بقلم الدكتور عمران صبره الجازوي
إنَّ عدمَ توريثِ النساءِ لعادةٌ من عاداتِ الجاهليةِ الأولى . قالَ قتادة : كانَ أهلُ الجاهليةِ لا يورّثون النساءَ ولا الصبيان ” بيْدَ أنَّ الإسلامَ قد أبطلها ، وأوجبَ للمرأةِ حقاً في الميراثِ ، قال تعالى : { للرجالِ نصيبٌ مما تركَ الوالدانِ والأقربونَ وللنساءِ نصيبٌ مما تركَ الوالدانِ والأقربونَ مما قلَّ منه أو كَثُرَ نصيباً مفروضاً } سورة النساء آية -7 ، وقالَ عزَّ من قائلٍ : { يوصيكم اللهُ في أولادكم للذكرِ مثلُ حظِّ الأنثيين …} سورة النساء آية -11 ولكن للأسفِ الشديدِ أنَّ ثمّةَ انتكاسةً في زماننا هذا ، وردّةً إلى الجاهليةِ التي أذهبَ اللهُ عنّا عُبِّيّتها – كِبرها ونخوتها – إذ تجدُ أناساً لا يورّثونَ النساءَ متعلّلين بأنَّ المالَ سيذهبُ إلى أزواجهنَّ ، وهم لا حقَّ لهم فيه ، ونحوَ ذلك من الحججِ التي هي أوهنُ من بيتِ العنكبوتِ ، وهم بذلك على خطرٍ عظيمٍ ؛ لوقوعهم في كثيرٍ من المخالفاتِ الشرعية التي من أهمها ما يلي :
1- ردّهم للأمرِ الإلهي الذي أوجبَ للمرأةِ نصيباً في الميراثِ ، أو مخالفته ، ومن الجديرِ بالذكرِ أنَّ ردَّ الأمرِ الإلهي كفرٌ ، ومخالفته معصيةٌ .
2- البوْءُ بإثمِ من حرمها من الميراثِ في الدنيا ، وحرمانه من ميراثِ الجنةِ في الآخرةِ ، ووجوبُ النارِ له قال -ﷺ – : ” من فرَّ من ميراثِ وارثهِ قطعَ اللهُ ميراثه من الجنةِ يومَ القيامةِ ” رواه ابنُ ماجه في صحيحه . وجاءَ في سننِ الترمذي أنَّ رسولَ اللهِ – ﷺ – قالَ : ” إنَّ الرجلَ ليعملُ أو المرأةَ بطاعةِ اللهِ سبعين سنةً ، ثم يحضرهما الموتُ فيضارانِ في الوصيةِ ، فتجبُ لهما النارُ، ثم قرأ أبو هريرة : { من بعدِ وصيةٍ يُوصى بها أو ديْنٍ غيرَ مُضارٍّ وصيةً من اللهِ …} سورة النساء آية -12 .
3- وقوعه في الظلمِ الذي حرّمه اللهُ بقوله : ” يا عبادي ! إني حرّمتُ الظلمَ على نفسي ، وجعلتُه بينكم محرّماً ، فلا تظالموا …” رواه مسلمٌ ، ومنعُ المرأةِ من الميراثِ ظلمٌ لها وأكلٌ لمالها بالباطلِ ، ولا يوجدُ أوخمُ عاقبةً من الظلمِ ، قالَ – ﷺ – : ” من اقتطعَ شبراً من الأرضِ ظلماً طوّقه اللهُ إياه يومَ القيامةِ من سبعِ أرضين ” متفقٌ عليه .
4- قطيعةُ الرحمِ التي تتسببُ في قصرِ الأعمارِ ، وخرابِ الديارِ إذ أكلُ الميراثِ يُوغرُ الصدورَ ، ويُكدّرُ صفوَ النفوسِ . قال – ﷺ – : ” صلةُ الرحمِ ، وحسنُ الجوارِ ، وحسنُ الخلقِ يُعمّرانِ الديارَ ، ويزيدانِ في الأعمارِ ” رواه أحمدُ .
