بقلم : السفير سعد الأمام الحجاجي
“
حرب أكتوبر 73..
ماذا قدمت للنظريات العسكرية في العالم بعد كل هذا الزمان”…
منذ عامين حضور مؤتمر في تايوان مع مجموعة من المفكرين العسكريين من مختلف دول العالم، دعت إليه وزارة الدفاع والخارجية التايوانية بعنوان “
هل من الممكن أن يصل الإرهاب الإسلامي المتطرف إلي تايوان” وفي اليوم الأول تم افتتاح المؤتمر وبدأت جلسات المناقشة..
وفي اليوم الثاني كان لنا زيارة لأحد المصانع الحربية هناك حيث تم زيارة مصنع تابع للبحرية الأمريكية بإنتاج مشترك مع تايوان
لتصنيع كافة الزوارق الحربية بأنواعها.. زوارق الطوربيد، ولنشات الصواريخ، والزوارق البرمائية، ولنشات المرور… إلخ
حوالي 8 أنواع كلها لصالح البحرية الأمريكية وبدأت الزيارة بتقديم المصنع من رئيس مجلس الإدارة الذي قدم المصنع أنه تم إنشاؤه عام 1960 لتغطية كافة مطالب القوات البحرية الأمريكية
والدول الصديقة وأضاف رئيس مجلس إدارة المصنع قائلاً “ولكن عام 1967 توقف المصنع لمدة عام حيث أننا فوجئنا بقيام البحرية المصرية بتدمير أكبر قطعة في البحرية الإسرائيلية وهي المدمرة ايلات بواسطة 2 لانش صواريخ أمام سواحل بورسعيد”.. والحقيقة كانت مفاجأة لكل العاملين
في ذلك المجال لذلك توقف المصنع عن العمل وقضينا عاماً كاملاً ندرس ونحلل هذا الفكر العسكري الجديد وكيف يتم تطوير إنتاجها مستفيدين بخبرة ما فعله المصريين…
ومن هنا نقول أن حرب أكتوبر 73.. مازالت هي أحدث الحروب في العصر الحديث.. التي مازال العالم حتي الآن يدرس كل ما تم فيها.. خاصة أنها تمت بين قوتين.. عسكريتين.. هما مصر وإسرائيل.. وما لهما من قوة، وخبرة عسكرية.. كذلك استخدمت في هذه الحرب أحدث الأسلحة والمعدات… لذلك تمر السنين …
وتتعاقب الأيام …
وتتوارى الأحداث..
ويظن البعض أنها قد اختفت …
أو دخلت دائرة النسيان …
لكنها في الحقيقة تظل محفوظة ومحفورة في ذاكرة التاريخ.. التي لا تنسى الأحداث، مهما مر الزمان. تظل، ذاكرة التاريخ، متفاعلة …
تدرس …
وتحلل …
بل وتبعث من جديد …
عند ظهور حقائق، أو معلومات جديدة … لتخرج علينا بتحليلات،
واستنتاجات، تتناسب مع المعطيات الجديدة، لتثرى المعلومات التاريخية وخاصة في المجال العسكري وهذا ما حققته حرب أكتوبر 73.
واليوم، وبعد مرور كل هذه الأعوام على حرب أكتوبر 1973،
فإن مراكز الدراسات الاستراتيجية، والمعاهد العسكرية، في العالم كله، ما زالت تدرس نظريات هذه الحرب، وتحلل الأفكار والمفاهيم العسكرية، وخاصة، تلك، التي قدمها الجانب المصري أثناء الحرب.
