( أَوْجَعَتْنِي صُورَةٌ )
هَذِهِ قِصَّةُ قَصِيرَةُ بِعُنْوَانِ:
بقلم د. محسن معالي
طَلَبَتْ مِنْهُ إِحْدَى المَجَلَّاتِ السَّكَنْدَرِيَّةِ صورَةً شَخْصِّيِّةً لِتُرْفِقَهَا بِالمُلَخَّصِ الذِي يَتِمُّ نَشْرُهُ يَومَ الجُمعَةِ منْ كُلِّ أُسْبُوعٍ ، لأَحَدِ مُؤَلَّفَاتِهِ بِجَانِبِ غُلَافِ الكِتَابِ المُرَادِ نَشْرِهِ.
وَبِالفِعْلِ تَحَقَّقَ مَا أَرَدَ إِذْ التَقَطَتِ ابنَتُه لَهُ عِدَّةَ صُوَرٍ ، وَطَلَبَتْ مِنْهُ كَمَا يَفْعَلُ المُصَوِّرُونَ المُحْتَرِفُونَ أَنْ يَبْتَسِمَ في الصُّورَةِ ، كَمَا يُقَالُ دَائِمًا :
« اضْحَكِ الصُّورَةُ تِطْلَعْ حُلْوَةَ » .
وتَذَكَّرَ حِينَهَا فِيلْمَ الرَّائِعِ الرَّاحِلِ أَحمَدَ زَكِي ، فَتَبَسَّمَ مِنْ قَوْلِهَا ، وَقَدْ أُعْجِبَ بِاختِيَارِهَا إِحْدَى هَذِهِ الصُّورَةِ قَائِلَةً : يَا بَابَا هَذِهِ صُورَةٌ بَاسِمَةُ الثَّغْرِ ، مُرْهَفَةُ الحسِّ ، مُنْبَسِطَةُ المَلَامِحِ ؛ فَسَعَدَ بِهَا أيُّمَا سَعَادَةً ، وَاختَارَهَا ثِقَةً في رَأْيهَا.
أَرْسَلَ الصُّورَ للمَجَلَّةِ ، لتَختَارَ أَجْوَدَهَا ، وَأَنسَبَهَا ، لِتَضَعْهَا بِجِوَارِ غُلَافِ كِتَابِهِ : ( المُشْتَقَّاتُ وَدَلالاتهَا في اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ ) هَذَا الكِتَابُ طُبِعَ ثَلَاتَ طَبعَاتٍ فَاخِرَةِ ، لذَا كَانَ الاهتِمَامُ بهِ.
اختَارَتِ المَجَلَّةُ صُورَةً جَمِيَلَةً فيهَا بَسْمَةٌ رَائِقَةٌ ، وَعَرَضَتْهَا في صَدْرِ صَفْحَتِهَا.
صَغَّرَتِ المَجَلَّةُ الصُّورَةَ قَلِيلًا ، وَرَكَّزَتْ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ عَلَى الوَجْهِ ، هَذَا التَّركِيزُ بِشَكْلٍ أَو بِآخَر ، أَوْ قُلْ التَّأمُّلِ في الوَجْهِ ، وَلَعَلَّهُ في تِلْكَ البَسمَةِ الزَّائِفَةِ التي افتَعَلَهَا، إظهَارٌ لِشَيءٍ لمْ يَرَاهُ مِنْ قَبْلِ ، فَقدْ هَالَهُ مَا رَأَى مِنْ خِلَالِ تَقريِبِ الصُّورَةِ ، فَلَمْ يَلْمَح ابتسَامَةً في الصُّورَةِ ، بَل رَأَى حُزْنًا دَفِينًا ، أَسًى وَبُكَاءً ، وَأَلَمًا يَعتَصِرُ فُؤَادَهُ ، أَ هَذَا الوَجْهُ بَاسِمٌ ؟، وَلَكِنْ أَيَّ بَسْمَةٍ تِلْكَ ، وَاللهِ مَا رَأَى بَسْمَةً ، فَأَوْجَعَتْهُ الصُّورَةُ ، ربَّمَا لأنَّهُ شَعَرَ بِأَلَمِ السِّنِينَ يُسَيطِرُ عَلى مَلَامِحِ وَجْهِهِ الذِي حَاوَلَ أنْ يَتَجَلَّدَ ، وَيُقَاوِمَ مَتَاعِبَ الحَيَاةِ وَقَسْوَتِهَا ، رُبَّمَا كَانَ رَفضًا لآثَارِ الزَّمَنِ التي أَنَشِبَتْ بَرَاثِنَهَا فِيهِ بِمُرُورِ أَعوَامٍ كَثِيرَةِ ، فَقَدْ تَصَادَفَ أنْ كَانَ التَّصْويرُ مُوَاكِبًا ليومِ مَوْلِدِهِ .