كتبت الإعلامية : لطيفة القاضى
يمثل كتاب العالم الكبير والمفكر السياسى العالمى سعادة المستشار الدكتور السيد أبو عيطة الذى صدر له حديثاً هذا الكتاب الذى يحمل عنوان (الجائز وغير الجائز فى نكاح العجائز) يمثل صرخة فى وجه الإرهاب والتطرف الدينى والشذوذ الفكرى والجنسى والمجتمع الذكورى والإستبداد الدينى والإجتماعى على حد سواء ، كما يدعو بقوة الى تمكين المرأة فى المجتمع العربى كما أنه يعرض إشكالية زواج كبار السن من الجنسين ويدعمها بقوة.
فهو وكما يقول الكاتب الكبير الدكتور أبو عيطة ثورة فى الفكر الدينى والإجتماعى والسياسى بصفة عامة ، وفى اطار العلاقات بين الذكر والأنثى بصفة خاصة ، كما انه يطرح العديد من الآليات لحل العديد من المشكلات الإجتماعية والأسرية لأخطر القضايا وأكثرها حساسية بين الذكر والأنثى .
فقد جاء فى مقدمة هذا الكتاب الأسطورى: أن حياة الإنسان ذكراً كان أم أنثى تخضع طوعاً أو كرهاً لهذا القانون الكونى السماوى العظيم ، أنه قانون الحياه .. قانون الجائز وغير الجائز … وما بين الجائز وغير الجائز من الفكر والمعتقد والسلوك والفعل والإحساس والإنفعال الخارجى والداخلى يعيش الإنسان فى حيرة من أمره ، وليس أمامه سوى الرجوع لقانون الجائز وغير الجائز سواء القانون الطبيعى منه أو الإصطناعى .
فقد جاءت الأديان منذ أن جاءت لإسعاد البشرية فى الحياة الدنيا، وما شرط السعاده فى الحياة الا أن يكون الإنسان عادلاً بمعنى أن يكون متسامحاً مع أخيه الإنسان ، فلقد احتار العقل الإنسانى واستفاق من عربدته وسكره على هذه المشاحنات التى تحدث فى الفضاءات الكونية من حين لآخر والتى يظهر فيها الجهل والتعصب ، حقيقة أن الجهل والتعصب حق عبثى ، انه قانون التنمر ، غير أن النمور تمزق فريستها من أجل الطعام فقط ، أما نحن فنمزق أنفسنا ونمزق الآخرين من أجل بعض الفقرات المقدسة والتى نفهمها خطأ أو على غير الحقيقة.
إن قضية الخلق هى قضية الحرية الإنسانية والمساواه بين جميع البشر ، وتحقيق العدالة المنصفة بين الإنسان وأخيه الإنسان ، إن جميع ممثلى الثقافة العالمية يؤمنون بفشل الإنسان الحديث وهزيمته فى معركته مع الحضارة المعاصرة ، ونتساءل حول تطلعات القرن الحالى والقرون القادمة للبشر ، فعلينا أن نتنفس ثقافة وسلوك قيم السلام العالمى والتسامح الدولى والتنمية المستديمة ، وألا يحملنا الوهم والإحباط على أن نبدد جهودنا فى تحقيق أمجاد ومصالح شخصية بعيدة عن المصلحة العامة للشعوب جميعاً .
«إن أكثر ما يهدد حياتنا اليوم وغداً نزعتان متناقضتان ، القطعية والشك ، قطعية السلفيين وشك نيتشه ، الأولى تجزم باليقين المطلق الثابت الذى لا يتغير حتى لو تعارض مع اليقين العقلى أو الحس الواقعى ، والثانية الشك فى كل شىء ولو تعارض مع البداهة العقلية والواقعية ، وهما يقودان الى إما الإثبات المطلق أو الرفض المطلق ، لقد آن لنا الأوان أن نبدأ عملية الإصلاح الفكرى والثقافى والإيديولوجى .
«وعلى المرأة أن تلعب دورها المحورى فى إنتاج وإعادة إنتاج الحياة الإجتماعية والثقافية والسياسية والإقتصادية والديمقراطية ، فهذه الأخيرة هى منهج حياة شامل عن الإنسان والكون والحياه . فدور المرأة هنا يمكن أن يتم من خلال قناتين : الأولى رسمية من خلال إعتلاء المرأة للمناصب السياسية وغيرها ، أما الثانية فذلك من خلال العمل الإجتماعى والتنموى البشرى .
