المنجمون كذابون ولو صدقوا
فاطمة عبد العزيز
إن ادعاء علم الغيب منكر عظيم، بل هو من الشرك الأكبر، لأن علم الغيب لا يعلمه إلا الله وحده.
فالمنجمون كذبة، ولا يمكن أن يصدقوا لأنهم لا يصدقون.
إلا أنه أحيانا قد يوافق قولهم قدراً فلا يكون ذلك دليلاً على صدقهم.
وجاء في الحديث أن الشياطين تسترق السمع، فيرسل عليهم الشهاب، فمنهم من يدركه الشهاب فيحترق.
ومنهم من يصل الأرض قبل أن يدركه الشهاب وقد سمع كلمةً واحدة من السماء من حديث الملائكة، فيُلقيها إلى الكاهن الذي في الأرض، والكاهن يكذب معها مائة كذبة.
كما في الحديث فيصدق الكاهن تصدق مائة كذبة، بسبب كلمة واحدة من السماء، “وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ”.
وفي الحديث أن النَبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه أصابتهم مطرًا في الليل وهم بالحديبية وهم قريب من مكة، من الحد الغربي للحرم، أصابتهم سحابة أو مطر، فلما صَلَّى النَبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم صَلاةَ الفجر فَقَالَ: “هَلْ تَدْرُونَ مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ”.
والذهاب للدجالين والمشعوذين من كبائر الذنوب.
ووردت أحاديث نبوية بالتحذير منه، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن صفية عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهن- قال: “من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة”.
وروى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من أتى…. كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”.
الذهاب إلى السحرة والدجالين والعرافين والمشعوذين كل ذلك لا يجوز وحرام شرعا”، فعن الرسول الله صلى الله عليه “من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلاة أربعون ليلة”، هذا الحديث لمن أتى العراف وسأله فقط فما بالنا لو أنك صدقته.
كذلك ربما يعد من المناظر المألوفة لكثير منا رؤية مجموعة من النساء وقد تجمعن حول إحداهن وهي تمسك بكوب القهوة الفارغ، لتقرأ لهن حظهن ومستقبلهن، إنها صورة ساذجة بلا شك، إلا أنها تحكي حقيقة واقع الإنسان في ولعه بمعرفة ما تخبئه له الأيام، وما تحمله له السنون والأعوام،
إن الغيب اختص الله بعلمه، وقد بين الإسلام أن لا أحد في السموات ولا في الأرض يعلم الغيب إلا الله، قال تعالى : “قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله” سورة النمل : 65، ونفى سبحانه علم الغيب عن أقرب الخلق إليه، وأطوعهم له، وهم الملائكة والأنبياء، فقال للملائكة وقد تساءلوا: كيف يستخلف في الأرض من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ “إني أعلم ما لا تعلمون”، سورة البقرة : 30.
أن المنجمين يكذبون، والواجب على المسلم عدم تصديقهم أو الركون إليهم، وإن صدقوا في بعض الأحيان، كما قال عن الشيطان: صدقك وهو كذوب. رواه البخاري.
والواجب على المؤمن أن يتقيد بالأمر الشرعي، وأن يحذر ما نهى الله عنه، والله يقول : “قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ”، فالغيب عنده وهو الذي يعلمه -جل وعلا- وليس عند المنجمين والسحرة والكهنة، ونحو ذلك ممن يدعون علم الغيب.
ولا ينبغي للمسلم أن ينساق وراء عقلية الخرافة التي تقوم على الأوهام والظنون، ولا تستند إلى أدلة وبراهين، وقد كثر في زماننا هذا بين المسلمين شيوع عقلية الخرافة، وانتشر إرجاع أسباب تأخر الرزق وغير ذلك من ابتلاءات إلى السحر والحسد ونحو ذلك، والصواب هو البحث في الأسباب المنطقية والحقيقية وراء هذه الظواهر، ومحاولة التغلب عليها بقانون الأسباب الذي أقام الله عليه مصالح العباد، وعلى المسلم أن يستعين بالله في ذلك.
كما ينبغي عليه كلما شعر الإنسان بالحيرة والضياع، أجمع هموم قلبه ورحل بها إلى الله تعالى، ففي سجدة عندها النجاة، فيجب على الإنسان اللجوء إلى الله وحده في كل أوقات عمره، فالله مرجعه، وملجأ كل مخلوق، وما يمكن لأحد من البشر أن يستغني عنه ولو برهة من الوقت، والله تعالى الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، ومن عرف الله حقاً ناجى ربه إذا أمسى وإذا أصبح، ويسأله أن يتولاه.
فالنلجأ إلى الله الواحد الذي لا مثيل له، بدلا من اللجوء إلى الدجالين الكذابين الذي اذا اراد شيئا يقول له كن فيكون، فكل شيء بأمر الله، مثلا فالزواج من الرزق، وسيأتي المرأة ما كتب لها منه، وهو لا ينال بمعصية الله -عز وجل-، بل يستجلب بالأسباب المشروعة من الدعاء والاستعانة بالثقات من الأقارب والصديقات في البحث عن الأزواج، فهذا مما يجوز شرعا.
والتسليم لله وحده واللجوء إليه، منزلة عظيمة من منازل الإيمان، والتوجه والاعتماد عليه سبحانه، قال تعالى: “وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”، سورة يونس : 107.
ولا يعني هذا الكلام إنكار السحر والحسد، فإنه لا يسع مسلمًا أن ينكرهما فقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم بوجودهما، فقال سبحانه: “وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ”، سورة البقرة : 102، وقال عز وجل: “وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ”، سورة الفلق : 5، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سنته الشريفة بوجودهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ” رواه النسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ”، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ…” متفق عليه.
ولكن المنكر هو الإسراف في ذلك حتى غدا أغلب من يزعمون أنهم يعالجون من السحر من المدعين المشعوذين المرتزقة، وأغلب من يظنون أنهم من المسحورين هم من الموهومين.
وعلى كل حال، فمن لم يجد مبررًا منطقيًّا لما يحدث له، وغلب على ظنه أنه مسحور أو نحوه، فليتعامل مع ذلك بالرقى المباحة والتعوذ المشروع، كالفاتحة، والمعوذتين، والأذكار المأثورة عن النبي صلى الله
“