دمياط / فريده الموجى
بدأت ناهد فريد شوقي الحديث عن والدتها هدى سلطان قائلة: «أمي كانت حنونة وحادة في آنٍ واحد، فمثلًا عندما كنت في الخامسة عشر من عمري كان ممنوع منعًا باتًا الذهاب للرحلات المدرسية حتى إذا كانت تستغرق يومًا واحد فقط».
وفى إحدى المرات كنت أريد الذهاب إلى رحلة مدرسية في أسوان وكان مدتها حوالي ستة أيام وعند استئذاني لها رفضت ولكن عندما أبلغتها قرار أبي بالموافقة وافقت على الفور، وعقب وصولي كانا يلاحقاني بالاتصالات من حين لآخر للاطمئنان عليّ، وذهب أبي لأمي يشكو لها قلقه فقالت له: «ما أنت وافقت علي الرحلة.. فأجابها أنا وافقت علشان أنتِ ترفضي عشان أنا مبحبش أطلع شرير».
فمن الواضح أن هدى سلطان كانت تخشى على فتياتها «من الهوا الطاير» فقد كانوا كل حياتها ووضعت لهن مجموعة من القواعد الراسخة التي تساعدها في تربيتهن بالطريقة الصحيحة أبرزها عدم التأخر عن المنزل قبل غروب الشمس.
وتواصل ناهد: «لم يكن من عادتها أن تذاكر معي دروسي بل كانت تجلس أمامي على ماكينة الخياطة لتشاهدني وتراقبني أذاكر أم لا وعندما تغفو تستلقى على الكنبة حتى انتهي من استذكار دروسي، ولم تتدخل في اختياراتي الدراسية ولم تفرض علي وظيفة معينة، بالعكس فعندما اخترت أن التحق بكلية الحقوق لأصبح وكيل نيابة استغربت من اختياري ولكنها لم تعارضني».
و«من ضمن طرق التربية التي اتبعتها أمي هو عدم استخدام أساليب الضرب والنهر بالعكس، فالخصام كان أشد قسوة لأن غضبها وحزنها مننا كان بالنسبة لنا مأساة، لأن شعارها هو لا يصح إلا الصحيح وهذا انعكس علي تربيتي أنا وشقيقاتي».
لم يؤثر عملها على تربيتنا، عندما سافرت المنصورة لتصوير أحد أفلامها مع الراحل عماد حمدي كنت أنا وشقيقتي مها في المنزل لم تتحمل بعدنا عنها وأحضرتنا إليها.
الخياطة والكروشيه
أمي تميزت بأناقتها الملفتة وذوقها الراقي، فكانت تهوى الخياطة فمثلا قامت بحياكة فستان زفافي أنا وشقيقاتي وكانت من المعتاد في كل عيد أن تحصل كل فتاة مننا على ثلاثة فساتين لنرتديها على مدار أيام العيد، ومن شدة عشقها للخياطة وصل بها الحال إلى أن تفصل (المايوهات والبيجامات) كانت تهوى أيضًا الأعمال اليدوية مثل (الكروشيه والتريكو) وعلمتني كيف أصنعه ودائما كانت تحرص علي صنع فساتين الكروشيه لأحفادها.
فقد كانت تنفذ فساتين أدوارها التي تظهر بها على الشاشة بداية من القماش إلى السورايه من خلال غرفة كاملة مخصصة للحياكة بها ماكينات خياطة.
كانت تتمتع بموهبة فريدة وهي علاج المريض في أقل وقت ممكن، وكان الأطباء يستغربون من ذلك، فعند إصابة ابنتي بـ(الصفراء) وكنتُ حينها في الجامعة فذهبت لوالدتي لتساعدني في هذا الموقف فكانت تجلس معها وداوتها حتي اندهش الطبيب من قدرتها في العلاج.
«كان نفسها حلو وشاطرة في المطبخ وأستاذة في عمل المحشي والكنافة والكشك، حتى في العيد ورمضان كانت تطبخ لأبي كل الوجبات التي يشتهيها ويُفضلها» هذا ما أكدته ناهد فريد شوقي.
لم تندم على أي شيء في حياتها من قبل، وعند اتخاذها خطوة الحجاب لم نناقشها فيه بالعكس كانت مرحلة عادية جدا في حياتها بدون أي شو إعلامي، كما كانت تخجل من أداور الإغراء التي قدمتها بأفلامها، رغم إنها لم يكن بها عٌري مثل الآن.
لم تتشاجر أمي مع أحد من الفنانين من قبل، فبرغم القطيعة التي كانت بين أمي وخالي محمد فوزي إلا أنه ظل توءم روحها حتى بعد وفاته، وفى آخر أيامها كانت تنادي عليه، أما صديقتها المفضلة والمقربة كانت ليلى فوزي رحمها الله.
وفي عيد الأم كانت تنهال عليها المكالمات الهاتفية لمعايدتها لدرجة أننا كنا لم نكن نلق وقت كاف للاحتفال بها، فهي كانت عبارة عن كتلة من الحنان.
لحظات فارقة
من أكثر الصدمات التي مرت بحياة هدى سلطان هو وفاة شقيقتي (مها)، فقد عاشت أمي في صدمة وقضت أربعين يومًا في عذاب، كل يوم تنظر إلى السماء وتنهمر من عينها الدموع وتردد «أنا موجوعة أوي ولكن أنا راضية بحكمك يارب» بعدها تدهورت حالتها الصحية بسبب إصابتها بسرطان الرئة.
واختتمت ناهد فريد شوقي حديثها قائلة: «أمي كانت إنسانة حنونة تحب الصح عشان كدة حتي لما كبرت وشها كان منور لا العجز نال من ملامحها ولا الحجاب غير من شكلها بالعكس فهي أصبحت قريبة من قلوب الجماهير لدرجة أن في ناس قالت لي مامتي شبه مامتك».
في يوم وفاتها قلت لها: «خليكي معايا ياماما متسبنيش».. ردت عليا قبل وفاتها بربع ثانية قائلة: «خليكي مع الله».