سراب طريق
بقلم: أسامة حراكي
عمر الدنيا أطول من عمر حكاياتنا، لهذا تموت حكاياتنا والحياة مستمرة..
كان يحبها بجنون وفرقهما النصيب، ومع هذا حضر زفافها على غيره، فسأله صديقه كيف؟
فقال: لأن إيماني بالقضاء والقدر أكبر من حبي لها.
بعد الفراق تزوجت هي وأنجبت ومازال هو يعيش على حبها، فالزمن الذي توقف عنده لم يتوقف عندها، فهي كانت أكثر منه واقعية، وهو كان أكثر منها حباً، لهذا عاشت هي وضاع هو، فربما كان عمر الحب في قلوب الذين انتهت حكاياتهم بالفشل، أطول من عمره في قلوب الذين انتهت حكاياتهم بالنجاح، فحرماننا من شيء ما يطيل فترته فينا.
كان يبحث عن مجدافين يأخذانه إلى ضفة الحلم، ويوجه صدر القارب نحو الشمس، ويحرث بالمجدافين بحر الحياة ليصل لقارتها، كان يبحث عن قشة في عاصفة وكانت هي عاصفة الحب، عن قطره في محيط وكانت هي محيط القلب، عن نجمة في الكون وكانت هي كل الكون…
كان يستوحي أشعاره منها، من ضحكاتها تمطر عليه أمطاراً من الصور الشعرية، ومن حديثها تجرفه سيول البلاغة، ومن حبها تكتمل معه الحالة الشعرية، والحب أعظم ألوان الشعر…
لكن إيمانه بالحب ذاته كان عظيماً، لهذا آمن كثيراً بنبض الحب في القلوب والدعاء بالأمنيات تحت المطر، وطلبها من الله تحت المطر بإلحاح، وتركها كالحاجة أمام باب الله وتمتم باسمها في دعاء عاجل أمام البحر في ليلة شتائية شديدة الريح والمطر، وحين فشل كان على يقين بأن الخير الذي اختارته له رحمة الله في الفشل معها أعظم كثيراُ من الخير الذي كان سيتقاسمه معها في حال النجاح.
قالبعض منا آمن بالحب كمنام يسافر به عبر قطار الزمن، ثم استيقظ على كابوس بعد فوات الأوان، ولم يسمع محطات نادته ولبى نداءتها، فاكتشف متأخراً أنه كان سكة حديد ليعبر عليه وبه الآخرين، لعربات محملة بأقارب يسترضهم، وأصدقاء يستأخهم، ولم يكن يوماً قطاراً أو ساكناً في إحدى مقصوراته، وكان كله لأجل الآخرين سكة يسافر ويودع ويلتقي به وعليه الآخرون بالآخرين، فأحياناً قلوبنا لا تستوعب أن الذين اتبعناهم على طريق العمر بعطش، كانوا مجرد سراب طريق لا أكثر، ففي رحلة الجري خلف أشياء لا تستحق، نحن في الغالب نخسر أشياء كثيرة تستحق، حقيقة تؤلمنا كثيراً حين نكتشفها بعد مواسم الحصاد.
الحب أقوى من السحر، لهذا يبطل السحر ولا يبطل الحب، فحين نلتقي بحكاية حقيقية، نندم كثيراً على ما أسلفنا من حكايات وهمية، سفكنا فيها من الصحة النفسية والعمر الكثير، لكن تاريخ الميلاد وغزو الشعر الأبيض من أشد أعداء حكايات الحب التي قد تطرق أبواب قلوبنا في وقت متأخر من العمر، فالأحلام التي تصل بعد انطفاء مصابيح العمر تعيش في الظلام وترهقنا محاولات سترها كثيراً، فالحب في آخر العمر أغلى من الحب في أوله، ربما لأن الفرصة الأخيرة دائماً أغلى من الفرصة الأولى، فأرهقت أعمارنا حكايات حب خذلتنا في منتصف الحلم والطريق، وأصبحنا نمارس الحزن حتى أصبح عادة يصعب التخلص منها، وحكايات الحب التي لا تهدف إلى الزواج هي كفتاة عابرة، تستحم وتتزين كل يوم، ومع هذا تبقى غير نظيفة، فلا تجعلوا قلوبكم سبيلاً يرتوي منه من يحب، اجعلوه مملكه يملكه فقط من تحبوا.