لقد كانت حرب أكتوبر 1973، بلا أدنى شك، أحد أهم، وأعظم، الأحداث التاريخية في العصر الحديث … والتي غيرت العديد من المفاهيم …
والأفكار … والتحولات السياسية … والاستراتيجية … والعسكرية … ليس في الشرق الأوسط فحسب … بل امتدت آثارها إلى العديد من مناطق الصراع حول العالم. ،
ومع انتهاء أعمال القتال في حرب أكتوبر 1973 .. بدأت وسائل الإعلام تتناول هذا الحدث … وبدأت الأقلام تكتب … في محاولات لتغطية مختلف جوانب هذا الحدث الجلل … خاصة السياسة، والعسكرية منها. وفي البداية، كانت الاتجاهات الأكثر وضوحاً، هي الاتجاهات السياسية؛ فلقد تغير شكل الصراع في منطقة الشرق الأوسط … بعدما كانت مشكلة الشرق الأوسط أشبه بالجسد المحتضر، خاصة مع رضاء القوى العظمى، الولايات المتحدة الأمريكية ، والاتحاد السوفيتي باستمرار ”
حالة اللاسلم واللاحرب”
القائمة آنذاك. فالقوى الكبرى تنأى بنفسها عن التورط في نزاعات أو صراعات مباشرة، أو حرب لا يعلم أحد نتائجها …
خاصة، في ظل وجود دلائل، وشواهد، وتقديرات عسكرية تشير إلى أنه لا أمل، عسكرياً، أمام المصريين والسوريين،
في إحراز أي نصر عسكري أمام جيش الدفاع الإسرائيلي … في أي صراع عسكري محتمل.
والواقع أن القوات المسلحة المصرية، كانت قد بدأت، فور هزيمة 1967،
في عملية إعادة تنظيم، وتسليح الجيش المصري،
الذي كان قد فقد أكثر من 70% من أسلحته، ومعداته،
سواء عندما دمرت القوات الجوية الإسرائيلية الطائرات المصرية على الأرض في المطارات المصرية، أو أثناء مرحلة الانسحاب من سيناء. وبدأ الجسر الجوي، الجديد، بين مصر والاتحاد السوفيتي، في نقل الأسلحة والمعدات السوفيتية إلى مصر..
وشرعت القوات المسلحة المصرية في إعادة تنظيم قواتها، فوراً …
وهنا يجب علينا أن نشير إلى الفضل الكبير، في هذه المهمة،
للفريق محمد فوزي وزير الحربية، الذى عينه الرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة 1967، بعد إقالة المشير عبد الحكيم عامر،
ورجاله. وبدأت القوات المسلحة المصرية، تحت القيادة الصارمة للفريق فوزي،
في بناء خط الدفاع الرئيسي غرب قناة السويس،
الذي استمر العمل فيه لمدة عام،
اطمأن، بعدها، الرئيس عبد الناصر إلى
أن الدفاعات المصرية،
بتنظيمها، وتسليحها، قادرة على إدارة معركة دفاعية أمام الجيش الإسرائيلي،
إذا حاول اختراق قناة السويس.
وفي هذه الأثناء، كانت القوات المسلحة المصرية قد حققت عدداً من الأعمال،
التي كان من شأنها رفع الروح المعنوية للمقاتل المصري، التي فقدها، للأسف، بعد هزيمة 67. كان من أهم هذه الأعمال، معركة رأس العش، حين حاولت القوات الإسرائيلية،
شرق القناة،
التقدم في اتجاه مدينة بورسعيد، للاستيلاء على مدينة بورفؤاد،
فتصدت لها مجموعة صغيرة من قوات الصاعقة المصرية،
وأوقفت تقدم القوات الإسرائيلية، فكان نصراً عظيماً،
تذوق المصريون حلاوته لأول مرة. كما كان للقوات الجوية المصرية دور كبير، في هذه الفترة،
عندما قامت بغارة مفاجئة على العدو الإسرائيلي،
في عمق سيناء،
مما أعطى دفعة جديدة للجيش المصري، وتأكد من قدرة قواته الجوية على التصدي لأسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي،
المتمثلة في قواته الجوية. ثم جاءت الضربة القاتلة للبحرية الإسرائيلية، بتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات …
أكبر القطع البحرية الإسرائيلية …
أمام سواحل مدينة بورسعيد …
وطلب الإسرائيليون، آنذاك، من القيادة المصرية،
بالسماح لهم بانتشال القتلى والغرقى من الجنود الإسرائيليين، دون تدخل من القوات المصرية … في عملية إنسانية.
وسوف يتوقف تاريخ العمليات البحرية طويلاً …
أمام عملية إغراق المدمرة إيلات ..
بقوارب لنشات الصواريخ المصرية …
صغيرة الحجم. مما دفع مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم كله، وكذا مراكز البحوث في قيادات القوات البحرية في كل الدول،
على الفور، إلى دراسة،
وتحليل هذا العمل العسكري الغير نمطي. ولم تمض إلا شهور قليلة على حدوثه، إلا وكان العلم العسكري البحري قد شهد تغييراً حاداً في المفاهيم الخاصة بفكر تنظيم، وتسليح القوات البحرية. وفي المؤتمر السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن IISS، تم الإعلان عن المفهوم الجديد لتنظيم وتسليح أي قواى بحرية في العالم، والذي سيعتمد على الزوارق، واللنشات الصواريخ السريعة …
بل أعلنوا أن عصر بناء البوارج، وحاملات الطائرات الكبيرة قد انتهى.
