قصة تمثال المرأة المعلقة في حجرة الفنان الراحل فريد الأطرش.
قصة تمثال المرأة
كتبت /شوزان توفيق
ولد الفنان فريد الأطرش وفي فمه ملعقة من ذهب، ولكن كارثة كبيرة ألمت بأسرته جعلته يغادر بلاده قاصداً المحروسة كي يتمكنوا من العيش بسلام، وهناك شق طريقه نحو موهبته وبزغ نجمه، فأصبح ملك العود وموسيقار الأزمان، فريد الأطرش بلبل الشرق والذي بإشراقة يوم 21 أبريل تحل علينا ذكرى ميلاده الـ104.
ينتمي موسيقار الأزمان إلى آل الأطرش، وهم أمراء وإحدى العائلات العريقة في جبل العرب جنوب سوريا، وقد ولد بين ما يزيد عن 10 أخوة وأخوات وعانى حرمان رؤية والده ومن اضطراره إلى التنقل والسفر منذ طفولته.
هرب فريد إلى القاهرة مع والدته خوفاً من الفرنسيين المعتزمين اعتقاله وعائلته انتقاماً لوطنية والدهم فهد الأطرش الذي قاتل ضد ظلم الفرنسيين.
عاش فريد في بدايته معاناة صعبة بسبب الفقر، فقد نفذ الأموال التي بحوزة والدته الأميرة علياء بنت المنذر، مما اضطرها للعمل في الأفراح كمطربة.
التحق فريد بإحدى المدارس الفرنسية الخرنفش حيث اضطر إلى تغيير اسم عائلته فأصبحت كوسا بدلاً من الأطرش وهذا ما كان يضايقه كثيراً.
ذات يوم زار المدرسة هنري هوواين فأعجب بغناء فريد وراح يشيد بعائلة الأطرش أمام أحد الأساتذة فطرد فريد من المدرسة، بسبب كره الفرنسيين لوالد فريد المناضل، التحق بعدها بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك.
التحق فريد بمعهد الموسيقى وعزف في المعهد وتم قبوله فأحس وكأنه ولد في تلك اللحظة، إلى جانب المعهد بدأ ببيع القماش وتوزيع الإعلانات من أجل إعالة الأسرة.
مرت أيام ثقال على فريد عانى فيها مرارة الفشل والفقر والرفض، حتى سنحت له الفرصة ونجح في اختبارات الإذاعة المصرية كما نجح في إقناع بديعة ماصبني في أن يغني منفرداً بفرقتها.
أحب الراقصة الاستعراضية سامية جمال، وبعد لقائهما معاً والتمثيل سوياً زاد حبها له ولكنه كان يعاملها بجفاء وذلك لكونه لم يكن يرغب في الزواج مطلقاً، معتبراً أن الزواج يقتل الحب، مردداً دائماً: “أنا مؤمن تماماً بأن الزواج يقتل الحب”.
هرب فريد من كل النساء الذين أحبوه أو بمعنى أدق هربوا هن بعدما كان يؤكد أنه لن يتزوج أبداً ولعل ما حكاه الصحافي مجدى نجيب، في كتابه “من صندوق الموسيقى.. زمن الغناء الجميل”، أن فريد سريع الإعجاب بالنساء، سريع الوقوع في فخاخهن، ورغم كثرة أصدقائه كان لا يجد من يجاريه منهم للسهر حتى الصباح، فقد كان يخاف من النوم، فربما يحدث له شيء ولا يجد أحداً يستنجد به، لأنه كان مريضاً بالقلب.
وحكى نجيب أنه “في يوم كنت في زيارة لفريد في منزله العامر دائماً بالأصدقاء تصادف أنه تجول في الشقة فوجد في غرفة نومه تمثالاً لامرأة داخل قفص من الحديد المغلق، ومعلقاً في السقف، فلما سأله قال له: لقد سجنتها هنا لكي لا تهرب مني”، وعاود مجدي نجيب سؤاله لملك العود بدهشة “من هي؟”، فقال “إنها ليست امرأة معينة أعرفها، ولا أقصد واحدة بعينها، فهذا التمثال هو الرمز لكل من عرفتهن وهربن مني بعد أن تركن لي العذاب والحزن”.
تعرض بلبل الشرق إلى ذبحة صدرية وبقي سجين غرفته، تسليته الوحيدة كانت التحدث مع الأصدقاء وقراءة المجلات، وتوفي في مستشفى الحايك في بيروت إثر أزمة قلبية عام 1974 عن عمر ناهز 64 سنة.