بلاد لا وقت فيها للضجر.. ألمانيا
تقرير: أسامة حراكي
بعد رحلة قطعناها بالطائرة لمدة ساعة وخمس دقائق من مطار امستردام بمملكة هولندا، وصلنا مطار هامبورغ بجمهورية ألمانيا، وما إن حطت الطائرة على مدرج المطار حتى وجدنا أنفسنا في نقطة انطلاق جديدة، ستتيح لنا التحرك إلى وجهات رائعة ورحلات ممتعة ودخول عالم خالٍ من ضغوط الحياة اليومية، فألمانيا تعتبر خلاقة ومتنوعة ومليئة بالتسلية، بدءاً من المناظر الطبيعية التي تجذب المرء إلى اكتشافها، مروراً بالتسوق والفنون، وصولاً إلى المشهد الموسيقي والحياة الليلية، فألمانيا ليست فقط مدن مذهلة ومناظر آسرة، بل فيها العديد من مرافق التسوق الجاذبة، ومناطق إبداعية، وكذلك حياة ليلية نابضة بالحيوية.
تحرص أغلب الفنادق في ألمانيا على تقديم مجموعة من عروض الإقامة التي شأنها أن تجذب المزيد من السياح إلى البلاد، وعلاوة على الإقامة في الفنادق الفاخرة من فئة الخمسة والأربعة وحتى الثلاث نجوم، يتوافر في ألمانيا العديد من خيارات الإقامة، مثل الهوستيل أو استئجار الشقق المفروشة.
بحسب ما أعلن عنه المعهد الألماني لإحصاء السكان عام 2012 عن المنازل التي يسكنها فرد واحد، يحتل الألمان المرتبة الثالثة بعد النرويجيون الذين احتلوا المرتبة الثانية بعد الدنماركيين الذين يحتلون المرتبة الأولى بين الأوروبيين في قائمة العزوبية.
من يحبون ممارسة التمارين البدنية، يمكنهم الجمع بين أنشطة متنوعة من ركوب الدراجات الهوائية والسباحة، والتنزه في أرجاء مدنها، فالمانيا تحمل شعار لا وقت للضجر، من رحلات التجول عبر الحدائق ومعايشة أجواء طبيعية واستكشاف الكثير من المسطحات الخضراء فيها، ويتميز النقل في ألمانيا بالسرعة والسهولة، وذلك بفضل الطرق والبنية التحتية الممتازة.
هامبورغ:
تقع مدينة هامبورغ في الجزء الشمالي من دولة ألمانيا، وتمتد على ضفاف نهر “إلبه” الذي يصب في بحر الشمال، وهي إحدى الولايات الألمانية الـ 16 ومن أهم المدن فيها، وتعد ثاني أكبر المدن الألمانية من حيث المساحة وعدد السكان.
هامبورغ من المدن السياحية في ألمانيا والتي تضم العديد من المعالم التي تستقطب ملايين السياح سنوياً، وفيها مطار دولي يربطها بالعديد من المدن العالمية، وهي من أكثر المدن الألمانية جاذبية وامتلاكاً للمساحات الخضراء، فتتميز المدينة الحرة الهانزية بالخضرة الساحرة المنتشرة على مد البصر، وكذلك المياه التي تعتبر أهم المظاهر الفاتنه فيها، وبها العديد من المعالم الطبيعية، مثل الحدائق والقنوات المائية والمنتزهات والبحيرات، مثل بحيرة ألستر الواقعة في قلب المدينة، التي ينتشر فيها في فصل الربيع الإوز البري المهاجر، وتمتاز المدينة بسوق السمك الكبير الذي يُقام فيها كل يوم أحد من كل أسبوع، وتعتمد على السياحة بشكل كبير في اقتصادها.
تشتهر هامبورغ بجسورها المقامة فوق مجاريها المائية والتي يزيد عددها عن 2500 جسر مخصص لعبور السيارات والمشاة والقطارات، وهي تعد بذلك أكبر مدينة أوروبية من حيث عدد الجسور والقنوات المائية المقامة فوق المياه، ويُطلق عليها في بعض الأحيان لقب فينيسيا الشمال، وتحتوي المدينة على نفق أسفل نهر إلبه لمرور المشاة والسيارات والدراجات الهوائية، وهو أول نفق يُقام تحت الماء في أوروبا.
