الطفل أقبال مسيح” أفكار بصوت مرتفع “
زينب كاظم …
سنتحدث في هذا المقال عن قصة مؤلمة لبطل وبطل هذه القصة هو ليس رجل مفتول العضلات قوي الجسد ولا انسان كبير السن بل هو طفل لا يتجاوز عمره الثانية عشرة عاما وهذا الطفل شخصية اثرت في كثيرا وقد لمست انه القليل من الناس من كتبوا عنه أو تحدثوا به لربما لأنه لا أحد يعرف هذا البطل الصغير وانجازاته وبطولاته وتضحياته الجمة…
ولد الطفل (اقبال مسيح ) من اسرة فقيرة في لاهور بباكستان بتأريخ (١٩٨٣م) وكانت الحياة انذاك جدا صعبة خاصة بالنسبة للمواطن الفقير البسيط العادي خاصة وان الناس يعيشون تحت مستوى خط الفقر وكانت لديهم مشاكل كبيرة وحروب والكثير من الأمور التي أثرت على البلد فمن الطبيعي أن تكون وضع الأسر صعبة لدرجة أن العائلات الفقيرة يرهنون أطفالهم بالمصانع من أجل أن يحصلوا على قرض بسيط أي يأتي المواطن يقدم أولاده للمصنع ويطلب منهم قرض وعندما يكمل تسديد القرض يأخذ أولاده وقد يظل هؤلاء الأطفال في المصنع لمدة طويلة ممكن تكون سنة أو سنتين أو ثلاث أو حتى عشر سنوات حتى يتم تسديد القرض ويسترجعهم فيقوم أصحاب هذه
المصانع بتشغيل الأطفال بظروف صعبة وساعات عمل طويلة جدا وشاقة والطفل لا يوقف العمل هناك حتى يتم اهله تسديد القرض وهذا الأمر محزن جدا لأن المألوف أن يرهن الأنسان ساعة ذهبية أو بيت أو قطعة أرض لكن هؤلاء يرهنون أولادهم وكأنهم أشياء مادية وليست أرواح والبطل الصغير أقبال مر بنفس هذه الظروف العصيبة ،فعندما كان( عمره ٤سنوات)رهنه أبواه عند رجل يملك مصنعا للسجاد مقابل (٦٠٠ روبية) اي ما يعادل (١٢ دولار) وهذا مبلغ بسيط لكن اجبر الطفل اقبال على العمل بذلك المصنع حتى يتم أهله تسديد القرض ويتم اخذه من قبل عائلته علما أن هذا الأمر كان منتشرا وهو نوع من العبودية الحديثة ولغاية يومنا هذا وهي تحدث بدول العالم الثالث وهذا يعني
أنه ليس اقبال الوحيد الذي كان هناك بل معه الألاف من الأطفال يشاركونه نفس المصير اذ كانوا يربطونهم بالسلاسل ويسحبونهم كالغنم واجبارهم على العمل لمدة (١٢)ساعة باليوم وسبعة أيام بالأسبوع بدون أي يوم أو وقت للراحة وكلما تأخر والد أقبال عن مدة تسديد القرض زادت وتضاعفت عليه الفائدة أكثر وأكثر كلما زاد عدد الأيام والسنوات التي يتأخر فيها تسديد القرض ولم تستطع عائلة اقبال تسديد القرض الا بعد مرور خمس سنوات البالغ (١٢دولار) لكن مع زيادة الفوائد اصبح المبلغ كبيرا جدا لدرجة انه وصل ل(٢٠٠ دولار) وهذا المبلغ يعتبر ثروة لا يمتلكه الا الأغنياء ومن شبه المستحيل أن توفر عائلته هذا المبلغ لتحريره والكل عرف أن هذا الطفل حكم عليه بالمؤبد لأن أهلة اضطروا الأستغناء عنه لأنهم لا يستطيعون سداد المبلغ وكان وضع أقبال المسكين والأطفال الباقين وضع صعب جدا ومخيف أذ أنه حتى الأكل غير متوفر ويعطونهم وجبات بسيطة جدا وغذاء رديء وهذا الأكل القليل كانوا يوفرونه لهم من أجل أن يستطيع الطفل العمل فقط بل حتى الطفل منهم
