أعزائى القرآء :
رؤوف جنيدي
لم يكن نصر أكتوبر نتاج أعمالَ قتالٍ دارت على مسرح العمليات فقط . بل كان نتاج فكرٍ وعقيدةٍ وفلسفة فى إدارة كافة شؤون القوات المسلحة سلماً وحرباً … فهكذا كان يفكر قادتى .. وإليكم بعضاً مما تعلمناه على أيديهم ..
١_ ( لا يعنينا كم بذلت من جهدٍ في طريقك للهدف ولكن كل ما يعنينا أن تصل ) .
تلك مقولة كانت تمثل دستور عملٍ داخل صفوف القوات المسلحة ونهجاً عسكرياً حاسماً في فلسفة الآداء العسكرى وتنفيذ المهام . فلا اعتبار لمن هو في المركز الثانى . ولا قيمة لأى مجهودٍ بُذِل ولم يصل بك إلى الهدف المنشود . فلا تحكي مثلاً : كم عانيت من جهدٍ فى مد الكابلات والأسلاك والأعمدة والمحولات والتوصيلات الكهربائية التي أقمتها . ولكن قل لي أن المصباح قد أضاء …. لا تحكي مثلاً : عن محطات رفع المياه والفلاتر والمحابس والمرشحات والمواسير الرئيسية والفرعية التي أقمتها . ولكن قل لي أن الصنبور قد تدفق منه الماء . فإما أن تصل لهدفك أو لا تصل . الثانى في ترتيب السباق لايختلف كثيراً عن الأخير . وغالباً ما كان يُحاسب على عدم وصوله . لدينا نقطتين : نقطة انطلاق ونقطة وصول . أما الطريق بينهما فهذا شأنك أنت تقطعه بالطريقة التي تحلو لك . لن نشفق عليك فيما قد تعانيه في رحلة الوصول . ولكن نحملك فوق الرؤوس تقديراً وإحتراماً إن وصلت . نريد أن تقع الطلقة فى قلب الهدف ولا يعنينا أنها سقطت بالقرب منه . فقد يكون لديك طلقة واحدة . فالقتل خير من الإصابة . والتدمير خير من التعطيل .
٢ _ ( إذا اختل نظام العمل أثناء غيابك فأنت قائد فاشل ) …
وهو ما يعنى الإيمان المطلق بحتمية استمرار الآداء الجماعي للوحدة ككل . وألا يتوقف دولاب العمل في الوحدة بغياب قائدها . فالبقاء للوحدة وليس للقائد . ومن المقطوع به أن تبقي الوحدة في أعلى حالات جاهزيتها سواءً بالقائد أو بمن ينوب عنه . حتي أنه في بعض مشروعات تدريب الوحدات كانت لجان التفتيش تفرض وبشكل مفاجئ موقف ( استشهاد القائد ) يتم بعدها تصعيد النائب ليتولى القيادة ثم تراقب لجان الإختبار والتفتيش كيفية آداء النائب فى إستكمال إدارة الأعمال التى بدأها القائد . فإن وُفق في الآداء أوصت اللجنة بأنه يصلح لقيادة هذه الوحدة أو وحدة أخرى من نفس التخصص عندما يحل دوره القيادى . لذا كان على القائد وكل مسؤول أن يخلق الكوادر البديلة التى تكمل المسيرة حال غيابه أياً كانت أسباب غيابه . فلا القائد ولا الرئيس ولا المدير ولا أى مسؤول على أى مستوى يظن أنه بتفرده ومركزية إدارته هو بذلك يخدم الصالح العام .. كلا …. بل هو في الحقيقة يضر به ..
٣ _ ( القرار الصحيح ولو بنسبة ٧٠ ٪ الذى يصدر في الوقت المناسب . أفضل من قرار صحيح بنسبة ١٠٠ ٪ يصدر فى الوقت الغير مناسب ) ..
وهي مهارة وحرفية اتخاذ القرارات . فليست البراعة في فحوى القرار بقدر ماهي في توقيته . فالكل يُقرر ولكن ليس الكل يُحسن طبيعة القرار ومدى تزامنه مع الموقف المُتَّخذ من أجله حتي يحقق القرار أعلى درجات الإستفادة منه . وأن يكون أكثر تطابقاً مع الموقف الجارى . حتي أن بعض القرارات إن تأخرت عن التوقيت المناسب فالأفضل حجبها .. فقد تضر أكثر مما تنفع .. فما قيمة أن أطلق الرصاصة بعد أن غادر العصفور الغصن .. إلا استهلاك ذخائر فى غير محلها ..
٤ _ ( من تقدم دون أوامر كمن إنسحب دون أوامر ) ..