تُعد هامبورغ أول مدينة ألمانية تعترف بالدين الإسلامي كدين رسمي فيها، وتُعطي المسلمين الذين يشكلون قرابة 8 بالمئة من إجمالي سكانها حقوقاً مساوية باليهود والمسيحيين فيها.
هامبورغ مدينة ثرية، وهي تعتمد على التجارة بشكل كبير، فهي تضم أكبر ميناء بحري في ألمانيا، كما تحتوي على العديد من مقرات الشركات العملاقة مثل شركة إير باص (شركة صناعة الطائرات والفضاء الأوروبية العملاقة) كما تضم العديد من المحلات التجارية ومراكز التسوق، وفي هامبورغ العديد من الجامعات والكليات، مثل جامعة هامبورغ، وجامعة هيلموت شميدت، وجامعة بوليتيكنيك هامبورغ.
تضم هامبورغ العديد من المتاحف والكنائس والمسارح ومدن الألعاب، ومن أهم المعالم السياحية فيها:
تُعد من أكبر الكنائس في هامبورغ، وثاني أعلى الأبنية فيها، وهي كنيسة لوثرية بنيت على النمط القوطي.
يرمز لهامبورغ كثيراً من خلال هذه الكنيسة، لدرجة أنه يمكن اعتبارها أهم معلم في المدينة، خاصة وأن لها تاريخ كبير، يختصر اسمها باللهجة الدارجة بين السكان ليصبح “ميشيل” تقع الميشيل في جنوب المدينة الحديثة لهامبورغ، على مقربة من نهر إلبه ومن ميناء هامبورغ، يعد طراز بناء الميشيل الباروكي، الأجمل من نوعه في منطقة شمال ألمانيا.
يقع في قلبها وعلى مقربة من بحر الشمال، هو نبض المدينة وسحرها البحري، ويضفي عليها بيئة بحرية فريدة من نوعها، ويعود ازدهار هذا الميناء إلى مدينة التخزين التاريخية.
“شبايشر شتادت” مدينة التخزين:
هي عبارة عن منطقة جمركية حرة بنيت في أواخر القرن التاسع عشر في مدينة هامبورغ، تعتبر من الأماكن السياحية في هامبورغ وتتميز ببناياتها المُنشأة على أطراف القنوات من الطوب الأحمر ذات ارتفاع يقارب السبعة طوابق، عدا عن ترابط الجسور الصغيرة التي تربط بين شوارعها الضيقة، مما يعطيها رونقاً وجمالاً خاصاً، وتعتبر الرحلة بالقارب من أجمل معالم السياحة في هامبورغ، قمنا برحلة اسمتعنا فيها جداً، ننصحكم بعدم تفويت فرصة تجربة هذه الرحلة إن زرتم هامبورغ يوماً ما.
مينياتور وندرلاند:
تعرض مجسمات ونماذج عن معالم من كافة الأماكن السياحية في المانيا وأخرى شهيرة بالعالم، بنيت بطريقة رائعة ودقيقة على يد التوأمين غيريت وفريدريكبراون، يشق هذه النماذج المصغرة سكة حديدية بطول 12 ألف متر، ويمكن عمل جولة بالقوارب في المنطقة المحيطة حيث أن مينياتور هي جزء من مدينة التخزين.
بحيرة الأستر:
من أشهر معالم السياحة في هامبورغ تبلغ مساحتها 160 هكتاراً “الهكتار الواحد يعادل 10 آلاف متر مربع” وتقع في وسط مدينة هامبورغ، سواء أحببتم الاسترخاء على مقاعد الاستلقاء أو التنزه، أو القيام برحلة بحرية في بحيرة الأستر، فإن الخيارات كثيرة امامكم حيث تعتبر البحيرة من أهم الأماكن السياحية في هامبورغ، حيث يمكن التمتع برحلة على متن أحد القوارب في مياه البحيرة الساحرة وقنوات المدينة العديدة، أو ممارسة رياضة التجديف، أو القيام برحلة شراعية، أو التجول على ضفاف البحيرة، او الإستمتاع بالمأكولات التي تقدمها المطاعم المنتشرة مع التمتع بمشهد البحيرة الخلاب، وتوفر المروج الشاسعة المحيطة بالألستر، العديد من ملاعب الجولف الجاذبة التي تخفق لها قلوب هواة هذه الرياضة، والمميز عند التجول في هامبورغ أن الماء واللون الأخضر يهيمنان على المدينة ويرافقاننا أينما ذهبنا.
