السلطات الإسرائيلية بين التصعيد الغير رشيد وإحياء عملية السلام لإنهاء الإحتلال
كتب”نبيل أبوالياسين“رئيس منظمة الحق الدولية لحقوق الإنسان، والباحث في القضايا العربية والدولية، إن كمية التضليل الإعلامي الذي يضخّه الإسرائيليون، ومؤيدوهم من الغرب بالإعلام التقليدي، وعلى وسائل التواصل الإجتماعي تؤكد أهمية المعركة الإعلامية الموازية للمعركة على الأرض التي يشنها الإحتلال، لذا؛ بات ضرورة ملحّة التصدي بالرد باللغتي العربية والإنجليزية، على هذا التضليل حتى لا ينتصر، ولا يفلت المجرم الإسرائيلي من الملاحقة عاجلاً أم آجلاً.
ونشاهد إزدواجية في المعايير حيثُ؛ تتوالىّ التصريحات الغربية والعالم الغربي يستنكر عملية”القدس”،
وسبقها الصمت المطبق عن مجزرة “مخيم جنين”
ويهاتف الرئيس الأميركي”جو بايدن” مساء أمس الجمعة، رئيس الوزراء الصهيوني “بنيامين نتنياهو”، في أعقاب العملية التي وقعت في القدس المحتلة، والتي نفذها الشهيد “خيري علقم”، وأدت لمقتل 7 مستوطنيين وجرح آخرين،
وفق البيت الأبيض فإن”بايدن”عرض على”نتنياهو” تقديم كل إجراءات الدعم اللازمة للحكومة الصهيونية في الأيام المقبلة، وصف رئيس الولايات المتحدة، عملية القدس
بالهجوم على العالم المتحضر فماذا عن عملية”مخيم جنن”هل الفلسطينين عالم غير متحضر، أم مجزرة “جنين”عمل وطني قام به الكيان الصهيوني المغتصب للأراضي؟
نحن نستنكر وندين كل أشكال العنف وندعوا دائماً بعدم التعصيد من كلا الطرفين، ولكن يجب أن لانكيل بمكيالين، فلذا؛ يجب أن يراعىّ في التصريحات العربية، والإسلامية السياق اللغوي، والتدقيق في الكلمة قبل إلقاءها على المتلقي، والتفريق بين فلسطيني يدافع عن الحق والأرض، وبين مغتصب يقتل وينتهك دون وجه حق، والوصف الذي جاء في بعض تصريحات الدول العربية بأن عملية “القدس” عمل إرهابي خطأ لغوي في توصيفة، وقد آثار غضب جموع الشعوب العربية والإسلامية، وصفوها بعمل بطولي وليس إرهابي، وإنها رد طبيعي على مجزرة”جنين” واصفين بعض الأدانات العربية والإسلامية لعملية “القدس” تحت مسمىّ مدنيين، كأنهم يقولون أن الفلسطينيين يجب أن يموتون بصمت.
فقد سبق الإستفتاء العفوي للشعوب العربية أثناء”مونديال قطر2022”، حيثُ عبّرت الجماهير العربية عن عشقها ”لـ” فلسطين، ودعمها القضية العادلة للشعب الفلسطيني، وأصبحوا لا يبالون لأي موقف رسمي عربي، أو غيرة منحاز “لإسرائيل” ولايَكْتَرَثَونَ، له لهذا يجب على الحكومات العربية لا تنفصل عن شعوبها، حتى لاتكون شرعيتها الشعبية معدومة، وتكون تصريحاتها غثاء وهراء بالنسبة لهم.
ونشاهد جميعاً التضليل الغربي والعبري الذي يجري ضخه بالإعلام، الذي يتجاهل السياق حتى يبدو الفلسطيني مجرد إرهابي لا مقاوم إعتدوا على وطنة وقريتهُ، ومنزلة، وإحتلاله أرضه وقتل أهله، حتى المخيم الذي يأويه هاجمهُ لم يسلم منه، وأصبح التضليل الإعلامي في إزدياد، حيث ذكر أن عملية القدس داخل كنيس ضد مصلين في حين أنها بشارع فلسطيني محتل، وضد مستوطنين محتلين كما؛ ذُكر إحتفال الفلسطينيين بعملية القدس “لـ” تحريض الإسرائيليين على قتل الفلسطينيين.
