بشائر النصر
بقلم المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي رئيس الاتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن المتتبع لما يجري اليوم في فلسطين خاصة وفي الأمة الإسلامية عامة يكاد يجزم بقرب النصر إن شاء الله تعالى، وعلى ذلك دلائل وأحوال تتبئ بما أزعم، استقيتها من دراسة شرعية وتاريخية. والأمة اليوم بحاجة ماسة إلى هذه البشائر حتى تقف على قدمها شامخة عزيزة، ولتطرد أوهام اليأس ووساوس الإحباط، التي كانت تعصف بها عصفًا، وتذهب بروح المقاومة والعمل الجاد. أما الدلائل المستقاة من الشرع المطهر على قرب النصر فعديدة، منها: 1- قول الله تبارك وتعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7]. ونحن نرى اليوم جماعات وهيئات ودولاً وأفرادًا كثيرين ينصرون الله تعالى بما يستطيعون، ويقدمون أرواحهم وأوقاتهم وكثيرًا من أقواتهم في سبيل هذه النصرة. ودائرة النصرة هذه في اتساع كل يوم ولله الحمد، وهي تكسب مواقع جديدة في جوانب السياسة والإعلام والاقتصاد والتعليم وغير ذلك، وسيأتي لهذا مزيد تفصيل وتدليل فيما بعد، فإذا أخلص هؤلاء الناصرون دينهم لله تعالى واجتهدوا؛ فإن نصر الله تعالى يتنزل عليهم ولو بعد حين. 2- قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45، 46].
ونحن نرى اليوم جماعات كثيرة من المجاهدين تنطبق عليها هذه الأوصاف والأحوال المذكورة في هذه الآية الكريمة، فهؤلاء المجاهدون في فلسطين والشيشان وكشمير وجنوب الفلبين يضربون أروع المثل في الثبات، وذكر الله تعالى وطاعته، والاستنان بسنة رسوله والاجتماع على الحق والصبر، فقوم مثل هؤلاء حريٌّ أن يتنزل عليهم النصر إن شاء الله تعالى. وإذا قارنا ما يحدث في هذه الأيام وما كان يجري زمان الذل في القرن الماضي، لعرفنا قرب النصر إن شاء الله تعالى. ويكفي أن أقول: إن أعداء الإسلام في العصر الحديث لم يواجهوا يومًا مجاهدين على هذه الشاكلة، ولم يدر بخلدهم أن المسلمين سيستيقظون على هذا النحو، ولقد كانت راية القتال في أكثر الجيوش العربية والإسلامية عمية غير واضحة المعالم. 3- قول الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، ويشابهه قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51]. وأجزم أن في الأمة اليوم مجاهدين مؤمنين أطهارًا يستحقون أن يتنزل عليهم النصر القريب الآتي إن شاء الله تعالى، وليس معنى ذلك أني أتألى على الله، معاذ الله، لكنه من باب البشائر فقط واستقراء الأحداث. 4- قول النبي : “لتقاتلن اليهود حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله، ورائي يهودي تعال فاقتله”.
