رحلتي إلى بلاد الفن والجمال والجنون.. هولندا
تقرير: أسامة حراكي
غادرنا لوكسمبورغ مروراً ببلجيكا ثم هولندا، بمدة أربع ساعات قطعناها بحافلة شركة فلكس باص.
ثم التقينا في طريقنا بالسهول الخضراء التي لا حدود لها مروراً بطواحين الهواء، والمواشي التي تُرعى في الحقول تماماً كما يصورونها في الإعلانات، إلى الأحصنة التي جردت من قيودها وتُركت على هواها تركض بحرية، وصولاً إلى الزنابق الملونة.
كأننا نسير في لوحة أكثر من رائعة، لوحة ربما تستعصي على ريشة رامبرانت وفان جوخ، أشهر رساميها، وتحت سماء مبللة بالمطر.
وصلنا مدينة الفن والجمال والجنون والقنوات المائية الوادعة، مدينة القنوات الحالمة والدرجات الهوائية الأكثر عدداً من السكان، مدينة الفطور الغني المنوع كأهم وجبة في النهار، والغداء الخفيف، والعشاء الأخف، الذي يؤخذ مبكرا في السادسة مساءاً، مدينة الألف وجه كما يسمونها، امستردام عاصمة مملكة هولندا.
وهولندا هي إحدى دول البنلوكس “اتحاد اقتصادي تأسس عام 1944 بين ثلاث ممالك في أوروبا الغربية، وهم بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، وتم توقيع الاتفاق بين الممالك الثلاث في المنفى في لندن عام 1944”.
أمستردام:
في اواخر القرن الثاني عشر، كانت امستردام قرية صغيرة لصيد الأسماك.
تقع أمستردام على ضفاف نهر الأمستل، لكنها أصبحت فيما بعد أحد أهم الموانىء على مستوى العالم، خلال عصر هولندا الذهبي في القرن السابع عشر نتيجة تطور التجارة فيها وبصفتها العاصمة التجارية للبلاد، وأحد أهم المراكز المالية في أوروبا، وتعتبر حالياً مدينة عالمية بإمتياز.
كما أنها العاصمة الثقافية للبلاد، ومقراً للعديد من المؤسسات الهولندية الكبيرة، وتحتضن في قلبها أقدم بورصة في العالم، والعديد من الأماكن الجاذبة للسياحة، مثل قنواتها التاريخية ومتحف ريكز ومتحف فان جوخ، والكثير من المعالم الأخرى.
امستردام واحدة من أجمل المدن الأوروبية وأكثرها رومانسية، مدينة مليئة بالحياة وشوارعها تنبض بالجمال، بين الناس سرنا في شوارعها المزدحمة بالفرح، وقمنا بعدة زيارات منها:
قنوات امستردام:
مجموعة قنوات مائية تخترق شوارع المدينة، ومن الممتع القيام بجولة بالقارب في قنوات امستردام، فالقوارب صديقة للبيئة تعمل بالطاقة الكهربائية، وهذه من الرحلات المهمة سعر الساعة ب 12 يورو، و أنصحكم بالرحلات المسائية عند وقت الغروب بالتحديد فهي أجمل، قد يكون سعرها أغلى قليلاً ولكنها تستحق الفرق، ويمكن حجز الرحلة من أي مكان في امستردام.
سوق الزهور:
هو سوق عائم في قناة سينجل Singel في وسط المدينة، مخصص لبيع الزهور والنباتات والبذور التي يمكن زراعتها بكل سهولة في البيوت، وهو من الأماكن الأكثر متعة وجمالاً في امستردام، وجدنا أنواع كثيرة من بذور الزهور التي يمكننا شراؤها وزراعتها في منزلنا، وعلب جاهزة فقط نقوم باضافة الماء لتنبت لنا شتلات فراولة، أو لافيندر أو دوار الشمس، أو برتقال، أوالليمون، والورد، وزهور التوليب، والعديد من أنواع الزهور الأخرى من فئة الأبصال، وهي حبات تشبه نبات البصل من حيث الشكل، ويمكن إعتبارها بمثابة البذور، ومن الجدير بالذكر بأن هولندا تنتج وحدها ثلثي الزهور في العالم.
ساحة الدام:
أهم ساحة في امستردام ويومياً يكون بها عروض لفناني الشارع وبعض الأحيان يكون بها ألعاب.