هو الإخلال بالعمل الجمعي المتكتل .فالحماس الزائد قد يضر كما يضر التخاذل والتراخي . فضلاً عن أن الإندفاع المفاجيء الغير مدروس قد يجبرك على ملاقاة عدو لست في كامل استعدادك لملاقاته . وانسحابك أيضاً الغير مؤمن والغير مستور قد يؤدى إلى ضياع الوحدة كلها بين حالة من الإرتباك وتخبط القرارات . فالهدوء وإتزان المشاعر الحماسية من سمات بل من ضروريات الجندية الحقيقة التى تجبر العدو على أن يهابك . وأعلم أن غموض موقفك عنه يمثل له نوعاً من الردع الصامت .
٥_ ( القيادة والمسؤولية ليست تمضية وقت والسلام ) .
وهو ما يعني كيف كانت الوحدة من قبل . ثم كيف أصبحت بعد أن تولي أمرها قائدٌ جديد . ماذا قدم لها هذا القائد . وإلى أى مدى ارتقى بها وطور من قدراتها القتالية واستعدادها لتنفيذ المهام . وتحقيقاً لهذه الجزئية كانت تخضع الوحدة تحت قيادة القائد الجديد وبعد فترة من توليه . لتفتيشٍ صارم ودقيق على كل جوانب الوحدة . للوقوف على حقيقة ما أضافه هذا القائد للوحدة مقارنةً بتفتيش أُجرى عليها فى وجود القائد السابق . فإذا رأت لجنة الإختبار تطوراً إيجابياً مُرضياً كان تقريرها إلى الجهات المختصة بمثابة توصيةً مؤكدة بتصعيد هذا القائد إلي الوظائف الأعلى . أما إن كان غير ذلك . فليعتبر هذه الوحدة هي آخر وظائفه القيادية .. فالقيادة كانت تُسند للأكفأ دون أى اعتبارات أخرى . وليس تصعيداً تلقائياً لكل من حل عليه الدور الوظيفي … لأنها حرب وليس شغلاً للمقعد والسلام ..
٦ _ ( يجب أن يتم تدريب القوات كما لو كانت تحارب . لأنها ستحارب كما تدربت )
وهو ما يعنى الواقعية فى تدريب القوات . وتدريبها على كل ما هو ضرورى للحرب . وهو ما تم تنفيذه بالفعل . فقد تم تدريب القوات على عبور الموانع المائية وتسلق السواتر الترابية . وتدريب الجنود على حمل أوزان كبيرة من الأسلحة والذخائر . والتدريب أيضاً على استخدام مضخات المياه . وهو ما وضح جلياً فى آداء القوات فى الحرب . فالقوات خاضت الحرب بحرفيةٍ وثقة وكأنها تُجرى تدريباً إعتيادياً …
٧ _ ( فِكْر القائد ) …
وهو ما كان يعني ( كيف يفكر القائد ) . وكم يتمتع هذا القائد بقدرات ابداعية وابتكارية خارج السياق التعليمى و الأكاديمى . وإلي أى مدى يرتقي هذا القائد ويسمو بعقليته وطريقة تفكيره فوق علمه ودراساته . وكيف يتصرف حال فقده كل وسائل إتصاله بقيادته الأعلى وكيف يدير اعمال قتاله منفرداً . فكان لابد أن يتمتع القائد بعقلية مبتكِرة وخلاقة . فمن المنطق ومن الطبيعى أن ينتصر طرف على طرف في أى عملية عسكرية . ولا شك أن كلا القائدين خطط وأعد ووضع لقواته كل ضمانات النجاح . ثم فى النهاية ينتصر قائد وينهزم قائد . فما انتصر إلا من تفوق بفكره على دراساته . ما انتصر إلا من قفز بوعيه وإدراكه فوق الحدود التقليدية للتفكير . ما انتصر إلا من فكر بطريقة لم يتوقعها منه خصمه . وأتى فى الميدان بما لم تأت به الكتب والمراجع . وهو ما نسميه التفكير خارج الصندوق .. أو بالأحرى من ليس لديه أصلاً صندوق ..
الإخوة الأعزاء : هذا جزءٌ من كل . وغيضٌ من فيض . ولا تختلف القوات المسلحة عن أىٍ قطاع من قطاعات الدولة المدنية . فلو أننا استلهمنا هذا الفكر في إدارة القطاع المدنى بالدولة لحققنا نجاهاتٍ مبهرة .. ولأصبح القلم فى يد المعلم بندقية . وأصبحت المسطرة فى يد المهندس بندقية . وأصبحت السماعة فى يد الطبيب بندقية . ولصار لدينا جيشان ..
جيش بزىٍ عسكرى
وجيش بزىٍ مدنى