وهذا -والله تعالى أعلم- قريب زمانه، حاضر أوانه؛ فإن أهلنا في فلسطين يرجعون إلى الله، وينطبق على كثير منهم أنه مسلم عبد الله، وهؤلاء سيكونون -إن شاء الله تعالى- طلائع الجيل القادم الذي سيفتح له ويمكَّن. أما الدراسة التاريخية التتبعية فتدل دلالة أوضح من الشمس في رائعة النهار أن الإسلام قادم بقوة، وأنا ذاكر بعض النقاط وساردها سردًا موجزًا، وكل ما سأذكره خاص بالقرون الأربعة الأخيرة فقط، والمقارنة التي سأذكرها إنما أعني بها تلك القرون. المسلمون لم يكونوا يومًا أشد وعيًا ولا أعظم إدراكًا لما يحدث من مؤامرات دولية ودسائس ومكائد منهم في زمانهم هذا، والوعي والإدراك عنصر مهم طالما نجح أعداؤهم في التغلب عليهم بسبب ضعفه بل انعدامه عندهم، وكم ظهر عند المسلمين من رجال قادوا الأمة إلى أوخم العواقب بسبب جهلها. وهناك أمثلة كثيرة وليس أتاتورك وعبد الناصر منا ببعيد، وكم ضحك علينا الشرق والغرب طويلاً، لكن الحال تغير اليوم، والأمة غير الأمة بالأمس، ولله الحمد. وهناك بعض المبشرات بتغيُّر الأحوال إن شاء الله تعالى، منها: – السير الحثيث للتخلص من الربا والمعاملات غير الإسلامية في كثير من الدول الإسلامية، وإنشاء المؤسسات المالية الإسلامية التي تقارب المائتي مصرف وشركة إسلامية وقبل ثلاثين سنة لم يكن هناك أي مؤسسة أو مصرف،
وكانت الصحافة الناصرية البغيضة تستهزئ بالأستاذ الدكتور عيسى عبده -رحمه الله- لما أراد إنشاء مصارف على أساس إسلامي. وهذه النقلة في المعاملات الإسلامية تقربنا من تحقيق أمره تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، وتبعدنا من {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279]. – التزام كثير من أفراد الجيوش العربية والإسلامية بالإسلام ضباطًا وجنودًا، ولو تتبعنا حال هذه الجيوش العربية إلى أربعين سنة ماضية لوجدنا أن الأغلبية الساحقة من الضباط والجنود لم يكونوا يعرفون صلاة ولا صيامًا، ولا يدركون معنى الجهاد في سبيل الله، ولم يقاتلوا على أساس من الإسلام متين، وكانت الكبائر منتشرة فيهم، وهذا الذي نراه اليوم من أفصح دلائل النصر القادم. – التزام النساء بالإسلام، وقد حاول أعداء الإسلام مرارًا أن يفسدوا المرأة المسلمة ونجحوا، حتى أصبحت أكثر العواصم العربية والإسلامية خلوًّا من مظاهر الحجاب. وكان الأصل فيها تفلُّت النساء من الالتزام الشرعي، ولم تتغير هذه الصورة إلا من ثلاثين سنة خلت فقط، اليوم الأصل في أكثر العواصم الإسلامية الحجاب ولله الحمد، وقد حكى لي أحد الأساتذة الدكاترة وهو شاعر مشهور أنه كان في بلد عربي كبير في الثمانينيات الهجرية/ الستينيات الميلادية، يرجو أن يجد امرأة تقبل بوضع الإيشارب على رأسها ليتخذها زوجًا له، فلا يجد إلا بصعوبة!! ولم تكتف المرأة اليوم بالحجاب فقط بل نزلت إلى ميادين الجهاد السياسي والإعلامي والاقتصادي والاجتماعي، وأنشأت أجيالاً رائعة من الشباب والشابات،
وفي هذه السنة نزلت النساء الفلسطينيات الرائعات ميادين العمليات الاستشهادية التي لا يطيقها إلا القليل من شجعان الرجل وأبطالهم. وهذا التحوُّل الذي جري على المجتمع النسائي لهو مسمار في نعش المحاولات التغريبية التي أحاطت بالمرأة المسلمة في القرنين الأخيرين، ولله الحمد. – انتشار الثقافة الإسلامية الصحيحة الواعية، والكتب الكثيرة التي تتحدث عن عظمة الإسلام وروعته، وانتشار المفاهيم الإسلامية الصحيحة، وكل ذلك لم يكن قد ابتدأ إلا منذ ستين سنة فقط في أكثر تقدير، وابتدأ بداية متواضعة على استحياء ثم انتشر انتشارًا واسعًا حتى صارت معارض الكتب لا تقتات إلا على بيع الكتب الإسلامية وما يتبعها. – انتشار الإعلام انتشارًا عجيبًا؛ فاليوم للإعلام الإسلامي قنواته الفضائية، وبرامجه التي لا تحصى كثرة في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وهناك البدائل الواضحة الجيدة عن كل الغثاء الذي كان له السيادة المطلقة قبل ثلاثين سنة بل عشرين. وهناك اليوم البديل الجيد للأطفال والنساء والرجال والشباب من المقروء والمسموع والمرئي، مما لم يكن يحلم به أكثر الناس تفاؤلاً قبل ثلاثين سنة فقط، وانتشرت اليوم المؤسسات الإسلامية والإعلامية بالمئات في القارات، أوربا وأمريكا وإفريقيا، وهذه نعمة جليلة. – وأعظم الدلائل الواضحات التي لا تقبل جدلاً ولا نقاشًا هو بزوغ الصحوة الإسلامية الرائعة في العقد الأخير من القرن الرابع عشر الهجري أو السبعينيات الميلادية التي ألقمت أعداء الله تعالى حجرًا وكانت غصة في حلوقهم وشوكة في جنوبهم، والتي أتاهم الله تعالى بها من حيث لم يحتسبوا، فأصبح للدين جنده من ملايين الشباب والشابات الأطهار ذوي الأيدي المتوضئة. ولم يكن عددهم يتجاوز الآلاف في العالم الإسلامي كله زمان الظلام الدامس الذي خيم على القرون الأربعة الماضية، وصار الشباب والشابات ينادون بملء أفواههم بالإسلام، ويطالبون بالجهاد، ويتمسكون بحبل الله تعالى، ويرعبون أعداء الإسلام. وهؤلاء هم عدة النصر القادم إن شاء الله تعالى، وشمس الأمة وغدها الباسم، وضياؤها المشرق، وإن زادوا إلى الحد الذي يقدره الله تعالى فليس من قوة في الأرض تستطيع مقاومتهم أو تجاهلهم، وإن غدًا لناظره قريب.
