عودة طه حسين ورواية ” الحان حائرة: جسر بين الماضي والحاضر”
متابعة/حنان عبدالله هشى
تعتبر الرواية التاريخية واحدة من الأشكال الأدبية التي تتمتع بسحر خاص، حيث تجمع بين الوقائع الحقيقية وبين لمسات الخيال التي تضفي على الأحداث عمقًا وجاذبية.
حيث يعود مؤرخ مدينة القصير بالبحر الأحمر والكاتب الكبير طه حسين الجوهرى بأخر كتاباته هذه الرواية التي نتحدث عنها هنا .
تنسج ببراعة بين صفحاتها أحداثًا حقيقية مستمدة من كتب التاريخ، وروايات الرحالة الأجانب، لتبرز عظمة أبطال ضحوا بحياتهم ورحلوا في صمت، دون أن ينتظروا مدحًا أو ثناءً على ما قدموه من تضحيات.
تبدأ الرواية بسرد أحداث تاريخية حقيقية، موثقة في كتب التاريخ ومذكرات الرحالة الأجانب الذين زاروا المنطقة. يُظهر النص بدقة وبراعة التحديات التي واجهها هؤلاء الأبطال، وكيف تمكنوا من التغلب عليها بإيمانهم وشجاعتهم. هؤلاء الأبطال، على الرغم من رحيلهم في صمت ودون انتظار مكافأة أو اعتراف، تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ شعوبهم.
في وسط هذه الأحداث الحقيقية، تظهر شخصيات خيالية أضيفت بمهارة لتعزيز الحبكة الدرامية. هذه الشخصيات ليست مجرد إضافات عابرة، بل تلعب دورًا حيويًا في تطور القصة وإبراز تفاصيل الأحداث. بفضل هذه الشخصيات، يتجلى للقارئ الجانب الإنساني والعاطفي للأحداث، مما يجعل القصة أكثر قربًا وتأثيرًا.
ما يميز هذه الرواية هو الاهتمام الكبير بالتفاصيل التاريخية والبيئية. الأماكن التي تجري فيها الأحداث ليست من وحي الخيال، بل هي مواقع حقيقية شهدت الوقائع نفسها. الكاتب هنا لا يكتفي بالسرد التاريخي، بل يخلق عالمًا حيًا ينبض بالتفاصيل الدقيقة، من الملابس والعادات إلى المعارك والأحداث السياسية.
إضافة نجاح هذه الرواية يكمن في قدرتها على الموازنة بين الحقيقة والخيال.
يستخدم الكاتب الخيال ليس لتزييف الوقائع، بل لإضفاء طابع درامي يجعل الأحداث التاريخية أكثر حيوية وقوة. الشخصيات الخيالية تساهم في إظهار تعقيدات المواقف الإنسانية وتقديم زوايا جديدة لفهم الأحداث الحقيقية.
الحبكة الدرامية في هذه الرواية مدروسة بعناية. تتصاعد الأحداث بشكل تدريجي، مما يبقي القارئ متشوقًا لمعرفة ما سيحدث بعد ذلك. ومع كل صفحة، يزداد تعاطف القارئ مع الأبطال، سواء كانوا حقيقيين أو من وحي الخيال. الرسالة النهائية للرواية قوية وواضحة: العظمة ليست في انتظار الثناء أو المدح، بل في التضحية الصامتة والإخلاص للواجب.
هذه الرواية ليست مجرد عمل أدبي، بل هي وثيقة تاريخية تنبض بالحياة، تجمع بين دقة الحقائق وروعة الخيال. هي تحية لأبطال ضحوا في صمت، وأيضًا تذكير لنا جميعًا بقيمة الشجاعة والإخلاص. بفضل براعة الكاتب في الدمج بين الحقيقة والخيال، تصبح القصة تجربة إنسانية عميقة تظل عالقة في الأذهان، تثير التفكير وتلهم الأجيال القادمة.
الجدير بالذكر :طه حسين الجوهري اديب ومؤرخ مصري ولد بمدينة القصير على شاطئ البحر الأحمر تلقى تعليمه قبل الجامعي في مدينة القصير ثم إنتقل للدراسة بكلية التربية جامعة أسيوط وحصل على ليسانس التربية والآداب بقسم اللغة الفرنسية ثم إلتحق باداب المينا لدراسة الماجستير ثم سافر لفرنسا ودرس بكلية جيل فيرن جامعة بيكاردي بفرنسا، له دراسات ادبية بالفرنسية والعربية ابرزها دراسة الزمان والمكان في روايات اندريا شديد، وله كتابات في مجال التاريخ ابرزها القصير صفحات من الماضي وبونابرت والرجل النبيل وحول تراث القصير وقلعة القصير التاريخية كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية وله العديد من المقالات التاريخية والادبية في الصحف العربية والدولية .
بالإضافة حصل على درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر وكان عنوان الرسالة ” دور الشيخ محمد الجيلاني في مقاومة الغزو الفرنسي لمصر (1798-1801م) في عام 2021 ثم حصل على درجة الدكتوراة في التاريخ الحديث والمعاصر في عام 2023م وكان عنوان الرسالة ( القصير في كتابات الرحالة في القرن التاسع عشر الميلادي) ، عضو الجمعية التاريخية المصرية والجمعية الجغرافية المصرية واتحاد المؤرخين العرب ببغداد وعضو الاتحاد العالمي للجامعات العربية والاجنبية ويعمل مديرا لمركز البحر الاحمر للدراسات والتمية المستدامة