مبن:
تقع في شمال غرب ألمانيا بإقليم سكسونيا بولاية نيذر زاكسن، في الريف الجميل عند تخوم الغابة، مدينة صغيرة يجب التعرف عليها والتجول في شوارعها وربوعها التي تجاوزت مناظرها الطبيعية المعقول وهدوءها سحر العقول، وخلال إقامتنا القصيرة فيها لم نفوت فرصة التعرف إليها والتجوال في شوارعها قبل السفر إلى برلين العاصمة.
برلين:
تقع على نهري ” شبريه” و “هافل” هي أكبر مدن ألمانيا وعاصمتها والأكثر خضرة، ولا يعود الفضل لذلك إلى الكم الهائل من المتنزهات والحدائق العامة والغابات فقط، بل أيضاً إلى الوعي البيئي ومقومات الاستدامة، مهما سمعنا أو قرأنا عنها لا يمكن أن يغني عن زيارتها، فهي مدينة تزخر بالكثر ممن يسعد الرؤية، والأكثر مما يغري اكتشافه، وصلناها قادمين من مدينة مبن بعد مسافة قطعنها بالقطار مدة أربع ساعات، تجولنا في شوارعها وزرنا معالمها التي تحكي قصت مدينة صنعت من رموز انقسامها معالم تذكارية تعكس نهوضها من تحت الأنقاض.
تزخر برلين بالمقاهي والمطاعم العالمية والعربية، كما تزخر بشوارع تسوق ذات شهرة واسعة، وتعتبر مدينة عالمية للموضة والتسوق، تحولت إلى مغناطيس يجتذب أشهر المصممين العالميين، إضافة إلى احتضانها إبداعات جيل الشباب الذي يجد الفرصة لعرض ابتكاراته، وتطورت كثيراً بحيث تحولت إلى مدينة عالمية للمعارض التي تقدم آخر خطوط وصيحات الموضة، ويقصدها الكثير من مشاهير هوليود ليشاركوا في فعاليتها المتنوعة، كمعارض “فاشن ويك” و “بريد أند باتر” و “أسبوع مرسيدس بنز للأزياء” وغيرها من الفعاليات المبتكرة.
أكثر ما لفت انتباهنا في برلين، أن لها خصوصية ونكهة خاصة، هي قدرتها الفائقة على الجمع بين العراقة والحداثة، ففي الوقت الذي تذخر به المدينة بالمعالم التاريخية الشهيرة والتنوع الثقافي، فإنها تنبض بحب الحياة والحداثة والسهر، حيث يتيح ليل برلين الكثير من الفرص لعشاق السهر والسمر فهي مدينة لا تنام، وعلى الرغم من هذا الزخم الفريد، تتصف بالمزج بين حياة المدينة وحياة الواحات الهادئة، فبينما تقدم لزوارها وضيوفها أجواء مفعمة بالإثارة، فهي في الوقت نفسه تحتضنهم في مساحاتها الخضراء الشاسعة.
للمتاحف نصيباً كبيراً في برلين التي تعتبر مدينة ثقافية وفنية بامتياز، وتضم في جنباتها العديد من المتاحف والمعارض الفنية والعروض والحفلات الموسيقية ودور الأوبرا والمسارح، وهذا ما جعلنا نشعر خلال جولتنا وكأننا نسير على طرقات مرصوفة بالثقافة ومفعمة بالفن، إلا أن وسط المدينة هو أكثر ما أدهشنا بكنوزه التاريخية، ومن يرغب في القيام برحلة عبر العصور القديمة، ما عليه سوا التوجه لجزيرة المتاحف، التي تم إدراجها على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1999.
جزيرة المتاحف
جزيرة يحيطها نهر “شبريه” من كل جانب، حين وصلناها أدركنا أننا أمام سمفونية رائعة مؤلفة من من خمسة متاحف تزخر بالمقتنيات الثمينة.
متحف برلين القديم:
هو متحف تاريخي بني ما بين عامي 1823 و1830 بناء ضخم ومستدير يغري الزوار بما يحتويه، حيث يضم المتحف تشكيلة كبيرة من التحف والآثار الكلاسيكية، منها تشكيلة يونانية تضم الدروع والخوذ القديمة وغيرها.