والعجيب أن أكثر هؤلاء في القطاعات التقنية والمهنية والفنية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، أي في القطاعات التي جهد أعداء الإسلام طويلاً في العمل على تغريبها وتخريبها. ويخبرنا إخواننا الذين يكبروننا في السن أن الحرم المكي في تهجد رمضان سنة 1382هـ/ 1963م كان يصلي فيه أربعة صفوف صغيرة والإمام يقرأ بلا مكبر للصوت فيسمعهم!! وذلك بسبب قلّتهم. ولقد كانت أكثر المساجد لا يحضرها إلا كبار السن، فكيف هو الحال اليوم والحرم يصلي فيه وقت تهجد رمضان الملايين، والمساجد في العالم الإسلامي غاصة بعشرات الملايين من الشباب الطاهر والشابات العفيفات. ولقد كان كبار علماء العالم الإسلامي يشكون من تفرق الشباب عنهم في السبعينيات والثمانينيات الهجرية، أي الخمسينيات والستينيات الميلادية، فأصبحوا بعد ذلك -وقد التف الشباب حولهم- ملء السمع والبصر، فعلامَ يدل كل هذا؟ الرغبة العارمة لدى ملايين الشباب والشابات في عمل شيء لرفع الذل عن الأمة، ورفعها إلى سدة السيادة العالمية من جديد، وهذا الأمر أكثر ما يزعج أعداء الإسلام ويخيفهم، ويزعزع كل الأسس التي جهدوا في إرسائها، والتي حاولوا بها أن يصرفوا الشباب عن العمل الجاد إلى الخلافات العقيمة المطولة، أو الانزواء في المساجد والزوايا والتكايا، أو الانشغال بسفاسف الأمور ودناياها، أو الانغماس في الكبائر والموبقات. أما اليوم فقد عرف كثير من الشباب والشابات طريقهم، والتزموا إسلامهم، وصاروا يعملون -في مجملهم- ما يستطيعونه من أجل نصرة الإسلام وقضاياه. والمطلع على المظاهرات المليونية في عدد من بلاد العالم الإسلامي، والناظر إلى القنوات الفضائية والشبكات العنكبوتية (الإنترنت) وما يجري فيها من تفاعل عدد عظيم مع قضايا المسلمين، ليدرك تمامًا أن الليلة ليست كالبارحة، وأن الأمة غيرها بالأمس، وأن كثيرًا من مظاهر التغيير الجادة بدأت تأخذ مجراها على أيدي هؤلاء الشباب الأطهار العظماء. ختامًا أمة الإسلام، فإنه لا يفت في عضد أعداء الإسلام شيء أكثر من تفاؤلكم بالنصر ثم العمل على تحقيقه، ولا يفرحهم شيء قدر فرحهم إذا يئستم وأعرضتم وتوليتم، فاللهَ الله، فهذه أيام من أيام الله تعالى شديدة، العامل فيها ليس كالعامل في أيام الرخاء، فأروا الله تعالى من أنفسكم نصرة وحماسًا وعملاً صالحًا ومبرورًا، عسى الله أن يمنَّ علينا بأن يُقرَّ أعيننا بنصر الإسلام وأهله، إنه ولي ذلك والقادر عليه