عندما كان يمرض كانوا لا يوفرون له العلاج اللازم بل كانوا يضربونه ضربا مبرحا وعندما يعاند الطفل ولا يقبل أن يعمل يأخذونه ويحبسونه في خزانة صغيرة لمدة يوم كامل كنوع من العقاب ،وظل الطفل اقبال مع هؤلاء الأطفال وبقي الحال على ما هو عليه حتى أصدرت محكمة باكستان قانونا يمنع هؤلاء الأطفال من العمل لأن هؤلاء أطفال وأعمارهم صغيرة ولايجوز أن يعملوا الا انه القانون موجود لكن لا أحد يطبقه اطلاقا وظل حبرا على ورق وكلنا يعرف العدد المهول من هذا النوع من القوانين في عالمنا العربي ولم تطبق هذه القوانين في باكستان بسبب الفساد اذ انه هذه مصانع كبيرة ولم يجرئ أحد عن محاسبتهم بل حتى عوائل الأطفال لم يكونوا مهتمين لأولادهم اطلاقا بل على العكس كانوا محتاجين لهذه القروض ويستغنون عن أولادهم بسهولة ولم يتغير
شيء لا من الحكومة ولا من أصحاب المصانع ولا حتى الأهالي وظل الطفل المظلوم اقبال يعمل في هذا المصنع من عمر أربع سنوات حتى صار عمره عشر سنوات فمل الطفل من الظلم اذا كان يعاني معاناة كبيرة فكان في وضع أما مضروب أو معذب أو معاقب أو جائع أو مريض أو يعمل بلا راحة فبدأ هذا الطفل يخطط من أجل أن يهرب من هذا المصنع ولم يفكر بنفسه فقط بل بجميع الأطفال الذين معه وكان مدركا جيدا أن فشلت خطته ستنتهي كل حياته بكل تأكيد وفي يوم عمل عادي استطاع اقبال هو وبعض الأطفال الهروب من المصنع والذهاب لأقرب مركز شرطة لغرض رفع شكوى ضد
صاحب المصنع لكن الشرطة والحكومة نفسها كانت فاسدة فبدلا من ان يساعدهم رجال الشرطة أو حتى تركهم في الشارع أخذوهم وأرجعوهم للمصنع رغم انه هناك قانون يجرم ويعاقب على عمالة الأطفال وقام صاحب المصنع باعطاء الشرطة رشوة مالية وقام بضرب الأطفال ضربا قاسيا ومبرحا حتى كادوا يموتوا بين يديه وقام يتجويعهم ومعاقبتهم أشد عقوبة ،وعندما بلغ عمر اقبال( ١٢ سنة)بدأ يفكر بالهرب مرة اخرى لأنه رأى أنه من الصعب أن يكمل حياته في ظل هذه الظروف العصيبة لكن تغير الوضع هذه المرة فبعد عملية بحث بسيطة منه ذهب لمنظمة غير حكومية (منظمة خاصة)كانت تحارب استعباد الأطفال وكان اسمها (جبهة تحرير العمالة المستعبدة)وكان يديرها شخص اسمه (محمد احسان الله خان)
وبالفعل تحركت هذه المنظمة وقاموا بتحرير كل الأطفال الذين يعملون بالمصانع ولو لا ما فعله اقبال الشجاع البطل لبقي الأطفال يعملون في تلك المصانع ويتعذبون وعندما تحرر اقبال كان عنده هدف واحد فقط هي أن ينقل قصته لكل العالم فصار يظهر ويتكلم ويحكي قصته في كل مكان حتى حصل على دعم من الأمم المتحدة وبدأ بالعمل بأكثر من منظمة حكومية بكل مكان بالعالم ليس فقط في باكستان وصار يعطي دروسا حتى للأطفال الذين أكبر منه سنا عن الأستعباد كي لا يستغلونهم ولا يستعبدونهم ويخبر الناس بالعالم كيف يعيش الأطفال بدول العالم الثالث واشتهر بشكل واسع حتى أنه قام بمؤتمرات بأوربا وأمريكا وفاز بجوائز عديدة بحقوق الأنسان