مجموعة “مكارثر غلن”:
تأسست مجموعة مكارثر غلن وهي الرائد الأوروبي المالك والمطور والمدير لمراكز “الأوتليت” في عام 1993 من قبل شركة “كامبفير بارتنرز” وقامت هذه الشركة الرائدة في تجارة التجزئة المتخصصة بمراكز الأوتليت في المنطقة الأوربية، بتطوير مساحة لمنافذ البيع تبلغ 600 ألف متر مربع، تدير الشركة حالياً أكثر من 24 مركز أوتليت عبر 10 دول، وتمثل المراكز موطناً لأكثر العلامات التجارية الفاخرة رواجاً وتميزاً، وتوفر للعملاء المتابعين للموضة تخفيضات على مدار العام في بيئات تسوق حيوية وعالية الجودة، وكجزء من التوسع المتواصل الذي تشهده “مكارثر غلن” لديها خطط لإنشاء مراكز أوتليت جديدة.
عالم الجسد:
هو متحف من 6 طوابق في كل طابق جزء مهم من جسم الإنسان يتم شرحة بطريقة جميلة وعبارات وأمثلة محفزة للرياضة والصحة، ويحتوى المتحف على أجزاء حقيقية من جسم الانسان.
متحف صدق أو لا تصدق:
من المتاحف الجميلة والمسلية، فيه أشياء غريبة وعجيبة ويوجد به خدع مسلية.
متحف الشمع مدام تيسو:
متحف الشمع الشهير، عبارة عن شخصيات مشهورة مصنوعة من الشمع.
شارع التسوق وشارع المطاعم ومتحف صدق أو لا تصدق ومتحف الشمع والمتاجر جميعها قريبة جداً من ساحة الدام ويمكن زيارتها كلها في نفس اليوم، لكن احذروا من أي شي يحتوي على شعار نبتة القنب، فهناك كثير من المنتجات تحتوي على الحشيش مثل الحلويات والكوكيز والايس كريم.. الخ.
ورغم أن المخدرات والدعارة مسموح بهما في امستردام إلا أنها مدينة مسالمة وأمنة لدرجة كبيرة.
فندق وبرج سير آدم:
يقع فندق سير آدم في برج آدم في أمستردام ويطل على نهر “آي” وسط المدينة، على بعد دقيقتين بالعبارة من المحطة المركزية، وهو فندق وبرج ممكن الصعود للأعلى حيث يمكن شراء تذاكر الدخول إلى البرج من الفندق، ويمكن للضيوف الاستمتاع بتناول المأكولات والمشروبات في المطعم بالأعلى، وعلى التراس يوجد “المرجيحة” التي يمكن التأرجح فيها بالهواء الطلق وهي تجربة جريئة وممتعة وتستحق التجربة، قمنا بها واستمتعنا جداً.
المواصلات في امستردام:
أفضل وسيلة للمواصلات داخل امستردام هي الدراجة الهوائية، وهي تجربة رائعة في أكثر مدن العالم، ومن الممكن استئجارها من أي مكان تقريباً، كما أنه يوجد في امستردام شبكة مواصلات عامة قطارات وترام، ولكن لا أنصح بها لأنها ستأخذنا بعيداً عن رؤية معالم المدينة الجميلة، استخدموا السيارة فقط لزيارة الأرياف خارج امستردام، فالطرق الخارجية تعد من أفضل الطرق في أوروبا والقيادة بها سهلة جداً عكس باقي الدول التي تكون طرقها ضيقة ومزدحمة.
مدينة روتردام:
وصلنها بعد أن قطع القطار بنا نصف ساعة من الزمن قادمين من أمستردام، وتقع روتردام في غرب هولندا، وثاني أكبر مدنها وبها أحد أكبر الموانئ البحرية في العالم، لم تكن المدينة سوى سد أنشئ سنة 1270 على نهر “روته” وسميت لهذا السد، وقد نمت المدينة لتصبح أحد أبرز التجمعات التجارية في العالم، وبسبب موقعها الإستراتيجي في دلتا الراين، شيدت على البحر الشمالي وفي قلب مركز مواصلات كبير من سكك حديد وطرقات ومواصلات بحرية، تمتد كلها إلى العمق الأوروبي مما جعل لقبها “بوابة أوروبا”.
مدينة ساحرة أذهلتنا بمدى الفوارق بينها، فأحدها عصري وخلاب يتضمن الشوارع والأحياء الحديثة مثل حي كوب فان زويد، ومجمع دي روتردام الشاهق، وناطحة السحاب السكنية مونتيفيديو، وبرج ماستورين أعلى مبنى في هولندا، إلى جانب متحف نيديرلاندس فوتومسيوم، المتحف الوطني في هولندا للتصوير الفوتوغرافي.