متحف برلين الجديد:
يعرض متحف برلين الجديد آثاراً قديمة من حضارات عريقة سكنت الأرض في قديم الزمان مثل الحضارة المصرية الفرعونية.
متحف بيرغامون:
يعود تاريخ افتتاح هذا المتحف الى عام 1899 حيث يعرض الكثير من التحف الاثرية القديمة التي تعود إلى حضارات مختلفة من العالم كالحضارة البابلية والآشورية، ومنها مذبح بيرغامون.
متحف بوده:
يعكس سطح مياه نهر شبريه صورة متحف بوده، الذي يذخر بالكثير من كنوز الفن العائدة إلى مختلف العصور، إلا أن المعروضات الأكثر شهرة فيه، هي مجموعة من القطع النقدية التي تعتبر واحدة من أثمن نظيراتها في العالم.
متحف الآلات الموسيقية:
يعرض هذا المتحف أكثر من 3500 آلة موسيقية يعود تاريخ معظمها إلى القرن 16 وهي تشكيلة فريدة من نوعها تعرض آلات موسيقية من حقبات زمنية متفاوتة.
بوابة براندنبورغ:
هي بوابة تاريخية لا يمكن لأي قادم إلى برلين إغفال زيارتها، فهي تلقي الضوء على مرحلة تاريخية يزيد عمرها عن 200 عام، وعلى الرغم من أنها كانت تعد رمزاً من رموز عهد الانقسام، إلا أنها تمثل اليوم رمزاً للوحدة ومحطة مهمة لجذب السياح، حيث تنتصب أمامها كاميرات المصورين وزوار المدينة الذين يحرصون على إلتقاط الصور التذكارية معها، كما تظهر صورة البوابة على عدة عملات ألمانية.
عمود النصر:
أحد رموز مدينة برلين بني عام 1873 احتفالاً بالنصر في الحرب الفرنسية الألمانية، يعتبر من أشهر الأماكن السياحية في برلين.
برج برلين:
برج التلفريون والمعروف باسم برج برلين، يتميز بهندسته المعمارية الفريدة التي جعلت منه مزاراً سياحياً مهماً، يبلغ ارتفاعه 368 متراً ويتكون من 147 طابقاً حيث يشكل أطول بناء في المانيا كلها، وثاني أطول برج في الاتحاد الاوروبي والرابع في قارة أوروبا.
حديقة تريبتاور:
حديقة عامة تقع بجانب نهر سبري في حي ألت تريبتو، تعتبر وجهة من والجهات المميزة ومتنفساً شعبياً لسكان العاصمة الذين يأتون إليها بهدف الترويج عن النفس، وممارسة رياضة المشي وركوب الدراجات أو الجلوس بجانب النهر.
وهناك العديد من الدروب الطويلة الممهدة المناسبة لرياضة التجول والمشي وركوب الدرجات، فبرلين مدينة خضراء تضم الغابات الواسعة والحدائق العامة والمتنزهات والعديد من البحيرات والأنهار، ومن يتجول في أمسيات الصيف الجميلة عبر غاباتها الخضراء سينسى أنه في مدينة كبيرة، فهذه المتنزهات التي بمثابة الرئة الخضراء للمدينة، جعلت برلين عاصمة الخضرة والمناظر الخلابة.
وكما ذكرنا تعتبر مدينة برلين من أهم المدن الثقافية والسياحية في أوروبا والعالم، حيث تذخر بالمواقع التاريخية والأثرية التي تستحق الزيارة والاهتمام، ومن أهمها سور برلين.