«إن دور المرأة يجب أن يدخل فى عمق النقاشات الدائرة بصدد تشكيل الصرح الجديد للمجتمعات المعاصرة ، ليس فقط بسبب دور المرأة فى النضال السياسى والإجتماعى وأيضاً التنموى من أجل الحرية والمساواه والعدالة وانما أيضاً بسبب دورها فى تحقيق مفهوم المواطنة القائم على مبدأ المساواه فى الحقوق والواجبات العامة بين المواطنين إعمالاً لمبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين ، كما أن إشكالية المرأة ترمز لإشكالية متعددة الأبعاد تتعلق بالهوية والحداثة والثقافة والفنون والآداب . فالصورة النمطية الغالبة للمرأة بخلاف الواقع المعاصر تعتبر المرأة ضحية ولا تشارك فى صناعة الأحداث ورسم قسمات المستقبل .
«غير أن كل ذلك يخالف الواقع المعاصر للمجتمع العربى الذى انخرطت فيه المرأة العربية فى عملية التغيير وتقوم بدور حاسم متعدد الأبعاد فى معركة البناء والتنمية والثقافة والفنون والآداب ، غير أنه لابد من الإعتراف ودون خجل من وجود نسبة كبيرة من النساء ذات طابع سلبى سواء فى حق ممارستهن للحياة والعمل العام أو الحياة الخاصة ، وتكتفى تلك النسوه بدور المتفرج فقط ولا يقمن بدور الفاعل أو المحرك للأحداث .
«من هنا تأتى أهمية هذه الدراسة العالمية حيث تلقى الضوء حول العديد من الإشكاليات المتعلقة بالمرأة بصفة عامة وفى الشرق العربى بصفة خاصة من جميع الزوايا ، كما تقدم رؤية منظورية لمستقبل المرأة فى عصر ما بعد الرقمية أو عصر ما فوق الإنسانية .
«ويمكن القول ان التحدى الحضارى والثقافى أو السياسى أو الإجتماعى أو الإقتصادى والفكرى الذى تواجهه أمتنا العربية اليوم وغداً مغاير تماماً ذلك التحدى الذى كان يواجهها منذ أكثر من ثمانية قرون خلت منذ أن كتب الزركشى والزمخشرى والسيوطى مؤلفاتهم ، حيث كان المغذى الوحيد لهذه التجميعات النصية هو الحفاظ على هذه النصوص التراثية من الإندثار رغم ما بها من إسرائيليات موضوعة .
«وإذا كان الفكر السلفى وليس الأسلاف يستنكر مقاصد التنزيل دون وعى ويتجاهل الأهداف الشرعية دون قصد أو عن جهل وتطرف بفصله بين النص والواقع ، وبفصله أيضاً بين النص والمصلحة العامة للأمة والتى هى غاية المقدس ، فإنه بذلك يكون قد خالف صحيح التنزيل وأصل التأويل ومبتغى التشريع ، وغاية الأديان ورسالة الإسلام .
«وإذا كانت الحضارة العربية أساسها النصوص المقدسة ، فإن التأويل والتفسير والإجتهاد هو الوجه الآخر للنصوص المقدسة ، حيث يعتبر آلية من آليات الثقافة والحضارة فى إنتاج وإعادة إنتاج المعرفة ، وقد يكون هذا التأويل مباشراً كما هو حال التأويلات الدينية وعلومها . وقد يأتى غير مباشر كما فى حالة العلوم الإنسانية. ومن البديهى والحال كذلك أن تتعدد وتختلف تفسيرات وتأويلات العلماء حول النصوص المقدسة بحسب ثقافة وتوجهات ورغبات كل فقيه ، غير أن الشطط كل الشطط أن يتحول هذا التفسير البشرى للنص المقدس إلى مقدس ويكون الحديث عن التفسير البشرى هذا وكأنه مقدس فيدمج الإلهى فى البشرى ، ويصير الإنسانى مقدس وهو ماحدث بالفعل مع التراث الإسلامى فى مجموعه ، فتحول البشرى الى الهى وهو شرك منهى عنه بصريح التنزيل .
«غير أن عامة التفسيرات قد ركزت على العلوم الدينية دون الدنيوية أو حتى الربط بين الدينى والدنيوى علماً بأن الدين جاء من أجل معالجة وإصلاح الحياة البشرية . هذا ولقد نبه العديد من المجددين الأحرار لأهمية عملية الربط هذه ، غير أن صرخاتهم ذهبت أدراج الرياح لأن ثمة قوى رجعية سلفية لا تريد تغيير الواقع الثقافى لأن ذلك سوف يسحب ويزلزل الأرض من تحت أقدامهم .
«وإذا كانت قوى التغيير والإصلاح فى نضالها ضد الفساد السياسى والإجتماعى والثقافى تحاول أيضاً أن تستند إلى التراث إلا ان المنتصر فى هذه المعركة هو الفكر الرجعى لأن هذا الفكر هو الفكر المسيطر منذ عهود سابقة على التراث وبمفاهيم الرجعيين أنفسهم .
