كتبت سالي الصعيدي
تراه جالساً على قارعة الطريق، لا تكفيه ملابسه الممزقة لتقيه من حر الصيف ولا من برودة الشتاء القاسية بقدر كسرة الخبز التي يحملها في يده فلا تسمنه ولا تشبعه، تلمع في عينيه أحلام الطفولة التي سُلبت منه عندما شاءت الأقدار ووقع فريسة للتشرد، فلا طائرة ورقيّة يلهو بها كأقرانه، ولا مقعد مدرسة يبني له مستقبلاً واعداً ولا دفء أسرة يمنحه العيش بسلام، فسحقاً لآفة التشرّد التي تقلب موازين الإنسانية رأساً على عقب، وتترك الأطفال هائمين على وجوههم دون معيل أو كفيل أو راعٍ.من أهم أسباب تشرّد الأطفال التفكك الأسري الذي يرمي بالأطفال في عرض الشارع، وتخلّي الأم والأب عن دورهم المقدّس في رعايتهم، كما تلعب بعض الظروف في زيادة نسبة تشرّد الأطفال، وذلك من خلال انتشار عمالتهم، وتوليهم مهاماً أكبر من عمرهم بكثير، تتمثل في تحملهم مسؤولية الإنفاق على أسرهم، وخطورة تشرّد الأطفال لا تقتصر على ضياعهم في الطرقات، ونومهم خارج البيوت ودور الرعاية وحسب، وإنما يمتدّ إلى مشاكل أعقد من هذه بكثيرٍ، وتتمثل في انتشار ظاهرة التسوّل وما ينتج عنها من ظواهر خطيرة أخرى كالسرقة والجريمة والاستغلال الجنسي وغيرها من مشاكل.إن سأل سائل عن حل هذه المشكلة الخطيرة، فسيكون في تعاضد الحكومات والدول، وبالتنسيق الجماعي الذي يجب أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات والجمعيات الخيرية ودور الرعاية، وتبرز هنا أهمية دور الرعاية وقرى الأطفال وملاجئ الأيتام، لتكون ملاذاً آمناً للأطفال الذين لا يمكن أن يلتمّ شمل أسرهم، نتيجة موت الأم والأب، أو لكونهم أطفال مجهولي النسب.الأطفال أمانةٌ في أعناقنا جميعاً، وتربيتهم ورعايتهم هي حقٌ لهم وواجبٌ على الجميع، لأن الطفل الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى لنا من حقه أن يعيش طفولته على أكمل وجه، وأن يتلقى تعليمه حتى النهاية، وأن يعيش وسط نظامٍ أسريٍ مترابط، كي نربي جيلاً واعياً، لا يحمل في قلبه الحقد والضغينة تجاه مجتمعه وأفراده، ويكون في مجتمعه عامل بناء وتطور لا هدم وخراب.