السعادة الغائبة
بقلم . نشأت فل صموئيل
السعادة نور وسرور، إنها منجم وثروة الحكماء ومقبرة المتكبرين الأغبياء.
هي أيضًا هبة ومنحة للطيبين البسطاء. السعادة قرار ينبعث من قلب مؤمن شجاع لا يُستعبد لشهوات أو رغبات
بل هو قلب الأحرار، يعانق السماء، لا يهتز أمام العواصف، ولا يسمع لها نداءً.
السعادة تُخالف الحزن الذي يبث فينا مشاعر اليأس والانكسار فهي تأتي بروح التفاؤل والأمل
وتمنح الحياة طعم الفرح والانتصار.
السادة القراء
قبل أي شيء أود أن أشارككم مشهدًا من فيلم عربي أثّر فيّ بشكل كبير:
كان رجل غنيٌّ بالمال والسلطة جالسًا في شرفة قصره غارقًا في أفكاره وأحزانه مشتتًا بين شهواته وصراعاته
وقلبه مضطرب وبين أصابعه المرتعشة سيجارة لا تنطفئ حتى يُشعل أخرى. وفي تلك اللحظة
سمع ضحكات مدوية فوقف باحثًا عن مصدر هذه الأصوات الضاحكة مستطلعًا ومتسائلًا:
“من هؤلاء السعداء؟!”
ويكتشف أن عمال قصره
(عثمان وحسنين وإدريس) هم من يضحكون.
هؤلاء الفقراء البسطاء هم السعداء. سارع الرجل إليهم ليشاركهم الضحك بحثًا عن سعادته بينهم لكن دون جدوى.
السعادة لها أشكال عديدة ولا أتناول هنا السعادة الوقتية الواهمة بل السعادة الحقيقية الدائمة.
هذه السعادة التي تتطلب منا معرفة أنفسنا كي تتحقق وتصبح جزءًا منّا. وللسعادة وجهان:
(خارجية وداخلية).
فالسعادة الخارجية
مهمة وجيدة وهي سعادة حقيقية لكنها تبقى مؤقتة لأنها عرضة للتقلبات فهي متصلة بالبيئة المحيطة والأشخاص من حولنا
ولذا لا تعكس السعادة الحقيقية بالكامل. هذه السعادة تستند إلى العقل أكثر من القلب
مثل تحقيق الأهداف، والنجاحات، والإنجازات ، وممارسة الهوايات، وإثبات الذات.
أما السعادة الداخلية
وهي محور هذه المقالة، فتنبع من أعماق النفس. إنها السعادة العميقة التي تستند إلى القلب أكثر من العقل، تؤمن بالقيم الروحية،
وتتسم بالرضا والقناعة والسلام الداخلي. هذه السعادة تنأى عن رغبات الدنيا ولا تتأثر بمؤثراتها الخارجية، لأن صاحبها يملك قناعاتٍ إيمانيةً عميقة.
أتذكر قصة قرأتها عن رجل ثري تحدث في لقاء تلفزيوني
عندما سأله المذيع:
“ما أكثر شيءٍ أسعدك؟”
قال الرجل:
“مرت بي مراحل عديدة من السعادة. جربت اقتناء الأشياء الثمينة، وامتلاك المشاريع الكبيرة، لكن كل هذه التجارب لم تمنحني السعادة التي أبحث عنها.
حتى نصحني أحد أصدقائي أن أساهم في شراء كراسي متحركة لمجموعة من الأطفال المعاقين.
وبالفعل
تبرعت بشراء الكراسي، لكن صديقي أصر أن أذهب معه لأقدم هديتي للأطفال بنفسي. ذهبت، ورأيت الفرح الكبير على وجوه الأطفال،
وكيف صاروا يتحركون في كل اتجاه بالكراسي
وهم سعداء يضحكون. لكن ما أدخل السعادة الحقيقية إلى نفسي هو أن أحدهم تمسك بملابسي، وأنا أهمّ بالمغادرة.
حاولت أن أتحرر من يده برفق، لكنه ظل ممسكًا بها، وعيناه تركّزان بشدة في وجهي!
ولا يريد أن يتركني. انحنيت لأسأله: ‘هل تريد شيئًا آخر قبل أن أذهب؟’ قال لي: ‘أريد أن أتذكر ملامح وجهك حتى أعرفك حين ألقاك في الجنة
لكي أقدم لك الشكر مرة أخرى أمام ربي وربك.’ في تلك اللحظة شعرت كأن السماء تخاطبني وعشت السعادة الحقيقة.”
عزيزي القارئ
أسعد إنسان هو من يوزع السعادة للآخرين فالسعادة هي الخير والعطاء، ومساعدة من هم في حاجة إلى المساعدة ونحن في حاجة إلى بناء علاقات إنسانية أكثر تماسكًا.
ابحث عن الذين يحتاجون المساعدة بهدوء ورفق وقلب طيب، ستجدهم حولك وبجوارك. كن سببًا في سعادتهم وستجد سعادتك الغائبة
وتقترب من الصورة التي أرادها الله لك، صورة الإنسان الصالح في تقواه ورحمته بأخيه الإنسان.
أخيرًا، السعادة الغائبة ليست غائبة، إنما موجودة في داخلنا تنتظرنا لكي نجدها، لكننا لن نجدها إلا بالمعونة الإلهية وتأتي بمحبتنا لله محبة حقيقية.
وهكذا لم تعد السعادة غائبة بل تصير دائمة، زمانًا وأبدًا.