رسالة إلى صديقي
بقلم / مريم صبري
جاهدت نفسها طويلا..ظلت تقاوم الأمواج التي تعترض طريقها، بل ظنت بأنها تتحايل علي ما يحدث في واقعها كل يوم بتجاهلها إياه.. حاولت تجاهل أفكارها، و ظلت تحارب وجوده بداخلها..تشعر تارة بأنها تكرهه حتي أنها تود أن تمحي وجوده من واقعها الي الأبد..و تارة اخري، تود أن تهرول إليه؛ تود لو كان بإمكانها معاتبته، ثم تترك روحها تغرق في بحر عينيه الي الأبد.. ربما تلك هي المشكلة: “الأبد”.. فدائماً تبحث عن حلٍ أبدي معه..تريد نهاية واضحة..تريد نهاية معه، و ليس منه! أما هو، فيعشق النهايات المفتوحة..يفضل الرحيل دوما دون سلام.. دائماً ما يضعها في حيرة و يزيد من اضطرابها..لا يدري بأنه يشبه زهرة الأوركيد التي تقع في أيدي من لا يعشق الورد، و من لا يستحقه..و لم يكن لديها متسع من الوقت لتخبره حقيقته.. و لكنها أدركت فجأة بأنها علي شفا حفرة…أدركت أنها علي وشك السقوط في حلقة ذكرياتها للتعامل مع كل ما حدث في الماضي، و كل ما يحدث الآن! شعرت بأنها علي وشك السقوط فريسة بين يدي عقلها الباطن، الذي دائماً ما يتآمر عليها.. تلك المرة، قررت المواجهة..نهضَت سريعاً و قررت الذهاب الي العرّافة، تلك التي حاولت الهروب منها طويلاً لإيمانها بأنه هنا، و لثقنها بكل ما وعظها إياه ديسمبر…و لكنها لم تتلق منه أي رسالة منذ زمن، و هذا ما أثار غضبها..شعرت للمرة الأولي بالخذلان، ربما لأن هذا ما تنبأت به العرّافة من قبل…أو ربما لأنها تحتاج إليه الآن حتي يهدئ من روعها..أو ربما لأن حل ديسمبر..و مضي عيدها, و لم يظهر بعد… و لكن، بما ستخبر العرّافة؟ أتخبرها بأنه خذلها؟ أم بأنها مازالت تشتاق إليه كل ليله رغم يقيمها بأنه بات خيالاً ؟ و ماذا عن البحر ؟ ذلك الصديق الذي ثار و خرج عن صمته تضامناً معها..أتذهب إليه و تشكي حال قلبها؟ أم تعلن حرباً و تجعله جيشها؟! حرباً و جيشاً..تتذكر جيداً رسالتها السابقة له.. تتذكر جيداً كيف توسلت إليه بأن يجعلها الجندي الاول في معركته..تتذكر وعدها بأنها ستنال الشهادة من أجل الدفاع عنه إذ حاول أحدا المساس به.. و لكنها أيضاً تتذكر جيداً رفضه الضمير لعرضها بعدم الرد عليها..ربما لديه من الجيوش ما يكفي، و لكنه لن يلق محارباً يلتمس له ألف عذراً حين يخطئ مثلها… في طريقها إلي العرّافة، سمعت نغمات أغنيتها المفضلة لأحد الاصدقاء. فعبد الوهاب لطالما كان أكثر من يقوي إيمانها به..و لطالما كان قادراً علي وصف ما تشعر به بسلاسة و كأنه يعيشه معها كل لحظة.. “ودعني من غير ما تسلم و كفاية قلبي انا مِسَلِّم..دي عينيَّا دموعها..دموعها بتتكلم..يا مسافر وحدك و فايتني..ليه تبعد عني ليه تبعد عني و تشغلني؟”..صدقت يا عبد الوهاب! فتلك المرة، ذهب دون وداع، رغم يقينه بأنني من فتكت به الاشواق و الليالي انتظاراً اليه…ربما ينبغي علي كتابة رسالة أخري..رسالة اخيرة! وقفت أمام البحر حيث يتغني عبد الوهاب بجراحها، و قررت أن تنتهي حيث بدأت! فالبحر كان رفيق دربها، و يجب أن يشهد لحظات كتابة آخر رسائلها إليه.. أما النهايات، فيجب أن يكون الختام مسكاً و وروداً..فقسوته لا تعني بأنه لن يتذكرها! فأولا، قامت باختيار الورد الابيض بديلاً عن الورق..فرسالتها الأخيرة يجب أن تكون مميزة ! جلست بهدوء تام و صبر شديد تتأمل امواج البحر و هي تفصل ورقات الورود الواحدة تلو الأخري، ثم قامت بإلصاقها و كأنها لوحة بيضاء في انتظار رسّام مبدع..و بدأت في الكتابة: “عزيزي الغائب، بلغني أنك اخترت الرحيل إلي الأبد..ف عدم الرد علي رسالتي الأخيرة بمثابة اعتراف ضمني منك برحيلك دون وداع..و لكني أود اخبارك ببعض النقاط: فأولاً، كنت أظنني عشقت محارباً شجاعاً يود الهروب معي بعيداً..يود العيش بسلام و هدوء بعيداً عن زحام الحياة، و لكنني أخطأت! من يرحل دون وداع، لم يكن شجاعاً يوماً… و أما ثانياً، فعشقي لك لم يكن يوماً مشروطاً…لم أريد سوي النظر إليك حتي أشعر بدفئ و أمان..و لكنك لم تدرك ابدأ كم عشقتك، و كم أردت البقاء بجانبك… و ثالثاً، كزهرة الأوركيد، لن يدرك أحداً غيري قيمتك..و ستنال روحك الشهادة بلا جدوي، و انا التي أقسمت علي الحفاظ عليك… تلك رسالتي الأخيرة لك..ربما لن تصل لك أبداً، و لكني لم اكن يوماً بالضعف الذي يجعلني أعلن انسحابي سراً..فكما أعلنت حبي لك يوماً، أعلن اليوم التخلي..و ما كان التخلي عنك سهلاً، و لكنه سيظل تجلي الي الأبد… أما ديسمبر، مازلت أؤمن بأنه يحمل لي الكثير.. دمت غائبا” #رسالة_الي_صديقي