
لكن إثيوبيا رافضة ومصممة ان تنقص من حصة مصر في حدود ( ١٢ ) مليار متر مكعب سنويا ، و سنوات المليء (٣) سنوات ومن غير شروط ، ورافضة علي التوقيع علي اي شيء يضمن سلامة وامن السد ورافضة لمشاركة الخبراء المصريين أو السودانيين في مراقبة تشغيل السد أو زيادة عدد الفتحات الافقية أو حتي التوقيع علي اي تعويضات جراء حدوث اي ضرر من السد ، ورافضة ايضا لتبادل البيانات ،
وكل هذا الرفض لأن المخطط من البداية بيع المياه قبل الكهرباء والحصول علي مزايا كبري وخاصة في المجال العسكري اذا استطاعت الضغط علي مصر وأجبرتها علي توصيل المياه لأسرائيل .
ليصبح النيل مجرد ترعة أثيوبية كما قال سابقا المتحدث الرسمي لوزير الخارجية الاثيوبي “دينا مفتي” ، لنشتري كمصريين مياه نيلنا العظيم هبة الله لمصركدولة مصب ولكل الدول المشاطئه له، سيناريو قذر وعدواني وليس بجديد علي إثيوبيا ونفذتة سابقا مع جيرانها كينيا والصومال؛ فبنائها سد ضخم علي نهر” أومو ” والذى يغذي بحيرة “توركانا ” الكينية والتي تعد أكبر بحيرة صحراوية في العالم ويأتي حوالي 90 % من مياهها من نهر أومو بل وتعتبر المنطقة السكنية حولها من أفقر المناطق الكينية واعتماد سكانها الأساسي علي الصيد وكم تعددت شكواهم بأن الطاقة المتولدة من سد (جيبي 3) الذي يبلغ ارتفاعه 250 مترا تقريبا، يتم إنتاجها على حسابهم مع تدهور في الزراعة وبعض الصناعات وأصبحت توركانا بالفعل وفرض الأمر الواقع “بحيرة إثيوبية”.
ونفس السيناريو نفذته مع جارتها الصومال في نهر “شبيلي” بحجة توليد الطاقة وحرمت الصومال من مياه هذا النهر وجفت أراضيه وأصبح شبيلي ايضا ؛ بحيرة أثيوبية وانتهى الأمر بصور مآساوية شاهدها الجميع لأبناء القرن الأفريقي دون أن يتحرك أحد من المجتمع الدولي لإنقاذ حقوق الإنسان
في الصومال أو كينيا .
فهل يصبح النيل يوما بحيرة إثيوبية ؟
كما أعلنها دينا مفتي دون خجلا وهل يتحكم الأحباش بنيلنا سر وجودنا وكان علي مر الزمان ومعه اليد المصرية القوية والمبدعة المهد الأول لبناء الحضارة المصرية وهي أعظم وأقوي حضارات العالم وهل نترك لهؤلاء التفاوض علي حياتنا وجودنا؟ وتاريخهم الاستعماري العدواني طويل مع جيرانهم بل ودموي حتي مع أنفسهم وأكبر دليلا الإبادة الجماعية التي يقوم بها رئيس وزرائهم أبي احمد الحائز على نوبل للسلام تجاه التيجراي وغيرهم من معارضين، واختياره الموت دون مغادرةالسلطة على حساب دماء الاثيوبين وأبناء القرن الإفريقي .
وهل لحكومة دموية كتلك رغم فقر شعبها؟
ان تتحكم في مقدرات العظيمة مصر والتي طوقت أديس أبابا بالريادة والعودة لأشقائها في قلب القارة السمراء عبر إتفاقيات تعاون ودفاع أمني مشترك ، وتحقق ذلك بالفعل مع الدول المجاورة لأثيوبيا ” إريتريا وجنوب السودان والصومال وأوغندا وجيبوتي” .
ومن ناحية اخرى فإن الشعب المصري كله على قلب رجل واحد ، نعم أكثر من مائة مليون مصري خلف قيادتهم الرشيدة وجيشهم العظيم ، أما الموافقة علي الشروط المصرية والعادلة للجميع والا يكون التعامل العسكري وواضح أنه الحل الوحيد والأمثل مع التعنت الأثيوبي ومن معه ومن خلفه ويساند تلك الحكومة الدموية التي أفتقدت صوت الحكمة والعقل حتي مع شعبها، وما شأن ما حدث ويحدث في إقليم التيجراي على مرآى ومسمع انظار العالم أجمع ليس ببعيد.