عبودية التفكير
بقلم: عمر الشريف
حينما نسمع كلمة فكر ومفكر وتفكير أو غيرها من الكلمات ذات الصلة، فإن ذلك يلقي علينا ظلاً من الشعور بالعمق والجلال والاحترام لما للتفكير من ميزة عظمى وقيمة مُثلى تجعله في مقدمة الصفات البشرية التي يتمايز بها الإنسان عن الإنسان ويتفاضل بها عن الآخرين.
ولا شك أن التفكير الصائب في اكتشاف الحقيقة لا يأتي من فراغ، ولا يمكن تحصيله إلا بعد تعب وجهد في أكثر من مجال متنوع وزيادة المخزون المعرفي والبحثي، مع تراكم وتمازج خبرات مكتسبة من الظروف والأحوال التي تمر بالإنسان، فيصبح التفكير لديه ذو قيمة مضافة يمكن أن تأخذه إلى الحقيقة في فهم الأشياء، وتجعل من هذا التفكير محل اعتبار وتقدير في نظر الآخرين.
غير أن التفكير بكل أسف مُعرض للتشويه والمرض إلى درجة قد يصل في بعض الأحيان إلى التعطيل والشلل، فالفكر المشوه والمريض هو ذلك النوع الذي يقوم على مجرد اعتقاد الأكاذيب والترّهات والموروثات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ففي غياب ميزان العلم والمعرفة والقدوة الصالحة تصبح مادة الفكر الأولية عبارة عن أباطيل تتوالد عنها أباطيل أخرى، يتبناها الناس بدورهم ويعتقدونها وكأنها أحكام راسخة لشؤن حياتهم ومسار أمورهم.
ولكن المشاعر النفسية والميول العاطفية من أكثر ما يُعرض عملية التفكير المتوازن للتشويه وعدم المصداقية في الحكم، وخصوصاً عندما نفكر في الآخرين ومواقفهم وتصرفاتهم، فمن يحبنا يفكر فينا بطريقة مثلى تجعل كل تصرفاتنا مبررة ومنطقية وإن كانت غير ذلك في الحقيقة، ومن يكرهنا لن يرانا إلا مجموعة من الأخطاء مهما كان عملنا صالحاً وناجحاً بحد ذاته، فعين الرضا عن كل عيب كليلة، ولكن عين السخط تُبدي المساوئ والأخطاء، فالمشاعر للأسف كثيراً ما تستعبد التفكير، وتقيده بقيود مكبلاً في سجن محصور فيه لا يستطيع تخطيه، ولذلك لا يمكن النجاح أو التغيير في ظل أفكار مقيدة بمشاعر شخصية حسب الحالة العاطفية، فالتفكير إنما خلق ليكون حراً، ولا يمكن أن يكون تفكيراً محترماً ذو قيمة إلا إذا كان حراً وليس عبداً.