وبعدها، أصبح تطوير القطع البحرية، يركز على تطوير تلك الزوارق الصاروخية، والفرقاطات صغيرة الحجم ذات التسليح الكبير التي حقق بها المصريون هذه المعجزة، التي غيرت الفكر العسكري في العالم كله.
وبعد مرور عام، تقريباً، من هزيمة 1967،
أعطى الفريق محمد فوزي، وزير الحربية، “
التمام” للرئيس جمال عبد الناصر، بجاهزية الخطة الدفاعية غرب القناة …
وعليه، فقد أصدر الرئيس جمال عبد الناصر أوامره بالبدء في التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام قناة السويس وتحرير سيناء. في هذه الأثناء، كانت حرب الاستنزاف قد بدأت على ضفاف قناة السويس،
بين الجيشين المصري والإسرائيلي، قام، خلالها، الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عدد من الضربات والهجمات في عمق الأراضي المصرية، إذ قام بمهاجمة مدن القناة …
في بورسعيد، والإسماعلية، والسويس … واتخذت القيادة السياسية،
آنذاك، قراراً، بتهجير أبناء هذه المدن إلى الدلتا حيث، التهبت هذه المدن بنيران المدفعية الإسرائيلية.
في هذا التوقيت،
كانت القوات المصرية قد بدأت في التدريب على عمليات عبور الموانع المائية في أنهار دلتا النيل …
بينما كانت إسرائيل تبني خط بارليف، على الضفة الشرقية لقناة السويس. واستمرت حرب الاستنزاف نحو خمس سنوات …
لا شك أن الجيش المصري، تعلم خلالها الكثير والكثير، كما أنه استغل مدتها في بناء حائط الصواريخ المضاد للطائرات، الذي أصبح،
بعد أكتوبر 1973،
رمزاً من رموز تطوير الفكر العسكري، في العقائد القتالية،
في العالم بأسره. أذكر جيداً وجودي في غرفة القوات المسلحة، على الجبهة، أثناء حرب أكتوبر 73،
وأنا استمع إلى رسالة مفتوحة …
غير مشفرة …
من قائد القوات الجوية الاسرائيلية، لجميع قواته “بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلومتر” …
تزامناً مع بدء اقتحام القوات المصرية للقناة السويس …
الأمر الذي أعطى حرية الحركة للقوات المسلحة المصرية لاقتحام قناة السويس …
وتدمير خط بارليف …
وتنفيذ أعمالها القتالية …
دون تدخل من القوات الجوية الإسرائيلية .. وهو ما يوضح مدى تأثير حائط الصواريخ المصري، على شل قدرة طيران العدو على تقديم العون لقواتهم على الأرض،
محطماً بذلك أسطورة
“اليد الطولى”
لإسرائيل،
وهي سلاحهم الجوي، الذي طالما تغنوا به بعد نجاح الضربة الجوية الإسرائيلية في عام 1967.
ومع انغماس القوات المصرية في التدريب على عمليات العبور …
ظهرت العديد من المشاكل أمام المُخطط المصري …
فكان منها، على سبيل المثال، مشكلة ارتفاع الساتر الترابي على الضفة الشرقية لقناة السويس،
حيث كانت مخرجات تطهير قاع قناة السويس يتم تجميعها على الضفة الغربية للقناة، ووصل ارتفاعها إلى نحو 20 متر، وكانت إزالته ضرورية للتمكن من عمل فتحات الكباري للعبور! فجاءت فكرة المهندس العسكري المقدم/
باقي يوسف زكي،
باستخدام المضخات المائية، التي كانت تستخدم في بناء السد العالي،
في هدم ذلك الساتر الترابي.
