رحلتي إلى بلاد شنقيط
أرض البيضان والنساء السمينات المتغزلات بالرجال.. “موريتانيا”
تقرير: أسامة حراكي
وصلت ليلاً لمطار أم التونسي “مطار نواكشوط الدولي” وجاءت هذه التسمية بحكم تموقع المطار في منطقة أم التونسي، التي شهدت آخر المعارك بين الاحتلال الفرنسي والمقاومة الموريتانية في منتصف القرن الماضي وانتهت بانتصار المقاومة الموريتانية، وكانت بداية الانسحاب الفرنسي من الأراضي الموريتانية.
كنت على موعد لزيارة سريعة لموريتانيا لمدة يومين فقط، وقررت فيها أن أحاول التعرف على هذا البلد قدر المستطاع، فبمجرد الإقتراح أن تكون الوجهة القادمة هي موريتانيا كانت موافقتي حاضرة، مصحوبة بالتطلع بشغف لسحر الغامض الذي مازال مجهولاً.
كلمة موريتانيا لم تكن تطلق على المجال الجغرافي المعروف حاليا بـ”موريتانيا” أما الاسم الأصلي فهو “بلاد شنقيط” والسكان كانوا يُسمون “الشناقطة” وقد أطلق الفينيقيين اسم “مورو” على قبائل بدوية أمازيغية تقطن في الصحراء.
واسم موريتانيا يرجع إلى العصر القرطاجي والروماني وأطلق هذا الاسم على منطقة شمال إفريقيا كلها، وكانت هنالك دولتان قديمتان في شمال إفريقيا تحملان هذا الاسم هما موريتانيا القيصرية وموريتانيا الطنجية.
عندما برز المشروع الاستعماري الفرنسي في نهاية القرن التاسع عشر بعث هذا الاسم من جديد، حيث اختار قائد الحملة الفرنسية على البلاد “كزافييه كابولاني” إعادة إحياء اسم موريتانيا وأطلقه على هذه البلاد الواقعة بين المغرب والسنغال، وكلمة موريتانيا تعني أرض الرجال السمر، وقد كانت موريتانيا من قبل معروفة عند الرحالة العرب أهل المشرق بأسماء منها بلاد شنقيط، صحراء الملثمين، بلاد لمتونة، ومن أقدم التسميات التي وردت لدى الجغرافيين العرب “بلاد أنبية” أما عامة سكان البلاد فكانوا يسمونها “أرض البيضان” كما أرض السودان.
كانت موريتانيا جزء من مستعمرة غرب أفريقيا الفرنسية، ولذا لم يكن لها عاصمة أثناء فترة الاستعمار، حيث كانت سانت لويس هي عاصمة المستعمرة.
في عام 1957 اختيرت منطقة نواكشوط الساحلية لتصبح العاصمة للدولة الجديدة، وذلك بعد أن سمح السكان الاصليون لتلك المنطقة للرئيس “المختار ولد داداه” بعد طلبه رسمياً لهم، واختيار موقعها ليتوسط موريتانيا بين الشمال والجنوب، وتم البدء بمشروع إعمار طموح لزيادة عدد سكانها ليصل إلى 15 ألف نسمة، وفي عام 1958 أصبحت موريتانيا منطقة حكم ذاتي ضمن السيطرة الفرنسية، وفي عام 1960 تم حل هذه المشكلة من السيطرة الفرنسية وأصبحت نواكشوط عاصمة لدولة مستقلة، وقد تم اختيار المدينة لتكون عاصمة وذلك لمناخها المعتدل وموقعها المركزي في البلاد، وانتقلت إليها الحكومة الموريتانية بعد أن كان مقرها سان لويس على نهر السنغال في جنوب موريتانيا.
لم تكن نواكشوط ترتبط في السابق بأي قيمة حضارية أو ثقافية في الوجدان الشعبي الموريتاني على خلاف العديد من المدن التاريخية الأخرى مثل شنقيط في الشمال، وولاتة في الشرق، وهو ما جعل الجدل بشأن اختيارها عاصمة للجمهورية الوليدة لا يتوقف، إذ يعتبره كثيرون مؤامرة فرنسية لمنع ارتباط الدولة الحديثة بأي قيمة تاريخية للمجتمع الموريتاني.
وتعتبر نواكشوط الموقع الرئيسي الذي تنطلق منه رحلات الخبراء والسياح والمستكشفين المهتمين بعلم الفلك في أفريقيا، إذ أن موريتانيا هي المكان الرئيسي لتوزيع العالم من النيازك في أفريقيا وفي الصحراء القريبة منها.
نواكشوط فيها مساجد من أضخمها مسجد تبرعت بتكاليف بنائه المملكة العربية السعودية في وسط المدينة، هو مسجد المدينة المنورة بنواكشوط، والذي يطلق عليه الجامع الكبير أو المسجد السعودي لأن الملك فيصل بناه، وعلى الرغم من أن الإسلام هو دين الدولة في موريتانيا، فان نواكشوط بها كاتدرائية القديس يوسف، وهي كاتدرائية كاثوليكية وموطن لأبرشية الروم الكاثوليك في نواكشوط، وقد تأسست في عام 1965.