كما نشاهد أن هناك إنقساماً صهيونياً غير مسبوق، بين اليمين المتطرف، والقوى الأخرىّ، وإنه منذ أن جاءت حكومة اليمين المتطرف إلى السلطة قبل بضعة أسابيع، ساهم بشكل كبير المتطرف “إيتمار بن غفير” بأفعاله المستفزة في نزع الشرعية عن إسرائيل، أكثر بكثير مما ساهمت فيه بنشاطاتها حركة المقاطعة العالمية “بي دي إس”، وحتى إن قواعد التأييد اليهودي السابقة في نيويورك، أصدرت بيانات تناشد فيها “نتنياهو” بتغيير المسار والنهج الحالي.
وقد لاحظنا في أثناء حملتهُ الإنتخابية وجه السياسي اليميني المتطرف” بن غفير”، زعيم حزب القوة اليهودية، سؤالاً؛ مهماً لم يكن لدىّ المؤسسة السياسية الإسرائيلية حينها جواب عليه، وكان السؤال حينها «من يملك زمام الأمور»؟، وكان ذلك بمنزل رئيس الوزراء الحالي، ويعُد لنا وللجميع تهكم لاذع يصب في بئر عميق من الإحساس بأن اليهود فقدوا السيطرة على الفلسطينيين الذين يعيشون داخل دولتهم، ولكن خلال أسابيع من التناسخ الروحي الأخير”لـ” بنيامين نتنياهو كرئيس لأكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل، يسأل ملايين الإسرائيليين الآن أنفسهم السؤال نفسه”من لدينا يملك زمام الأمور” الآن؟.
هل هو وزير العدل الذي يسعىّ لتصفية السلطة القضائية والقضاء على إستقلالها؟ أم وزير المالية الذي يتساءل عن حق المهاجرين الروس في أن يعتبروا يهوداً؟ أو وزير الأمن الوطني الذي كانت أول إجراءاتهُ إستفزازية بإقتحام المسجد الأقصى؟، وفي الحقيقة، كانت المظاهرات الحاشدة سابقاً؛ معنية فقط بالقضية الأولىّ من هذه المسائل الثلاث، على الرغم من أن مسألة هوية الروس متفجرة بما فيه الكفاية، بحيث أطلق عليها “بتسلإيل سموتريش” عضو الكنيست الإسرائيلي عبارة القنبلة اليهودية الموقوتة.
وتم إقصاء الفلسطينيين تارة أخرىّ من قبل الثورة الصهيونية الليبرالية، فبعد أن ظهرت في أثناء الإحتجاج الحاشد الأول بضع أعلام فلسطينية في وسط بحر عارم من الأعلام الإسرائيلية، وسارع المنظمون إلى النأي بأنفسهم عن الحضور الفلسطيني، ومع ذلك، فقد جرب الصهاينة الليبراليون ماذا يعني أن تكون فلسطينياً، وما يتجرعه الفلسطينيون على يد النخبة الجديدة، المتمثلة في الحركة القومية الدينية للمستوطنين.
وأُشير: إلى التحليل الذي نشرتهُ صحيفة”يديعوت أحرانوت”، وهي صحيفة إسرائيلية تعُد وسطية ولم تزل موالية للسياسة الرسمية الإسرائيلية تجاه الإحتلال الحقيقة غير المريحة، هي أنه لا يمكن للديمقراطية أن تجتمع مع الإحتلال، ولا يمكن للديمقراطية أن توجد في بلد تسمح سياسته الإقتصادية للقوي بالبروز، والانطلاق قدماً، بينما يتم التخلي عن الضعيف ويرمى في الخلف، ولا يمكن أن توجد الديمقراطية في مكان يفرض فيه على العرب أن يظلوا خارج المشهد وفق ما جاء في الصحيفة.