كذلك كان هنالك أسلوب التعامل مع أنابيب النابالم، التي وضعتها إسرائيل على ضفاف القناة، فتم التخطيط لتخطي هذا العائق، بأن تتقدم مجموعات من الصاعقة المصرية،
قبيل بدء الهجوم، لسد أنابيب النابالم أو تفجير خزاناتها. كما كانت نقاط خط بارليف الحصينة، أحد المشاكل أمام المخطط المصري للهجوم، فما كان إلا أن تكونت مجموعات قتال خاصة، لمهاجمة كل نقطة دفاعية من نقاط خط بارليف.
تلك كانت لمحات سريعة، من شاهد عيان، لما تم في ميادين القتال …
لكن ما لا يقل أهمية، عن كل ذلك، هو ما حدث في مراكز الدراسات الإستراتيجية …
وما قام به المحللين، والمفكرين العسكريين، بعد انتهاء حرب أكتوبر 73، حيث عكف الجميع، على دراسة وتحليل تلك الحرب،
والاستفادة مما قدمه المصريون، من فكر عسكري متطور …
سواء في تطوير أساليب القتال …
او إعادة تنظيم القوات …
أو في حساب التوازنات العسكرية.
لقد كان من أهم الإضافات التي حققتها حرب أكتوبر، لمبادئ القتال في العقيدة الغربية، هو مبدأ
“النوعية”،
فقد كان الاتجاه في مقارنة القوات، قبل حرب أكتوبر، تعتمد، فقط، على أعداد الأسلحة والمعدات …
الدبابات، والمدفعية، والطائرات، والغواصات، والمدمرات …
ولعل أشهر هذه الدراسات ما كان يقدمه معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن IISS، في تقريره السنوي، الشهير “التوازن العسكري”
والذي كانت تعتمد مقارناته، بين القوات العسكرية، لكل جولة، على عدد المعدات والأسلحة التي تمتلكها. وجاءت حرب أكتوبر 73، لتقلب هذه الموازين، تماماً، خاصة وأن هذا التقرير كان قد ظهر، في نسخته السنوية، قبل حرب أكتوبر، مؤكداً التفوق الكامل لإسرائيل، مما أسهم في إقناع العديد بأن مصر لن تغامر بالحرب، والهجوم على إسرائيل.
أما بخصوص التغيير في المفاهيم القتالية في العقيدة الغربية، فكان في مجال القوات الجوية، حيث أنه طبقاً لمفاهيم مبادئ القتال، فإن عمل القوات الجوية كان يعتمد من قبل على عنصرين هما “السيادة الجوي
بمعنى أن القوات الجوية تسيطر على ميدان القتال الجوي بالكامل، ولا تسمح للقوات الجوية المعادية بأي نشاط. والعنصر الثاني كان “السيطرة الجوية”
وهذه السيطرة تكون على ميدان القتال بالكامل، أو على جزء منه، أو لوقت محدد، وفيها يمكن أن تنشط القوات الجوية المعادية بتنفيذ بعض الأعمال. وخلال حرب أكتوبر، أضافت القوات المسلحة المصرية عنصراً ثالثاً، في مفاهيم أسلوب استخدام القوات الجوية، وهو “تحييد القوات الجوية المعادية
وهذا المفهوم الجديد، يعني أنه بالرغم من أن القوات المعادية، لديها قوات جوية …
قوية …
ذات كفاءة عالية …
وبأعداد كبيرة، تحقق لها السيطرة الجوية …
الا أنها لا تستطيع المشاركة في ميدان القتال … فقد ظلت القوات الجوية الإسرائيلية عاجزة عن تقديم أي عون جوي لقواتها الأرضية، نتيجة لنجاح المصريون في بناء حائط للصواريخ على الضفة الغربية للقناة، يمنع القوات الجوية الإسرائيلية من توفير غطاء جوي لقواتهم البرية، في الهجمات المضادة ضد القوات المصرية، التي اقتحمت قناه السويس.
ولعل أبلغ دليل على ذلك، كان التحذير الذي أطلقه قائد القوات الجوية الإسرائيلية، أثناء الحرب، لقواته، بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كيلومتر، وجاء هذا التحذير في رسالة مفتوحة …
غير مشفرة …
لضمان سرعة وصولها لجميع قواته! وظلت محاولات القوات البرية الإسرائيلية بتسديد ضرباتها المضادة للقوات المصرية، التي عبرت القناة، دون أي مساندة جوية. وهكذا نجح حائط الصواريخ المصري، في بتر “اليد الطولى” لجيش الدفاع الإسرائيلي.