تشتهر روتردام بهندستها المعمارية الفريدة وبتراثها البحري المميز، حيث يشكل مرفأ المدينة قلبها النابض وشريانها الإقتصادي الأساسي، حيث كان يعد بين عامي 1962 و2004 أكثر المرافئ إزدحاماً في العالم قبل أن يتخطاه مرفأ شنغهاي.
جامعة إيراسموس الموجودة بها تركز على الأبحاث والتعليم في علم الإدارة وعلم الاقتصاد، بسبب تمركزها بين عديد من المؤسسات التجارية العالمية، وبحكم نشاطها التجاري الكبير تجتذب روتردام الكثير من طالبي الوظائف.
برج يوروماست روتردام:
هو برج مراقبة في مدينة روتردام، تم تشييده بين عامي 1958 و1960م وبني خصيصاً لإطلاق مشروع المعرض الدولي ومهرجان الحدائق الأول، وهو مُدرج كنصب تذكاري للمدينة منذ عام 2010 وأحد معالم السياحة في هولندا، وهو عبارة عن هيكل خرساني يبلغ قطره الداخلي 9 أمتار وسمك الجدران 30 سم، ومن أجل استقرار المبني تم بناؤه على قطعة من الخرسانة تزن 1,9 مليون كغم، بحيث يصبح مركز الثقل تحت الأرض، وهو أطول مبنى في المدينة بعد إضافة برج الفضاء للجزء العلوي منه في عام 1970 بعلو 85 متر، صعدنا إلى منصة البرج التي ترتفع 112 متر عن سطح الأرض واستمتاعنا بأجمل المشاهد البانورامية للمدينة والتقطنا الصور التذكارية، وهي منصة مفتوحة تتضمن مناظير وحواجز حماية، كما يوجد منصة زجاجية تسمى باليوروسكوب على ارتفاع 185 متر، كما ينظم نادي يوروماست للأطفال العديد من الأنشطة المجانية للأطفال في مطعم ديلي في الطابق الأرضي، من صنع القبعات التي تشبه البرج، ولعب المباريات الهولندية وبناء برج يوروماست خاص بهم، إلى جانب الحفلات الشهرية والرسم.
من الممكن حجز أحد الأجنحة لقضاء ليلة جميلة فوق السحاب، والاستمتاع بوجبة إفطار رائعة مع إطلالة جميلة على المدينة وأكبر ميناء في أوروبا من ارتفاع 100 متر، ولا بد أن تستمتع بوجبة عشاء لذيذة في مطعم البرج براسري، مع إطلالة على الآلاف من أضواء مدينة روتردام، بما فيها برج إيراسموس، ومشاهدة السماء أثناء غروب الشمس من ارتفاع 96 متر.
ميناء روتردام:
أحد أكبر موانئ العالم، يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر ميلادي ويحتل مساحة كبيرة جداً، كما أنه يعتبر من أشهر الأماكن السياحية في روتردام، تستغرق الجولة في الميناء حوالي الساعة أو اكثر حيث يتوفر لكم رؤية افق روتردام الرائع من خلاله بالاضافة الى أحواض بناء السفن العملاقة والحاويات.
سوق روتردام:
سوق روتردام أو ماركت هول هو عبارة عن مبنى ضخم على شكل قنطرة، يضم المبنى شقق سكنية ومكاتب بالاضافة الى سوق كبير والعديد من المتاجر والمقاهي والتي يصل عددها الى المئة.
يتوضع السوق داخل المبنى المقوّس في الداخل ويوجد تحته مواقف للسيارات، يعتبر هذا المبنى من اهم معالم السياحة في روتردام وقد اكتسب شهرته بسبب تصميمه المثير للاعجاب.
المنازل المكعبة في روتردام:
منازل ذات تصميم غريب يأخذ شكل المكعبات، أنشأت كمشروع للاسكان المبتكر بهدف حل مشكلة الازدحام السكاني، امتازت هذه المنطقة بكثافتها السكانية العالية غير أنها اشتهرت عالمياً بفضل تصميمها الفريد من نوعه، تم تصميم هذه المنازل من قبل المصمم بيت بلوم، وقد تم بناء هذه البيوت على شكل مكعبات ذات ست وجوه على زاوية 45 درجة مما جعلها آية في الفن المعماري، وتم انشاء هذه المنازل في عام 1984.