وكان يريد أن يخبر قصته لجميع العالم كي لا يصبح أي طفل فريسة أو ضحية لنظام فاسد ويعيش ما عاشه هو اذ انه لا يريد أن يمر أحدا بما مر هو فيه لا يريد لأي طفل أن يكون مثله وكلما كان الناس يهتمون بقصة هذا
الطفل ويشتهر أكثر كانت تغلق مصانع اذ أنه عمل ثورة كبيرة عندهم بباكستان مما جعل هذا الطفل هدفا لأصحاب المصانع وهناك منهم من كان يتوعد بقتله وكرهوه كرها شديدا لكنهم لا يستطيعون قتله لأنه كان يلف حول العالم ويخبر قصته لكل الناس لكن بتأريخ (١٦ اب ١٩٩٦م) عاد اقبال مرة اخرى الى باكستان من أجل أن يلتقي بأهله الذين باعوه بعد فراق سنين طويلة وفي نفس اليوم الذي وصل فيه الى باكستان أطلقوا عليه رصاصة في الرأس ومات فورا ،فقتل هذا الطفل المسكين الذي ما كان يريد غير الحرية والذي قتله شخص كان يسمى (محمد
أشرف)الذي كان صاحب مصنع فأغلقوا مصنعه وخسر كل تجارته لذلك حقد حقدا شديدا عليه ،أن حملة الطفل أقبال هذه انقذت أكثر من ثلاثة الاف طفل من العبودية اذ كانوا يعيشون بنفس الظروف القاهرة التي عاش بها هو وبعد وفاته صار اقبال رمز للنضال ضد العبودية والنضال من أجل حقوق الأنسان وهذا الشيء أصبح في وقتنا الحالي عملة نادرة حتى عند الناس البالغين والناضجين فمن يضحي بعمره من أجل هدف نبيل ايثارا وتضحية للغير ومنذ وفاته ليومنا هذا هناك حرب مستمرة ضد عمالة الأطفال ليس فقط في باكستان بل في كل دول العالم والكثير من الناس المهتمين بحقوق الأنسان والكتاب قاتلوا من تجل اعطاء اقبال جائزة نوبل للسلام رغم عمره القصير الصغير لكنه جديرا بها لأنه حارب العبودية فقتله عبيد المصالح والدينار.
لكن للأسف لغاية يومنا هذا هناك( ١٥٢ مليون طفل) مجبرين على العمل بظروف صعبة وشاقة وهذا الرغم مهول ومفزع جدا ،ولو لا ثورة اقبال لظل الأطفال على حالهم وثورته انتشرت بالعالم أجمع،وفي عالمنا العربي دوما نشاهد هكذا مشاهد مؤلمة لأطفال يعملون بالشارع وأطفال لم يكملوا تعليمهم لكن لا
نعرف كيف الحكومات صامتة أمام هكذا مشكلة كبيرة لأن هؤلاء أطفال بعمر الورد ولهم حقوق كثيرة كالمأكل والمشرب والدراسة والنوم المريح والعيشة الكريمة وليس العمل بالشارع الذي تتعرض فيه حياتهم للخطر وعمرهم للضياع وأبسط أمر ممكن يقدم لهم خاصة من الناس الميسورين هو مساعدتهم ماديا مقابل تعبهم ووقوفهم على أقدامهم بالشارع من أجل تنظيف السيارات أو بيع المناديل والعلكة وغيرها فيكفي أنه وبهذا العمر يعمل أعمال بسيطة ويقف على قدميه ويريد أن يأخذ نقوده من عرق جبينه ولم يمد يده لأحد ولم يتسول واذا استطاع أحد أن يمد يده اليهم
ومساعدتهم وأخذهم لمنظمة انسانية تهتم فيهم أو يستطيع أن يتبناهم هو يجب الا يقصر تجاههم اطلاقا والله الموفق .