كاليجولا في بورسعيد
كتب عادل الطيب
اختتمت فرقة بيت النصر المسرحية ببورسعيد اخر أيام عرضها المسرحي كاليجولا.. من تأليف الفرنسي ألبير كامي ومن إعداد محمد عبد الهادي، وإخراج أحمد عجيبة.
بلا شك أنها جرأة كبيرة ومغامرة فنية ان يختار احمد عجيبه هذا النص الشائك فلسفيا وانسانيا.
كتب كامي مسرحية “كاليجولا” عام 1938 وهو في سن ٢٥ وإلى يومنا هذا هي أفضل مسرحياته.
وبالإضافة إلى كونها أكثر إثارة للجدل نجد فيها عصياناً شيطانياً ضد القدر، قدمه لنا مؤلفها وهو في الطريق للبحث عن معالجة لمشكلة الظلم والفساد والنفاق والقتل والحرية.
لذا أقدم كامي على اختيار حاكم مطلق كبطل مسرحيته هذه…هو الإمبراطور الروماني كاليجولا أسوأ من حكم بالتاريخ…. الذي يشرع القوانين، وهو الذي يخرقها ويبدل فيها كما تهوى نفسه، وغالباً ما يزدريها، متباهياً بأنه لم يتوقف قط عن تعليم قومه دروساً في الحرية وهو اصلا قامع للحريات.
كاليجولا شخصية سيكوباتية ومتناقضة فهي شخصية دراماتيكية تستهوي الأدباء كألبير كامي وايضا تستهوي المخرجين محبي الابداع.
كاليجولا كان إمبراطورا بيده السلطة المطلقة، لا شئ يقف أمامه إذا أراد، فبكلمة منه يقتل ويدمِّر ويجوِّع ويسجن وينفي.
هو مثال للحاكم الديكتاتور ورغم تلك السلطة المطلقة التي لا يقيدها قيد سياسي أو أخلاقي فإنه لم يشبع، لقد ظلت روحه تبحث عن الاطمئنان ونفسه تهفوا للسعادة وعقله يفتش عن اليقين فلا يجد إلى ذلك كله سبيلا إلى أن نبلائها يغتالوه بالنهاية وهذه نهاية كل حاكم ظالم…
فيجعلك تتأرجح بحيرة
هل تدينه كحاكم مستبد أم تتعاطف معه كمريض وكمغدور به.
هذا هو كاليجولا الذي اتخذ منه ألبير كامي بطلا لمسرحيته ومن خلاله وعلى لسانه وضع تساؤلات الفلسفة الوجودية: من أنا؟ ولماذا أنا هنا؟ وأين المعنى وراء كل هذا الذي نرى؟
شخصيات المسرحية شخصيات تشبهنا كثيرا في الحياه فيها الصديق والعدو، الحبيبة والعشيقة، والمنافق والمتأمر، وهي خليط من الصفات التي فينا: الحب والكره، الصدق والكذب، الشجاعة والجبن.
ترجم كل هذه التساؤلات المخرج إلى رؤيا مسرحية واستعان بمعد اعتقد انه متمرس لانه اضاف شخصيات ليست بالنص المسرحي الأصلي بإعداد مغاير تماما للنص الأصلي
واختار عناصر تمثيلية قوية تصل هذه الرؤية لنا كم شاهدين …ونجحوا فعلا.
والمخرج حالفه التوفيق أيضا بتوظيف عناصر الإضاءة والديكور السينوغرافي كالعنكبوت الذي يحاكي المؤامرة والقمر الذي يرمز للمستحيل بلوغه مع الموسيقي والاستعراضات الحركية.
الا انني اري انه لم يوفق في اختيار الوان الملابس خاصة قائد الجند الذي ألبسه لباس الحرب بلون أخضر وهو لا يرمز للحرب بل للنماء والخصوبه وباقي النبلاء اي نعم تختلف ألوان ملابسهم لكن لابد ان يكونوا بزي موحد التفاصيل وكان لابد لأعضاء الاداء الحركي ان يرتدوا نفس الالوان لانهم المعادل الموازي للشخصيات.
عموما قدم المخرج لنا عرضا جرئ متوازن العناصر واجتهد فريقه بالكامل ممثليين ومعاونيين وفنيين ونجحوا بأمتاعنا بعرض ثري فكريا وفلسفيا.
شكرا احمد عجيبة.. شكرا مجموعة العمل.