جسر إيراسموس:
يعتبر من الجسور الأكثر شهرة في هولندا، ويمتد الجسر عبر نهر الراين في نقطة الدلتا نييو ماس ليشكل حلقة وصل هامة بين شمال وجنوب مدينة روتردام ، وهو إنجاز هندسي رائع ومن أهم الاماكن السياحية في هولندا، ويحمل الكثير لزوار البلاد مع المناطق المحيطة به، والجسر لقب بالبجعة بسبب شكل تصميمه، صممه “بن فان بركل” حيث تم الانتهاء من بنائه عام 1996وقد تم بناؤه من الصلب الأزرق الفاتح ويبلغ طوله 800 متر، ودعامته التي يصل ارتفاعها إلى 139 متراً والمثبتة بالكوابل الفولاذية، ويتضمن بوابة لمرور السفن، يعد الجسر المكان الأمثل للعديد من المناسبات والأحداث المذهلة، ويعتبر كل من اليوم العالمي للموانئ وماراثون روتردام من أهم تلك المناسبات، وقد يحالف البعض الحظ لمشاهدة الجسر أثناء تصوير مشاهد لأفلام هوليوود، وسباقات ريد بول الجوية، والعديد من مناسبات الرقص، وسباق الدراجات الفرنسي تور دو فرانس، والألعاب النارية.
بعد عبورنا الجسر انتهى بنا المطاف في عالم مختلف تماماً، حيث بلدة فيرهافن التاريخية بمبانيها الأنيقة وسفنها القديمة، وبلدة ديلفشافن القديمة، بأحيائها التاريخية اللطيفة التي تأخذ زوارها برحلة يفوح منها عبق الماضي.
طواحين كنديرديك:
اعتبرتها منظمة اليونيسكو واحدة من مواقع التراث العالمي منذ عام 1997، والتي ليس لها مثيل في كل أرجاء العالم، تعتبر من أهم معالم السياحة في هولندا في مدينة روتردام، وتعمل هذه الطواحين ومحطات الضخ ضمن نظام مثالي للحفاظ على التربة جافة منذ ما يقرب من ألف سنة حتى الآن، في صراع مستمر بين العقول البشرية وقوة المياه المحيطة بهم، وقد عانت تلك المناطق التي تقع تحت مستوى سطح البحر، وتمثل 40% من الأراضي الهولندية من ارتفاع مستوى المياه، وعلى مر العصور، كان على الناس الذين يعيشون فيها التوصل إلى حلول ذكية لتفادي الكوارث الطبيعية، إلى أن تقرر بناء سلسلة من طواحين الهواء عام 1740.
“زانس شانس” قرية الطواحين الهولندية الساحرة:
أو شانس زانسي كما ينطقها البعض هي مجرد رحلة قصيرة من أمستردام 15 دقيقة بالقطار، حين وصلناها شعرنا كأننا وسط متحف في الهواء الطلق، متحف كامل من الحرف اليدوية التقليدية والثقافة الهولندية، شعرنا وكأننا نتجاوز الزمن ونبحر فيه لنصل إلى العصور الوسطى، ورأينا الجمال الخيالي الموجود على أرض هذه القرية الفريدة.
وهناك أشياء لا يجب تفويتها عند زيارتها، فمن بين أكثر من مئات من طواحين الهواء التي كانت تنتشر في الماضي على ضفاف النهر، بقيت هناك ستة طواحين تعمل فيها: مطحنة الخردل، واثنين من طواحين المناشير، واثنين من طواحين الزيت، وطاحونة المصبغ اليدوي الأخير في العالم، لا ينبغي تفويت زيارة واحدة على الأقل من طواحين الهواء، شاركنا العاملين في تشغيل إحدى طواحين الهواء، واستمتعنا بيوم مثير ومُلهم لمغامرة فريدة من نوعها، مليئة بالنشاط والحيوية، واستطعنا رؤية طاحونة الهواء من الداخل، رأينا وسمعنا وشعرنا، بحركة الأشرعة وصرير الآلات الخشبية والدعامات مع الرياح، ورؤية التروس العملاقة التي تحول طاقة الرياح إلى حركة تشغل الآلات وتهز الطاحونة بأكملها تحت أقدامنا، كما استمتعنا بزيارة ورشة عمل الطواحين التي تهتم بصيانة وتجديد الطواحين، والجهد المبذول للحفاظ على هذه الصروح العملاقة بأفضل صورة.
