التكلف في أداء القرآن يعمّي على الناس عجائبه.
كتبه الدكتورجابرالصادق استاذالتفسير وعلوم القران بكلية علوم القران بطنطا
متابعة ناصف ناصف
كنتُ إلى وقتٍ قريبٍ أحسَبُ أن التكلُّف في القراءة معيبًا أداء فحسْب، وأنَّ غاية قبحه أنه يُنفّر الطِّبَاعَ، وتنبُو عنهُ الأسماع . لكن ذهب علماؤنا في التكلف إلى أبعد من ذلك، فقد نقل أبو شامة في (المرشد الوجيز) عن أبي حامد الغزالي -رحمهما الله- كلاما نفيسا في ذم التكلف، وأيده، وها هو نصُّه:
وقال – أي الغزالي- في كتاب «تلاوة القرآن: «أكثر الناس منعوا من فهم القرآن لأسباب وحُجُبٍ سَدَلَها الشيطانُ على قلوبهم، فَعَمِيَتْ عليهم عجائبُ أسرارِ القرآن:
أولها أن يكون الهَمُّ منصَرِفًا إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها، وهذا يتولى حفظَه شيطانٌ وكّل بالقُرَّاء ليصرفهم عن معاني كلام الله تعالى، فلا يزال يحملهم على ترديد الحرف، يخيل إليهم أنه لا يخرج من مخرجِه، فهذا يكون تأمُّله مقصورًا على مخارج الحروف، فأنَّى تنكشف له المعاني؟ وأعظم ضَحْكَةِ الشيطان لمن كان مطيعًا لمثل هذا التلبيس».
ثم قال: «وتلاوة القرآن حقَّ تلاوتِهِ أن يشترك فيه اللسان والعقل والقلب، فَحَظُّ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظُّ العقل تفسيرُ المعاني، وحظُّ القلب الاتِّعَاظُ والتَّأثُّر والانْزِجَارُ والائْتِمَارُ، فاللِّسانُ يُرَتِّلُ، والعقْلُ يُتَرْجِمُ، والقَلْبُ يَتَّعِظُ».
قلت: صدق رحمه الله، ومع أن الأمر كذلك، فقد تجاوز بعض من يدعي تجويد اللفظ إلى تَكَلُّفِ ما لا حَاجَةَ إليه، وربما أفْسَدَ ما زَعَمَ أنَّهُ مُصلِحٌ له. انتهى.
فالتكلف إذن حجاب يحول دون فهم وتدبر القرآن، فليحذره المقرئون والقراء، وليستعينوا عليه برب الأرض والسماء