نفسك اهم
كتب محمود عبد الصمد
كثيراً ما نهمل أنفسنا ولا نهتم بها، وكثيراً ما نُقلل من قيمة أنفسنا ولا نعطيها حقها الكافي من التقدير الذاتي والمتعة التي تستحق وكثيراً ما نكتفي بالقليل.
ونحن في حاجة للكثير وكثيراً ما نلوذ بالصمت ونحن في حاجة ماسة للكلام، بل كثيراً ما نلتفت لأنفسنا بعد فوات الأوان.
بعد فترة طويلة حينما نكتشف ان عقارب الزمن قد جاوزتنا كثيراً، تتجلى لنا حقائق كثيرة غائبة عنا أو اننا لا نريدها.
نعم تتجلى لنا حقائق غير متوقعة وغير مرغوبة اكتشفنا حدوثها بالصدفة مع الغير وحين تحدث تجلياتها معنا بكل دقائقها وتفاصيلها فتصيبنا بردود فعل محبطة مخيبة للآمال.
بل حينما تداهمنا الأمراض الجسمية والنفسية فتتسبب ليس في تعاسة أنفسنا وحسب بل في تعاسه الآخرين المقربين من حولنا.
ولم كل هذا؟ وهل نحن نستحقه؟ إن بداخل كل منا طاقات كامنة وأشياء جمالية تكفي لأن يكون سعيداً وان يكون شمعة تضيء طريق الآخرين.
فقط كل ما يحتاجه هو من يدله عليها ويرشده إليها ويؤكد له عمليا انه ليس أقل من غيره في شيء، وان ما لديه من نواحي قصور على ما يعتقد إنما هي اختلافات تميز كل إنسان عن الآخر هو في حاجة للافتخار بها وليس للتغاضي عنها كونها عيباً.
وأنت حينما تحب انسانا من كل قلبك وترتاح إليه وتسعد به ومعه حينما لا تستطيع ان تراه سوى سعيد حينئذ فإن كل ما تريد ان تقول له هو كلمة واحدة لا أكثر تود ان تقول له انتبه لنفسك.
فهذه العبارة البسيطة تعني فيما تعنيه أشياء كثيرة جدا تكشفنا أمامه وتفضحنا لدرجة لا نستطيع ان نداري احراجنا أحياناً.
فحينما أقول له انتبه لنفسك فإنها تعني ان سعادتي مرهونة بإذن الله بكونك سعيداً وبكون الابتسامة لا تفارق شفتيك, تعني بحق أنني أخاف عليك ممن لا يخاف الله فيك، وممن يحقد عليك وممن لا يذكر الله حينما يعجب بك او يشيد بصفة حلوة فيك، بل أخاف عليك من نسمات الهواء الطائرة إلا ان تكون نسمات عليلة آتية من البحر لتبلل وجنتيك في الصباح الباكر حيث بزوغ نور الشمس او في نهاية النهار حيث الغروب ومنظر الشفق, وربما يكون مصدر الخوف هنا هو الغيرة حتى لو كان من مجرد نسمات عابرة ولكن منذ متى كان للغيرة مبرر؟ منذ متى؟
اننا حينما نقول لفلان انتبه لنفسك فلأنه يعني شيئا كثيراً بالنسبة لنا وليس شيئا عاديا وخاصة حينما تكرره له بل خاصة حينما نطالبه بأن يعدنا بأنه سوف يعتني بنفسه فعلا ويعرف من هو بالنسبة لنا.
نقول له ذلك وكانه طفل صغير قد ذهب لتوه للمدرسة وامه واقفه امامه ترتب ملابسه وتعدل من هندامه وتطمئن إلى ان كل شيء على ما يرام ولزيادة في التأكيد والحرص توصية بأن ينتبه لنفسه وان يبتعد عن اشعة الشمس الحارقة وعن الشوارع المليئة بالسيارات وعن الاحتكاك بالاطفال سيئي السمعة وبدلا من ذلك تؤكد عليه بأن يسمع كلام اساتذته ويصغي للدرس وإلى,, إلى أليس هذا هو قمة الحب وذروة الحنان.
نقول هذه العبارة له لاننا نريده ان يكون افضل الناس وان يُشار إليه بالبنان حتى لو كان على حسابنا نحن، تماما كالأب الذي لا يريد ان يكون احد افضل منه سوى ابنه لانه يرى فيه الحياة.
اننا نقول له انتبه لنفسك خوفا عليه من مكروه ينعكس علينا سلبا ويحيل حياتنا آلاما ومعاناة لسنا نقول عليها آلاما ربما تمنيناها لانفسنا نحن بدلا عنه.
وهذه المشاعر الجميلة والاحاسيس العذبة لا يمكن ان يشعر بها سوى من يحب بصدق ايا كان وضعه الاجتماعي ولكننا يمكن ان نراها في حنان الأم وتضحيات الاب ومن كل قلب مازالت دقاته تنبض بالحب لدرجة يصعب التحكم فيها.
وحتى حينما تكون ابا ويقول لك اهل بيتك انتبه لنفسك، فانهم يريدونك ان تعود إليهم سالما بإذن الله.
يا سبحان الله ان هذه الكلمة تشعرني بقيمة التضحية، فأنت حينما تطلب مني شيئا أو توصي على شيء ما، فإنني لا أريد من هذه الدنيا سوى ان اوصيك بنفسك، أنسى كل رغباتي الاخرى ولا أهتم بها سوى من شعوري انك بخير وانك بأيد أمينة وفي مكان آمن.
يا سبحان الله! أليس هذا هو معنى الحب الذي يتحدثون عنه؟ بل أليس هو مؤشر من مؤشراته؟ انك أحيانا لا تستطيع ان تقول لفلان بأنني أحبك صراحة ودفعة واحدة ولكنك تقسطها له وتوحي له بها من خلال عبارات حلوة جميلة توحي بالحب كقولك له مثلا انتبه لنفسك أو تراك غال أو آمر أو تدلل وهكذا انها بسيطة جداً ولكنها خطيرة جداً!.
أعرفت الآن لماذا أريدك ان تنتبه لنفسك؟ لماذا يريدها منك اقرب الناس إليك ويكررها عليك من حين لآخر؟
بل هل عرفت ماذا يمكن ان يحدثه انتباهك لنفسك من معنى في نظر وحياة من يحبونك؟
انه مطلب بسيط جداً ولكنه غال جدا وله آثار ايجابية رائعة في حياة اقرب الناس اليك، فبقدر اهتمامك بنفسك بقدر ما تكون سعادتهم بإذن الله.