ومن هنا أقول بصفتي “حقوقي” وباحث في الشأني العربي والدولي ومهتم بالقضية الفلسطينية منذ أكثر من عشر سنوات، إن كل من يخفق في التصدي لهذه القضايا بشكل واضح ومفهوم، فإنه سوف يخفق أيضاً في جهوده المبررة تماماً لوقف جزء واحد من العملية، والحقيقة غير المريحة، هي أن أي شخص يريد أن يخرج مليون شخص إلى الشوارع ليهز بهم البلد كرد فعل على خطة “ليفين”، ومستقبل السلطة القضائية الإسرائيلية فلن يتمكن من التلعثم عندما يتعلق الأمر بالبديهيات حول “تقلص الصراع”، وحول الزعم بأنه لا ينتمي لا إلى اليمين ولا إلى اليسار.
وختاماً: أقول إن إسرائيل على وشك الانهيار كما حدث للحكم الفرنسي في الجزائر، ولكن ما أقولة؛ إن أول صدع كبير في المشروع الصهيوني قد بدأ يظهر بالفعل، فالصدوع الأولى؛ هو منذ أن جاء إلى السلطة قبل بضعة أسابيع، وساهم “بن غفير” بأفعاله المتطرفة، والمستفزة في نزع الشرعية عن إسرائيل أكثر بكثير مما ساهمت فيه بنشاطاتها حركة المقاطعة العالمية “بي دي إس” حتى إن قواعد التأييد اليهودي السابقة في نيويورك أصدرت بيانات تناشد فيها نتنياهو بتغيير المسار الحالي وبشكل فوري.
وكان أبرزها بيان “إريك غولدستين”، رئيس أكبر فيدرالية يهودية في شمال أمريكا، الذي إستجدى بكل إحترام” نتنياهو” الوفاء بتعهداتةُ السابقة التي قطعها على نفسه، بأنه سيقطع الطريق على القوانين التي تهدد إستقلال النظام القضائي في إسرائيل، وأنهُ ليس من المعهود بتاتاً تقريباً أن تصدر الفيدراليات اليهودية مثل هذه البيانات العلنية، وذلك لسبب بسيط يتمثل في أن قطاع الخدمة الإجتماعية الإسرائيلية هو أحد أكبر المستفيدين منها.
ويبذل”نتنياهو” قصاري جهده للعب بالورقة الدولية، فقد فعل ذلك في الأردن عندما إلتقى بملك الأردن”عبدالله الثاني” الثلاثاء الماضي، وأعلن بما لا معنى له أن الوضع القائم في المسجد الأقصى لن يتغير، مع أن ذلك الوضع تغير بالفعل وأصبح دائرة الأوقاف، التي تنوب عن الأردن في إدارة الأماكن المقدسة في القدس.
إلا أن “نتنياهو”، بوجود بن غفير وسموتريتش، يواجه شكلاً مختلفاً من شركاء الائتلاف، وهؤلاء الذين يمثلون كلاب الحراسة لليمين الديني المتطرف، ليسوا فقط جزءا من الحاضر الذي يمثله “نتنياهو” بكل مساعيه للبقاء في السلطة، وإنما يرسمون شكل القيادة الإسرائيلية في المستقبل، لذا؛ ينبغي أن يكون ذلك بمنزلة جرس الإنذار لكل يهودي إسرائيلي لا يحمل جواز سفر أوروبي، ولا يتمنى أن يكون وقوداً لحرب شاملة مع أكثر من 1.6 مليار مسلم حول العالم تبدو الحركة القومية الدينية عازمة على إشعالها، كما ينبغي عليهم أن يفكروا بالترتيب لمستقبل يتعاملون فيه مع الفلسطينيين سواسية، لحل النزاع حول الأرض والمواطنة، وليس لخوض صراع حول الدين، والوقت ليس في صالحهم.
وأؤكد: في مقالي هذا أن كانت الخطة منذ تولي حكومة “نتنياهو” المتطرفة تقضي بتفجير قبة الصخرة، وكان ذلك سيفضي، ألى كما هو الحال علية اليوم، وقد يصل الآمر إلى حرب شاملة مع الدول الإسلامية بأكملها، مؤكداً؛ أن تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف “إيتمار بن غفير” بعد عملية القدس «الموت للعرب» وتعهدهُ بالعمل على تسليح كل الإسرائيليين، تعُد عملية تحريضية وغير مسؤولة، وتؤدي لمزيد من التصعيد والعنف مادفعت المستوطنون أنفسهم بمهاجمتةُ، وحملوه مسؤولية عملية إطلاق النار بمدينة القدس أمس الجمعة.