ولقد كانت فكرة إمكانية قتال عناصر المشاة المترجلة، دون قوة الصدم
(الدبابات).
فقد كان المفهوم قبل حرب أكتوبر 73، أن قوات المشاة لا يمكنها التمسك بالأرض، منفردة، دون قوات مدرعة لأكثر من 3-4 ساعات، وهو ما كان ينطبق، غالباً، على قوات المظلات،
أو على القوات المبرة جواَ، والتي تسقط بعيداً عن القوة الرئيسية. ولذلك كان من الضروري أن تلحق بها القوات الرئيسية، وخاصة المدرعات، في مدة لا تزيد عن 3-4 ساعات.
ولكن جاءت حرب أكتوبر، وبتخطيط رائع وضعه المصريون،
في التوجيه رقم 41، الذي تم إعداده بمعرفة لجنة رأسها الفريق/ سعد الشاذلي-
رئيس الأركان، الذي أتاح لقوات المشاة العبور، بدون دعم، لمدة 12 ساعة، هي مدة إتمام إنشاء الكباري،
وعبور الدبابات.
وهو ما تم التخطيط له باستخدام الأسلحة المضادة للدبابات، وبحسابات دقيقة للموجات الأولى من المشاة المترجلة،
فتمكنت من صد، وتدمير الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية شرق القناة في
“خط بارليف”.
وهذا أمر، لم يكن لأي مخطط عسكري أن يقبل به، قبل حرب أكتوبر 1973
. فقد تم التخطيط لدعم كل كتيبة مشاة مترجلة بعدد من قواذف “أر.بي.جي”، ومعها الذخيرة الكافية …
حملها الجنود المشاة، ومعهم، لأول مرة، صواريخ المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات، المالوتيكا الروسية. وبالرغم من أنها كانت من الجيل الأول، الذي كان يوجه بالسلك،
وتتعرض دقة الإصابة لقدرة الجندي على التوجيه تحت نيران العدو، إلا أن كتيبة المشاة المترجلة،
في رأس الكوبري،
نجحت في صد الهجمات المضادة للمدرعات الإسرائيلية. أما المفاجأة الأخيرة، في التوجيه 41، تمثلت في أن كل جندي كان يحمل على صدره وظهره لغم مضاد للدبابات، فتكونت، لأول مرة في تاريخ الحروب الحديثة، ما يعرف باسم “الستارة المصرية المضادة للدبابات”. ويمكن الرجوع لقانون القتال البريطاني، في بند القتال في الأراضي الصحراوية، والأراضي المفتوحة، لتجد هذا البند ينص على استخدام “الستارة المصرية المضادة للدبابات”، مشيراً لأنها نتاج فكر المصريين في حرب أكتوبر.
ولقد ظهرت فكرة “الحصار البحري
حيث أشارت المراجع العسكرية الغربية، إلى أن المصريين نجحوا في غلق مضيق باب المندب ضد الملاحة الإسرائيلية …
فيما يعد أكبر مفاجأة من مفاجآت حرب أكتوبر …
حيث استخدم المصريون قواتهم البحرية في باب المندب، بعيداً عن القوات الجوية لجيش الدفاع الإسرائيلي.
