أوفى الأصدقاء
بقلم: أسامة حراكي
أوفى الأصدقاء
هي علة إن لم نبتل بها منذ الصغر لن نبتلى بها عند الكبر، وبعضنا مبتلى بهذه العلة “بالمعنى الإيجابي طبعاً أي الشغف بها” فبين سطورها إفادة وعلى هامشها متعة، لذا تسمو القراءة بالكتاب إلى مرتبة “أوفى الأصدقاء”.
أجلس بين أرفف مكتبتي وأتساءل: لماذا حرصت على تجميع هذا الكم الهائل من الكتب رغم يقيني أن عمري أقصر من قراءة كل هذا، فمنذ سنوات لم أنم باكراً ولم أغلق هاتفي قبل النوم ولم أمارس هواياتي المفضلة ولم أقرأ في كتاب قبل النوم كالعادة.. نسفت التكنولوجيا أجمل ما بنا.
نلجأ إلى القراءة كلما كان لدينا وقت فراغ، فالقراءة تدعنا ننفصل عن المشاكل اليومية، فنقرأ بكل جوارحنا وندخل في تفاصيل ما نقرأ ونعيشه في مخيلتنا، ومن هنا يأتي تفضيلنا للرواية على الفيلم، لأننا في الرواية نشاهد الصور في مخيلتنا، وتصبح الكلمة ثلاثية الأبعاد في أذهاننا، فالقراءة تحملنا إلى أمكنة أخرى، القراءة هي عملية معرفية تقوم على تفكيك رموز تسمى حروفاً لتكوين معنى الوصول إلى مرحلة الفهم والإدراك، وهي وسيلة للتواصل والتثقيف تُكسب المرء عقلاً واعياً وناضجاً، وعلى الرغم من التطور التكنولوجي الذي يُفترض أنه أتى كداعم للقراءة وميسراً لها، إلا انه لا مفر من الاعتراف بأن المشهد العام يكشف عزوفاً متزايداً للبعض عن القراءة.
وقراءة كتاب جديد، شوق ومتعة وفي حد ذاتها تجربة إنسانية، تزود الأنسان بأفكار جديدة ذات قيم، وتوسع المدارك والخيال وتفتح أمامنا أفاقاً رحبة في عالم الفكر والفن والمعرفة، فالفصل بين الكاتب وكتاباته مرحلة وعي يصل إليها القارىء الواعي فقط، فالقراءة في حد ذاتها وسيلة لإشباع شيء معين داخل الإنسان، حيث انها تجعله يتعايش مع ما يحيط به وعلى اطلاع عليه، وعلينا أن نقرأ في كل المواضيع الأدبية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية وحتى البيئية، ليكون مخزوناً ثقافياً شاملاً.
وقراءة نتجات الفكر العالمي، من فكر وأدب وفن وسياسة، تجلب فائدة ومتعة دائمة وتفتح أمامنا عالماً جديداً وآفاقاً غير معهودة، فضلاً عن الاستزادة الروحية والفكرية للإنسان، حيث تجعل منه عنصراً فاعلاً ومؤثراً في الحياة وليس سلبياً انطوائياً يعيش على هامش الأحداث والمستجدات.
فلا تكتبوا لمجرد الكتابة، ولا تقرأو لمجرد القراءة، فالكتابة والقراءة هما أوفى من تبقى من الأصدقاء فعاملوهم باحترام، فالذين يشبهوننا في التفكير والتفاصيل والقناعات والقراءات والكتابات والانكسارات والحزن وفي الألم، هم أكثر الناس تقديراً لأقلامنا.