كتب إياد رامي.
الوضع في ليبيا معقد ومتشعب وكي نفهم موقعنا علينا أن نلم بالصورة الكاملة لخريطة الصراع وأطرافه المختلفة
نحن جزء من الكل، مصر لن تقبل بتهديد حدودها الغربية وأمنها القومي، ترقب حذر من قبل الناتو بعد أن كرر رئيس فرنسا ماكرون علناً وصفه لحلف الناتو بأنه في حالة موت سريري، بسبب تجاوزات تركيا (يمهد لما هو قادم )، بعد أن تلكأ الناتو في الرد على الشكوى الفرنسية نتيجة تعرض سفينة فرنسية لتحرش تركي في مياه المتوسط كانت فرنسا تستطيع الرد اعسكريا بكل حسم ..
إستغل الفرصة التي منحها له أردوغان، وأعلن ماكرون بذكاء ودهاء، وكرر أن الناتو ميت سريريا .. لا توجد صفعة أقوى من ذلك !
تصريحات ماكرون تجعل دور الناتو في ليبيا ينهار تمهيداً لدور فرنسي أكبر ، قد يكون القيام بدور الناتو المتردد والذي يعاني من الضعف، يخطط ماكرون لنشر قطعاً من الأسطول الفرنسي في قبرص واليونان منفرداً، وهذا يعني ببساطة أن الناتو إنتهى واقعياً ..
ما يجري في أروقة البيت الأوروبي في”بروكسل” وما تبذل من جهود كبيرة بما فيها أمريكية وألمانيا، الهدف منها هو إقناع باريس بعدم إتخاذ هذه الخطوة وتأجيلها، لا شك أن ماكرون يريد إنهاء فترة رئاسته الأولى وقد ضمن لفرنسا تولي مقاليد الدفاع عن الأمن القومي الأوروبى، بما يعنيه من ” نفوذ ومليارات”، واستعادة مجد الأجداد، يناور لأسباب داخلية فرنسية بحتة، ويعتبر أن مسألة السيادة هي قضية فرنسا الأولى ، ويسير على خطى الرئيس الفرنسي “شارل ديجول”، في نفس الوقت يعزز “ماكرون” موقف ” ترامب” المشكك في الناتو.
حالياً هناك إلتزام معلن ورسمي وواضح من مصر أقوى قوة عسكرية عربية، وأقوى قوة عسكرية أوروبية وهي فرنسا بوقف خطط التمدد التركي في ليبيا، حتى الآن فضّل الاتحاد الأوربي فرض عقوبات رمزية على تركيا بسبب أعمال التنقيب عن الغاز في المتوسط، لكن عناد أردوغان سيجعل المدافعين عنه في مقر الإتحاد الأوربي في بروكسل في موقف صعب جداً، الممثل الأعلى الأوروبي “جوزيب بوريل” أعلن عن زيارة كل من اليونان وقبرص، للوقوف مع الدولتين في مواجهة سطو أردوغان وتحرشه الدائم بالمياه الإقليمية للدولتين الاعضاء في الإتحاد الأوروبي، وصرح مستشار النمسا “سيباستيان كورتز” أنه يجب وضع حد للإبتزاز التركي، والذي يتوافق مع الرؤية الفرنسية، رغم رئاسة توليها رئاسة الإتحاد، وهيمنة برلين على القرار المالي للإتحاد الأوربي، وفرنسا تذّكرها من اليوم أن أي تساهل مع تركيا سوف يتم رفضه بكل شدة وعنف.
لن يترك الفرنسيون تركيا نهائياً تعربد في شمال أفريقيا والساحل الأفريقي مهما كان الثمن الذي سيدفعه الناتو، ليبيا مجرد عامل محرك للصراع ومثير للعاب الطامعين، فرنسا لن تضحى بنفوذها الأفريقي من أجل عيون الناتو، فرنسا تدافع بشراسة عن مصالحها، ماكرون خلال المؤتمر الصحفي قرأ كلمةً مكتوبة حول تركيا، كل عبارة إختيرت بدقة وأعدت مسبقا، وعلى أردوغان أن يختار بين التراجع أو العناد والتصعيد، ملايين اليورو من الأموال الأوروبية قد تتوقف ولا تأشيرة للأتراك وتدابير قاسية أخرى تجهز لها فرنسا، لا شك أن ماكرون يستفز أردوغان، ويجره بوضوح نحو “الحفرة” وليس” الجفرة “، لا شك أن الدبلوماسية الفرنسية الأكثر دهاء في أوروبا بشهادة التاريخ، سقط أردوغان في فخ فرنسا، وأعلنت تركيا إعتقال 4 أشخاص بتهمة التجسس لصالح فرنسا، الدول التي حولت حلم تركيا الأوربي لكابوس، النمسا وفرنسا، وهولندا، والدنمارك ، وساعدت في الإستبعاد النهائي .
السيناتور الديمقراطي الأمريكي “روبرت مندينيز” وجه خطاب إلى وزير الخارجية الأمريكي”مايك بومبيو” طالبه بفرض عقوبات على تركيا لمعاقبتها على تدخلاتها في شئون دول الشرق الأوسط، وعلى تحركاتها العدائية شرقي المتوسط.
شخصياً أراقب تدهور أداء الناتو وضعف بنيانه (وهو ما يستغله أردوغان)، وتزيد من انقساماته الداخلية في وقت تضرب فيه جائحة كورونا عمق موزانات الدول الأوروبية وتمنعها من التوسع في الإنفاق العسكري، وتشكك ترامب في قوة الناتو، فلقد خطط الناتو بأن يجعل من ليبيا نقطة الإنطلاق لإدارة الأمن العالمي2011، ومباشرة بعد الحرب الباردة وتراجع روسيا، قام بتدمير الدولة الليبية كنموذج مدروس ومخطط له منذ ولاية “نيكولا ساركوزي”، وها هي الأزمة الليبية تهدده في كيانه نفسه، خرج الإستعمار مِن أوطاننا منذ وقت طويل لكنه لم يتركها فقد زرعَ فيها إستعمار آخر، هو أحرص على مصالحه منه وأكثر قمعاً بشعوبنا، وطامع في خيراتها وثرواتها، وأشدّ فتكاً بأوطاننا منه، الخطر الداهم علي أحلام أجيال الغد، بعض الدول في ورطة، خاصة العربية لا هي قادرة أن تعلن تضامنها مع مصر وتغضب حبيبها أردوغان، و لا هي قادرة أن تجهر بتأييدها لأردوغان وتدخلاته في ليبيا وتفضح نفسها أمام شعوبها والتاريخ، الصراع بين فرنسا وتركيا ظهر جلياً وبات واضحاً، وأصبح اللعب علي المكشوف، والناتو الضحية.