5- التعرضُ لسخطِ اللهِ في الدنيا ، وحلولِ غضبه . قالَ -ﷺ – : ” ما من ذنبٍ أحرى أن يُعجّلَ لصاحبه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدّخره له في الآخرةِ من قطيعةِ الرحمِ والبغي – أي الظلمِ – ” رواه الحاكمُ في مستدركه .
6- التعرضُ للفتنِ أو العذابِ الأليمِ ؛ وذلك لمخالفته لأمرِ النبي – ﷺ – حينما قالَ : ” … اتقوا اللهَ ، واعدلوا في أولادكم …” رواه مسلمٌ ، وفي حديثٍ آخرَ : ” إنَّ اللهَ يحبُّ أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَلِ ، سوَّوا بينَ أولادكم في العطيةِ ، فلو كنتُ مُفضّلاَ أحداً لفضلّتُ النساءَ على الرجالِ ” رواه الطبراني ، وللهِ درُّ الإمام ِ مالك بن أنس إذ جاءه رجلٌ ، فقال : يا أبا عبد الله ! من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة ، من حيثُ أحرمَ رسولُ اللهِ – ﷺ – ، فقال : إنَّي أريدُ أن أحرمَ من المسجدِ . فقال : لا تفعلْ ، قال : فإني أريد أن أحرمَ من المسجدِ من عند القبرِ ، قال : لا تفعلْ ; فإني أخشى عليك الفتنةَ ، فقال : وأي فتنةٍ هذه ؟ ! إنما هي أميالٌ أزيدها ، قال : وأي فتنةٍ أعظمُ من أن ترى أنك سبقتَ إلى فضيلة قصّرَ عنها رسولُ اللهِ – ﷺ – ! إني سمعتُ اللهَ يقولُ : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة النور آية -63
7- الدعوةُ إلى الضلالةِ والغَيّ إذ بتحريمه لما أحلَّ اللهُ يُغري أولاده بتقليده ، فيُخلّفُ بذلك جيلاً لا يتقي اللهَ ، ولا يرقبُ في مؤمنٍ إلّاً لا ذمةً ، وعندئذٍ يشمله قولُ رسولِ اللهِ – ﷺ – : ” مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا ” . رواه مسلمٌ .
8- ظلمُ النفسِ فمانعُ الميراثِ يظلم نفسه ، إذ يُضيّقُ على نفسه ، ويُوسّعُ على غيره حتى إذا قدِمَ على اللهِ في الآخرةِ ندمَ – ولاتَ ساعةَ مندمٍ – ، قال تعالى : {وجيء يؤمئذٍ بجهنمَ يؤمئذٍ يتذكرُ الإنسانُ وأنّى له الذكرى يقولُ ياليتني قدّمتُ لحياتي } سورة الفجر الآيات23-24 وعندها يدركُ أنَّ الحياةَ الحقيقيةَ التي تستأهلُ عملَ الصالحاتِ هي الحياةُ الآخرة . قال تعالى : { وإنَّ الدارَ الآخرةَ لهي الحيوانُ لوكانوا يعلمون } سورة العنكبوت آية -64
هذه هي بعضُ المخالفاتِ التي يقعُ فيها مانعو الميراثِ – سواءً أكانوا آباءً قد خصّوا أبناءهم الذكورَ بالتوريثِ دونَ الإناثِ ، أو إخوةً أكلوا ميراثَ أخواتهنَّ – التي لو اُقتصِرَ على إحداها لكانت واعظاً لمن كانَ له قلبٌ ، أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ ، وقبلَ أن أختمَ مقالي لا يفوتني أن أسدي نصيحةً للآباءِ الذين يخشونَ أن تؤكلَ الحقوقُ بعدَ أن يلتحقوا بربهم ، فأقولُ لهم :
وزّعوا أموالكم على ورثتكم في حياتكم على حسبِ ما قسّمه اللهُ – سبحانه وتعالى – للذكرِ مثلُ حظِّ الأنثيينِ دونما حيْفٍ ، أو تخصيصٍ لم يخصّصه اللهُ ، أو تفضيلٍ لواحدٍ على آخرَ ؛ لتلقوا ربكم بريئين من الظلمِ ، أو الإعانةِ عليه .