ثم شاهدنا ورشة عمل تحولت إلى متحف مثير للاهتمام للأحذية الخشبية والقباقيب، أعمال الصناعة تجري بانتظام على مدار اليوم، وهناك متجر يضم أكبر تشكيلة من الأحذية والقباقيب من جميع الألوان والأحجام، ولطيف جداً الحصول على زوج من هذه المنتجات كتذكار جميل من قرية الطواحين، كما لم تكون زيارة ورشة الأحذية الخشبية كاملة دون ارتداء القباقيب العملاقة.
ثم قمنا بزيارة مصنع ومتجر الأجبان ذات الطعم الاستثنائي، لا أحد لن يحب هذا الجبن اللذيذ متعدد النكهات، لم نرى الكثير من أنواع هذا الجبن المختلفة كما رأيناها، هناك الجبن العادي، والجبن المدخن مع الأعشاب، ومع الفلفل الحار، والزيتون الأخضر، كما أن هناك العديد من أنواع الجبن الأخرى، ولكن من لم يتذوق هذا الجبن فسيفوته الكثير.
ثم قمنا بتناول الفطيرة الهولندية التقليدية، والبسكويت الهولندي الشهير، الذي بقي طعمهم اللذيذ في الذاكرة حتى بعد مغادرة القرية.
وقمنا بالتسوق من بقالة ألبرت هيجن التاريخية، الجد ومؤسس المجمع الكبير للتسوق هو ألبرت هيجن، عندما تولى محل البقالة من والديه في عام 1887 كان محلاً عاديا صغيراً، ثم صار بمرور الوقت واحداً من أكبر مجمعات البقالة في هولندا، إن مخزون القهوة والبهارات الموجود يكفي لعمل متحف صغير لأصل البقالة، وفي غرفة خلفية يوجد بالفعل متحف صغير مخصص لتاريخ القهوة الهولندية “القهوة الحقيقية بلا أي إضافات” والتي كانت تنتج من خلال طاحونة القهوة.
ثم كان لنا جولة بالقارب جعلت من زيارتنا رحلة لا تُنسى، وهي مغامرة مثيرة من الطراز الكلاسيكي منحتنا رؤية أفضل لأرجاء القرية بوتيرة القرون الماضية الهادئة، حيث أخذنا على المركب استراحة وتناولنا بعض القهوة والشاي.
أثناء زيارتي لهولندا تذكرت ما قاله الأديب الطبيب والصديق الدكتور محمود الشنواني عن زيارته لهولندا:
“رامبرانت: الفنان البارع المتمكن الذي يعي ظروف عصره، فيستخدم فنه لاكتساب المكانة الاجتماعية والثراء، ويصبح بفنه نجماّ مرموقاّ في نخبة مجتمعه، انه هذا الهولندي التاجر الذي استطاع أن يجعل أمستردام مركزاّ للتجارة العالمية والذي يمد احتكاراته ونفوذه المالي والتجاري الى أطراف الأرض.
وفان جوخ: الفنان المتفجر بالأفكار والأساليب الغريبة الصادمة الذي يشطح بعيداّ، فلا يستوعبه عصره ولا مجتمعه، لكنه يلقي بأحجار ثقيلة ويخلق موجات عارمة تحرك ما حوله، وهكذا هو الهولندي المتمرد، ابن البلد الصغير القادر على تحدى الواقع ورؤية وخلق المستقبل، بالتمرد على الكاثوليكية والهجرة الى الأراضي الأمريكية الجديدة والتصادم مع القيم المتوارثة في العصر الحديث، وصولاً إلى الاباحة الشخصية للمخدرات والاعتراف بالزواج المثلي وتقنين الموت الرحيم.
وفيرمير: هذا الفنان الهادىء الذي عاش في بلدته الصغيرة الجميلة، يرسم بنعومة ومحبة ولا يطلب من الحياة الا الجمال والتسامح والبساطة، هو هذا الهولندي الوديع الذي يزرع أرضه بالورود ويرعى ماشيته ويتنقل بدراجته في أرض بلاده المنبسطة كسجادة خضراء، يعمّر الأرض في هدوء و محبة.
كأن الثلاثة الكبار في الفن التشكيلي الهولندي، يمثلون بطبيعتهم وتجربتهم ودورهم وتأثيرهم تلك العناصر الثلاثة التي تتكامل في التجربة الهولندية، هولندا هى هؤلاء معاّ، لم يكن لأحدهم دون الآخرين أن يصنع هولندا التي نعرفها الآن، تلك هي المجتمعات التي تستطيع أن تستجمع عناصر قوتها و تميزها، حتى لو بدت تلك العناصر متنافرة، وهذا هو درسها لنا اذا أردنا أن نستوعب دروس تجارب الناجحين.”