«إن الإسلام حركة ثورية ضد الظلم والإستبداد والإستغلال والإحتكار والهيمنة أياً كانت هذه الهيمنة ، إن الإسلام يقدس العقل والعلم والحضارة والتعددية وقبول الآخر والحقوق والحريات .
«إن تبلور فجر عصر جديد للإسلام من شأنه أن يجدد حضوره وحضور المسلمين فى دائرة التواصل الكونى أو تكريس مبدأ تعايش الأديان والأمم كخطوة أساسية لتحرير الإنسان من ربقة وعبودية التزمت والإرهاب والإستبداد ، والنزعه المسماه خطأ بالأصولية أو تجاوزاً بالسلفية وهم عنها ببعيد حيث زعم امتلاك الحقيقة وحيازة اليقين والقول الفصل !!
«إن الخطاب المقدس ثابت فى منطوقه لكنه متحرك فى دلالاته ، وعليه فإن من حق الراسخين فى العلم إنتاج شروط قراءة جديدة وانتقاد شروط القراءة القديمة للخطاب الدينى بما تتفق مع الواقع الجديد والمصلحة العامة للأمة التى هى مبتغى التنزيل ومنتهى التشريع .
«ومكمن الخطورة كلها فى هذا الخطاب أن العلوم الدينية هى أكثر العلوم تأثيراً فى الحياة الإجتماعية العامة والخاصة استناداً الى المقولة السائدة قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم والقائم هذا الخطاب على طابع انتقائى منهجى وانتزاع سياقى وفقاً لهوى الفقيه أو الداعية اعتماداً على سلطة النص معزولاً عن سلطان العقل والواقع ، فيتحول كلام الفقيه أو الداعية الى مقدس ويدخل صراع التأويل ، وتقوى جذور السلفية منذ بن حنبل وبن تيميه مروراً برشيد رضا وانتهاءً بسيد قطب والمودودى ومن على شاكلتهم .
«إن العقل أساس النقل ، ومن قدح فى العقل فقد قدح فى النقل ، فالنقل دون عقل يظل ظنياً وبه يتحول يقيناً ، وتتداعى التساؤلات … لماذا ندافع عن العقل ولا نقضى على جذور اللاعقل ؟ وهل تنجح مشروعات عربية تجديدية فى ارساء قواعد العقلانية فى ثقافة أساسها غير عقلانى ؟
«إن الخطاب الدينى حينما يرفع شعار لا اجتهاد فيما فيه نص أو لا اجتهاد مع صراحة النص ، يقوم فى الحقيقة بعملية خداع إيديولوجى ماكره لأنه لا يعنى بالنص ما يعنيه التراث ، أضف الى ذلك أن تحديد ما هو نصى وما هو غير ذلك ، ومتى يكون النص صريحاً ومتى لا يكون عملية ذهنية عقلية بحتة ، فكيف لا يكون فيها اجتهاد ؟؟
«إن الخطاب الدينى المعاصر لا يكتفى بتثبيت النص وسلبه حركته بين المفهوم الحديث والمعنى القديم لكلمة النص ، بل يسعى لتثبيت دلالاته بإعلان نفى الإجتهاد مفسحاً المجال لنفى التعدد وتثبيت الواقع الإستبدادى طبقاً لما يطرحه هو من آراء زاعماً احتكاره للحقيقة الدينية .
«إن النصوص المقدسة ثابتة من حيث المنطوق ، لكن إذا ما تعرض لها بالتفسير العقل البشرى يتحول الى نص انسانى بشرى بمعزل عن النص الأول أو المادة الخام ، فهو يتحرك ويتأنسن ، فيتحول النص المقدس من مطلق وثابت الى نسبى ومتحرك بل ومتغير أيضاً حسب الزمان والمكان والواقع والمصلحة العامة للأمة أو المجتمع أو الدولة ، فالنص المقدس لحظة نزوله هو نص الهى لكنه يتحول فى الفهم البشرى والتفسير الإنسانى والتأويل العقلى له الى نص بشرى فى الفهم لا فى المادة الخام لذلك لا يعلم تأويله إلا الله ، والشطط كل الشطط والشرك كل الشرك أن يضفى على الفهم البشرى قداسة والوهية ونخلط ما بين النص الخام الإلهى والفهم البشرى للنص والذى سيظل بشرياً الى يوم القيامة .
«وإذا كانت بعض الإتجاهات الشيعية تميل الى تأليه بعض الأئمة ترتيباً على مفهوم الحلولية ، فإن بعض حكامنا اليوم يستخدمون نفس هذا المخزون النفسى ويزعمون امتلاكهم الحقيقة المطلقة فى مواجهة الجماهير المطحونة المهضومة .