جدار برلين:
منذ وصولنا إليها أدركنا أنه لا يمكن الحديث عن برلين من دون التوقف أمام جدارها، فخلال الحرب الباردة وتحديداً في 13 أغسطس عام 1961 قامت حكومة ألمانيا الشرقية بتشييد ما يعرف بجدار برلين، لتصبح المدينة مقسمة إلى جزئين، جزء يتبع ألمانيا الغربية، وآخر يتبع ألمانيا الشرقية، وبقى الحال على هذا حتى عام 1989 شهدت المدينة حدثاً تمثل في سقوط “حائط العار” أو “سور صد الفاشية” بحسب تسميته المتضادتين وقتها وفق وجهة نظر كل جانب، ليتحول إلى لحظة تاريخية لا يمكن للألمان أو العالم نسيانها، عدا التداعيات الاستراتيجية، ترك انهيار الجدار أثراً عمرانياً غير معالمها. ففي ذلك اليوم المشهود 9 نوفمبر 1989 هاجمت الجماهير السور المنيع الذي كان شطر مدينتهم إلى شطرين متعاديين طوال 28 عاماً، وكرس انهيار الجدار تفتت امبراطورية الاتحاد السوفيتي السابق، وتهشم أفلاكه في المعسكر الشرقي، وما تبعه من احتكار القوة من جانب واحد ونهاية توازن الإرهاب. وبعيداً عن قلب الخارطة السياسية الدولية، أدى سقوط جدار برلين إلى تغييرات ملموسة ومرئية على الصعيدين المدني والعمراني، كأي سور تحصين كان يفتقر إلى الجمال، وكيف يكون جميلاً والغاية منه العزل والصد، وحرمان الناس من التلاقي، حاله حال جدار العزل العنصري في الضفة الغربية، إذ أتاح سقوط حائط برلين إعادة تخطيط ما حوله، وتعمير مبان أو ترميمها، وشق شوارع وشتل حدائق وزراعة متنزهات، فهو لم يكن مجرد حائط، إذ كان تحصيناً عسكرياً معقداً بطول 1394 كيلومتراً، يتضمن حائطين متوازيين، وحاجزين معدنيين متوازيين، بينهما فسحة كبيرة وممرات مراقبة، وصفارات إنذار، وقاذفات نارية تلقائية الإطلاق، وأسلاك شائكة مكهربة، فقد كان السور بين حائطيه المتوازيين مزوداً بأكثر من 300 برج مراقبة و 14 ألف عسكري و 600 كلب حراسة، وهذا ما يفسر أن مئات من مواطني برلين الشرقية لقوا حتفهم أثناء محاولاتهم الفرار، ويوم تداعى الحصن تم فتح تلك المساحة المحصورة بين جداريه المتوازيين، وتسويتها بالأرض، لكن تم الإبقاء على مساري خطي الجدارين ظاهرين للعيان في مواضع عديدة إنما في مستوى الأرض، إذ تم تبليط آثار الحائطين ببلاط خاص مختلف عن أرضية الشارع الإسفلتية لتميزه عنها، والهدف إبقاء أثر السور كذكرى تاريخية كأنها من أطلال الماضي وللتذكير بانهيار رمز قديم، وتمجيد انتصار نهج أيدولوجي “الليبرالية” على منحى معاد “الشيوعية” إثر حرب باردة استغرقت بينهما أكثر من 7 عقود من الزمن. وتم تمديد خطوط وسائط النقل العمومية، وربطها ببعضها، لكي تغطي الجانبين بعد ما ظلت تلك الخطوط مبتورة، فخطوط شبكة المترو وخطوط القطارات الإقليمية كانت مبتورة عند الجدار، وتطلب الأمر إعادة ربطها وتمديد مساراتها وتطويرها، وفتح محطات جديدة وترميم المحطات القديمة، كما تم تطوير المساحات الخضراء والحدائق والمتنزهات والبحيرات والمسارات النهرية، بحيث أصبحت برلين مدينة منفتحة، غير مكتظة ولا خانقة ولا مزدحمة السير على عكس مدن أخرى، كما أنه بعد توحيد الألمانيتين واستعادة برلين منزلتها كعاصمة موحدة لألمانيا الموحدة، تطلب الأمر إنشاء بنى تحتية حكومية، ومقار وزارات وإدارات للدولة، وكان لذلك كله كلفة كبيرة، أدت إلى خلخلة الموازنة المالية بشكل كبير. زرنا عدة مواقع للجدار واستشعرنا في كل موقع ومكان وجزء منه بأجواء الحرب الباردة، وعلى الرغم من أن الجدار سيطر على مصائر الناس لسنوات طويلة، إلا أن سقوطه شكل شرارة انطلاقة اسطورة مدينة منعمة بالحيوية والحراك والفن، حيث لم تعد للجدار مهمة حدودية، بل تحول جزء منه إلى أطول معرض فني في العالم، وبات اليوم جدار برلين جدار العار في خبر كان، فماذا عن جدران عار على أوطانها مشابهة في أماكن أخرى من العالم، في الضفة الغربية المحتلة، وفي قبرص وكشمير، وبعض أحياء بغداد، فهل سيأتي يوم يسوى بهم في الأرض؟