فقد كانت كل تقديرات جيش الدفاع الإسرائيلي تعتمد على أن أي تفكير مصري لإغلاق الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، سيتم من خلال مضايق تيران وصنافير،
واثقة بأنها ستكون، حينئذ، في مدى القوات الجوية الإسرائيلية. وبذلك أظهر المصريون براعتهم في إغلاق الملاحة، بإعلان تواجد قواتهم البحرية في مضيق باب المندب، ليقف الإسرائيليون عاجزون
، طيلة أيام القتال، عن أي رد فعل ضد هذا العمل، وظل ميناء إيلات مغلقاً تماماً. وعليه، فقد كانت أهم نقاط المباحثات، بعد توقف القتال، في
“مباحثات الكيلو 101″،
أن طلب الإسرائيليين فتح مضيق باب المندب. وهكذا، ولأول مرة، بعد حرب أكتوبر، يظهر في قوانين القتال البحرية، في العقيدة الغربية، ذلك الفكر الجديد …
بعنوان “الحصار البحري عن بُعد”
وأفرزت حرب أكتوبر، عاملاً جديداً …
لم يظهر من قبل في حسابات القوى …
وهو الجندي المصري. ذلك الجندي الذي دفع الجنرال شارون، في مناظرة، معي شخصياً، عن حرب أكتوبر 73، أذاعها التليفزيون البريطاني، عند سؤاله عما يراه مفاجأة حرب أكتوبر؟ وإذا ما كان يعتبرها توقيت الهجوم في الثانية ظهراً؟ أم اختيار موعد الهجوم في يوم عيد الغفران في إسرائيل؟ أم إن كانت المفاجأة في الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية في وقت واحد؟ دفع هذا الجندي المصري، الجنرال شارون، للإجابة بأن المفاجأة الحقيقية في
حرب أكتوبر 73، كانت
“الجندي المصري الذى وجدته يحارب أمامي في عام 1973، لم يكن نفس الجندي المصري الذي حاربته في عام 1967، أو حتى عام 1956”. وازددت فخراً، بانتمائي للمؤسسة العسكرية، وأنا أسمع هذا الرد، فالجندي المصري عام 1973
، اختلف بالفعل، وأصبح من حاملي الشهادات العليا …
وروحه المعنوية في السماء …
وإيمانه بالنصر كان أقوى من كل الحسابات والتوقعات. واستطرد الجنرال شارون، ضارباً مثالاً، لما شهده بنفسه، أثناء قيادته لسرية مكونة من 10 دبابات،
في اتجاه الإسماعيلية، بهدف الهجوم على منطقة الدفرسوار، وظهر أمامه، فجأة، خمسة “كوماندوز” مصريين
(يقصد من قوات الصاعقة)،
وهو ما يعني هلاكهم، بكل المقاييس العسكرية، إلا أن هؤلاء الأبطال،
تأكدوا من تحطيم سرية الدبابات الإسرائيلية، قبل أن ينالوا شهادتهم. وهي المعركة التي أصيب فيها شارون، وتم نقله،
على أثرها، إلى إسرائيل. وأضاف شارون، أثناء المناظرة، أنه يجب على إسرائيل، في أي حرب قادمة، وضع نوعية هذا الجندي المصري الجديد في اعتبارها.
ويرجع الفضل للمقاتل المصري،
وما حققه، في حرب 1973، في أن قامت معاهد الدراسات الاستراتيجية، والمعاهد العسكرية
بالفعل، بإضافة بنداً جديداً لحسابات القوى ومقارنة القوات …
وهو حساب “النوعية القتالية” …
ويقصد بها الفرد المقاتل. وهو العامل الذي كان غائباً، من قبل عن كل الحسابات والتقديرات، بما أدى إلى نتائج مغلوطة عن تفوق جيش الدفاع الإسرائيلي.
وختاماً، لا يسعنا ألا أن نقر الانتصار المصري في حرب أكتوبر 1973، قد غير العديد من المفاهيم في مجال الفكر العسكري العالمي …
وأنا على يقين، بأن الوثائق، التي يحتفظ بها كل جانب، مازالت تحمل في طياتها العديد والعديد من العِبر والدروس المستفادة، التي من شأنها إضافة مبادئ جديدة إلى العلوم العسكرية. وتظل هذه الحرب عملاً عسكرياً عظيماً …
حققته القوات المسلحة المصرية، بالتعاون مع شعب مصر العظيم، وبمساندة من كل الشعوب والجيوش العربية …
لترتفع هامات العرب جميعاً، بعد أعظم انتصارات العصر الحديث.
إن مراكز الدراسات الاستراتيجية في العالم كله مازالت حتي الآن في كل تحليلاتها وتقديراتها مازالت تشير إلي ما قدمه الفكر المصري العسكري في حرب أكتوبر 73 ويكفي القول أن جميع مقدمات محاضرات العمليات العسكرية في كل المراجع العسكرية يكون في مقدمتها خبرة حرب أكتوبر 73 العظيمة وهذا يدعونا جميعاً كمصريين وعسكريين أن نفخر بأبنائنا ورجالنا العظماء الذين خططوا ونفذوا هذه الحرب التي هي فخر كل العرب والمصريين في العصر الحديثه
حفظكم الله وحفظ الوطن العربي والبلدان العربية ومصر وشعبها وجيشها وشرطتها ورئيسها من شرور الخونه واليهود الصهاينة والماسونيه وتجار الدين والأرهاب والفكر المتطرف وعبيد الدولار،،