وعلينا أن نفرق بين الدين والتقاليد أو الأعراف ، وهما قضيتان طالما حصل بينهما تداخل على امتداد التاريخ ، إذ عادة ما يحدث عن اختلاط العقائد بالميول والعادات والأذواق الخاصة ، ظهور مجموعة من المشاعر والعلاقات الإجتماعية والحقوقية والقيم والأحكام الإسلامية فى شتى الميادين كالإقتصاد والإجتماع والمرأة والرجل والأسرة بالقيم والعادات والتقاليد الإجتماعية والقومية التى تتبلور فى المجتمع على مر العصور ، فى حين أنها مجرد تقاليد لا علاقة لها بالدين ، وعادةً ما يكون التعصب هو سبب للدفاع عن هذه التقاليد البالية المتغيرة والتى لا علاقة لها بالنصوص المقدسة مثل النقاب واللحية.
وتكمن أهمية التفرقة هذه والفصل بين ماهو عرفى اجتماعى وما هو نص مقدس ان هذا الأخير لا يتغير كمادة خام وإن تغير إدراكنا له ، أما العرفى فهو دائم التغيير والتحول ، فنحن ندور معه حيث دار ، أما النص الخام المقدس فهو يدور معنا حيث استدرنا بحسب متغيرات الواقع والمصلحة العامة .
فالتقاليد الإجتماعية هى إفرازات لنظام الإنتاج والإستهلاك ، والنظام الثقافى الحديث والنظام الإجتماعى ، وحينما تتغير دورة هذه النظام وتتبدل معالمه ، تتحول تلك التقاليد الى أعراف وتقاليد قديمة ورجعية تحول دون إحداث التقدم داخل المجتمع فينبغى العدول عنها .
والتيار المقابل فى الخطاب الدينى المعاصر هو تيار التجديد وهو ما ننادى به منذ أكثر من عقدين من الزمان ، حيث نرى أنه لا يمكن تقليد الأسلاف والقدماء ، وأنه إذا كنا لا نستطيع تجاهل هذا التراث أو إسقاطه من حساباتنا ، فإنه يجب بالقدر نفسه تجديده أو صياغته مجدداً ، فنطرح ما لا يتناسب مع واقعنا وعصرنا ومصالحنا العامة ونؤكد وندعم جوانبه الإيجابية ونجددها ونعيد صياغتها بالشكل الذى يتناغم مع عصرنا وواقعنا ، انه التجديد والإحياء الذى يجمع بين الأصالة والمعاصرة والمستقبل بين الموروث والوافد والمبدع .
ويخطىء من يظن أن العلاقة بين الذكر والأنثى تقف فقط حدودها لدى الإطار الجنسى فقط ، كلا .. انما هى علاقة ممتدة على جميع المستويات الحياتية للنفس البشرية ، وتلك هى إشكالية هذا النص .
وتثير إشكالية هذا النص العديد من التساؤلات التى تشبه الألغاز كلغز الموت ولغز الحياه .. فمن هى حواء ؟ من هى الأنثى ؟ من هى المرأة ؟ هل المرأة هى ذلك الكائن المقدس ؟ أم تلك الأنثى المقموعة ؟ أم انها حواء المتحررة المتجددة ؟
كما تثار الشبهات حول مدى مساواة المرأة مع الرجل فى العديد من المسائل مثل القوامة والميراث وشهادة النساء فى المحاكم وغيرها ومسألة الحجاب أو زى المرأة وحقها فى العمل ومسألة تعدد الزيجات .
و ما هو الإنتخاب الجنسى ؟ والتناكح فيما بين الأحياء كيف يفسر وكيف يتم وما هى صوره ؟ وما الذى يحدث ليلة الزفاف أو البناء ؟
ولعل من المسائل الهامة فى هذا السفر مسألة حقوق وواجبات الذكر والأنثى فى إطار العلاقة التناكحية . وتناول أيضاً الكاتب موضوع النكاح الكلاسيكى أو التقليدى والشروع فيه ومضمونه فى الشريعة الإسلامية . وهل يختلف نكاح الحداثة عن النكاح التقليدى ؟ فما هو النكاح العرفى ؟ وما هو نكاح المتعة ؟ وماهو نكاح المسيار ؟ وماهو نكاح العولمة ؟
– ومن المسلم به فى عالم الأفكار والأحياء أن كل بداية لابد لها من نهاية ، فما هى نهاية النكاح ؟ كيف ينتهى ؟ وماهو مستقبل التناكح فيما بين الأحياء ؟