تعيش في البلاد ثلاث مجموعات عرقية هي: العرب الذين جاؤوا من اليمن، وقبائل صنهاجة الأمازيغية، إلى جانب الزنوج الأفارقة، السكان الأصليين للدولة.
العربية هي اللغة الرسمية حسب الدستور الموريتاني, رغم أن اللغة الفرنسية هي اللغة السائدة في الدوائر الحكومية، الإسلام هو الدين الذي يعتنقه جميع السكان بنسبة 100% على المذهب السني والعقيدة الأشعرية، مع اختيار أغلبهم للفقه المالكي، ولا وجود لأي ديانة أخرى بين المواطنين الموريتانيين، غير أنه توجد جاليات مسيحية سنغالية ومالية كبيرة تعيش في البلاد وخاصة المدن الكبرى كالعاصمة نواكشوط، ويمارسون ديانتهم بكل حرية في الأماكن المخصصة لها.
بالتعرف على واقع المرأة الموريتانية، وجدتها عكس ما قد يظنه البعض عن مجتمع مازال يُعد تقليدياً محافظاً، وجدتها تشكل ثُلث أعضاء الحكومة، عشرين بالمئة ويزيد من أعضاء البرلمان، تتقلد مناصب رفيعة ومحورية، لكنها ترضخ تحت مشكلات وإحباطات.
“المرأة تأخذ من قلب الرجل على قدر ما تأخذ من مقعدها” و “المرأة كلمتها گد گعدتها” و”ما رأينا أحسن على رجل من علم ولا أحسن على امرأة من شحم” هي عبارات لطالما ترددت على مسامع النساء بالصحراء من أجل حثهن على أن يزدن في وزنهن تماشياً مع مقاييس الجمال الموروثة في البادية، فمعدل السمنة بين النساء الموريتانيات عالية، وربما يرجع ذلك جزئياً إلى المعايير المحلية من الجمال، والتي تعتبر فيها النساء البدينات جميلة في حين تعتبر المرأة النحيفة بـ”مريضة” لذلك ربما تتعرض الفتايات لتسمين قسري يُطلق عليه البلوح، وعملية البلوح عملية شاقة ومستعصية تمارس على الفتاة أحياناً تحت الإكراه البدني، حيث تعاقب الفتاة بحمل ما يسمى بـ”الازيار” وهو شريط جلدي مغروس برأسين خشبيين تشد بهما أصابع أرجل الفتاة أو باطن قدمها وتقوم “البلاحة ” وهي الشخصية التي تكون مسؤولة عن تسمين الفتاة بسحب الثاني بشدة مايتسبب في احداث آلام لها ويحصل ذلك كلما اختلقت الفتاة أعذار أو تكاسلت عن الأكل والشرب.
تنتشر في المجتمع الموريتاني ظاهرة تغزل النساء بالرجال المعروفة محليا بـ”التبراع” ويعرف موقع الموزون الموريتاني المختص في الأدب الشعبي، التبراع بأنه (أدب نسائي مليء بالعاطفة والشوق، ويمكن القول إنه دائما يكون في غرض الغزل).
صوت الزغاريد العالية والطبول الصاخبة أو حتى الأعيرة النارية هنا لا تشترط زفافاً، الطلاق هنا يقتضي كذلك إحتفال، فحين يطلق رجل زوجته تقيم الأخيرة مأدبة لصديقاتها، وفي العادة تطلق ثلاث رصاصات في الهواء احتفالاً بالطلاق، فالمرأة المطلقة مرغوبة أكثر ولا تُوصم بشيء كغيرها من كثير من قريناتها في المجتمعات العربية الأخرى وحظوظها في الزواج أكثر.
طقوس تُسمى “التحراش، التعركيب، التعراظ ” كلها تتمحور حول الزواج والطلاق، وكلها تبدو غريبة تماماً على من ينتمى إلي الجانب الأخر من الوطن العربي، تبدأ بثوب الزفاف أسود اللون وطقوس البكاء يومها، واستقبال الأهل لابنتهم إذا طُلقت بكل ترحاب، وفرص الزواج مرة ثانية وثالثة ورابعة أحياناً إذا أرادت المرأة، ربما لذلك حالات الطلاق تزيد على 44 %
ولأن السياسة لا مفر ولا هرب منها في حالتي، كان لزاماً أن أعرف أكثر عن المشهد السياسي في موريتانيا، والذي وجدته مشهد مرتبك سياسياً، لكن الإرتباك في ذهني يزيد عندما أضعه حتى بعيداً عن إطار التنظير السياسي وأضيف إليه الأمن و محاربة الإرهاب كهاجس، ومدى فاعليته؟ والعبودية التي ولدهشتي، مازالت موجودة في البلاد، تنكرها الحكومة بشكل رسمي و تصدر من أجل محاربتها قوانين تبقى غير مفعلة كما يبدو، والبطالة التي نسبتها تزيد عن 34 %.
كانت هذه رحلتي للجمهورية الإسلامية الموريتانية، الدولة الافريقية العربية، المحشورة بين الجزء العربي في الشمال والغرب الأفريقي، نقطة الوصل بين شمال القارة و جنوبها.