وأخيرا هزمني الحب، أعرفتم قيمة الحب؟
كتب: فهيم سيداروس
ولدت فى أُسرة فقيرة تشتهي الخبز الجاف! عددنا سبعة بنات وولد هو أنا، أذكر يوماً أن رأيت إخوتي يبكون من الجوع، والبرد القاسي يأكل أجسادهم، ونظرت إلى أُمي فرأيتها حزينة، حدث ذلك عندما كنت أجلس فى طرف الغرفة المظلم ومشاعر حقد على المجتمع تتملَّكني!
وعندما تساءلت: لماذا يتركنا الله نهلك جوعاً؟! قالت أُمي: ربنا يفرجها، ده ربنا كبير، فانفجرت غاضبا
قلت: أين هو ربنا؟!
قالت: هو يرى كل شيء؟ فازددت غضباً
قلت لها: إذاً، لماذا يرانا نبكى ويقف صامتاً؟! ومنذ ذلك اليوم قررت أن أعيش ملحداً! والكون سيكون لي وحدي والجميع عبيد لي! وكانت هذه الفكرة هي بداية معركتي مع الحياة.
بدأت أعمل بكل قوَّتي ليزداد أجري، وقرَّرت ألاَّ يكون لي صديقاً، فلا يوجد أنسان سيشعر بي وبما عانيته، ولا حتي الله، فتاجرت فى محل صغير للأدوات الكهربائية، وكبر المحل واتسعت تجارتي، وجعلت أبي يتوقف عن العمل وإفترشت الإبتسامة شفتي أُمي، وظهرت أخواتي كالأميرات فى ملابسهن الجديدة.. وكان المال هو سندي الوحيد في الحياة.
أتسع العمل أكثر وشهد الجميع لذكائي، وتقدّم الكثير طالبين مساعدتي، سواء فى العمل أو طلب الزواج من أخواتي البنات، ورفضت الجميع فلا يوجد أحد يستحق الإنتفاع من أعمالى، ولا الإقتران بأحد أخواتي، والأهم أن أكون أنا صاحب القرار في كل شيء، حتى أخواتي إخترت لهن أزواج من عمالي لأجعلهن صاحبات القرار فى بيوتهن.
وقد كان! وعشن أميرات فى بيوتهن وأزواجهن عبيداً لهن!
وجاء دوري لأتزوّج فاخترت ” أنجيلا ” ابنة تاجر كبير أتعامل معه، رأيتها فى بيت أبيها وأعجبني هدؤها وجمالها.. فتزوَّجتها ولكنّي عاملتها كالعبدة، أو الأسيرة، فكنت أُهينها وأسبها لأتفه الأسباب، وكثيراً ما ضربتها بقسوة، ولكنها كانت حكيمة فلم تترك البيت يوماً، ولم تشتكِ لأبيها، ولم تهينني، فقط كانت تنظر إلي نظرة غريبة ممتزجة بمشاعر لم أجد تفسيراً لها، وعندما كنت أُفكر في سر إحتمالها وعدم معاملتي بالمثل، لم أعثر على رد مقنع، ولكنى وصلت إلى شىء واحد: هذه الإنسانة مختلفة!
سنوات مضت.. وأنا لم أُنجب، فشعرت أنَّ شيئاً ما يحدُث ضد رغبتي، فلمَّا تساءلت: لماذا؟ عرفت الإجابة: حضرتك لا تستطيع الإنجاب، ولكن الأمل موجود، فسافرت كثيراً ودفعت الكثير المهم أن أكسب التحدّي، ووسط كل هذا وجدت زوجتي كعادتها هادئة، وكنت أراها كثيراً وهي واقفة مغمضة العينين وغارقة فى الصلوات، ولكنّي لم أهتم.
لقد مرّت عليَّ سنوات كنت أشعر فيها بأنَّني الأقوى، ولكنِّي بدأت أشعر بضعف واحتياج إلى صديق يُساندني ويقول لي: لا تقلق! وطال البحث لدرجة فشعرت بأني هُزمت فى هذه الجولة! وهنا رفعت رأسي كما لو كنت أتحدّى الله وقلت: ها أنت كسبت هذه الجولة ولكن لا تنسى أنّني فزت من قبل ونحن الآن متعادلان!
فى يوم قالت لي زوجتى: لديَّ مفاجأة لك، هيا بنا، فخرجت معها وذهبنا إلى ملجأ أيتام قريب من بيتنا وهناك رأيت ما يعجز لساني عن وصفه! لقد انطلق الأطفال نحو زوجتى وصافحوها مبتسمين وهم يقولون: وحشتينا يا ماما.. جبتلنا أيه معاكِ؟ وفى ثوانٍ معدودة وجدت كل الأطفال محيطين بنا فى شكل دائرة
ووجدت زوجتى تقول لهم: أُقدّم لكم عمو، زوجى الَّذي كان يُرسل لكم الهدايا وأنا عارفة أنكم كنتم تريدون رؤيته، فسمعت تصفيقاً حاداً ورأيت الجميع يتركون زوجتي واتَّجهوا نحوي، وبصوتهم الملائكيّ كانوا يشكرونني قائلين: متشكرين جدَّاً يا عمو.. إحنا بنحبك أوي.. وكنَّا مستنينك من زمان.. أنت طيب يا عمو وقلبك كبير!
اهتزت الأرض تحت قدميَّ، وتاهت ملامح الوجوه الملتفّة حولي، وتداخلت الأصوات في أُذنيَّ، ولم أشعر بنفسى إلاَّ وأنا سائر في الشارع ممسكاً بيد أنجيلا، ناظراً إلى سحابة صغيرة تظهر بين أسطح بعض المنازل فى نهاية شارع طويل نسير فيه، وشىء كالقشور يتساقط من عينيَّ سائلاً زوجتى بصوت منخفض: كلمينى عن الله وعنك!!
أعرفتم قيمة الحب؟ أعتقد أنَّ الحياة لا يمكن أن تُعاش بدون حُب، ولو نظرنا إلى كل المشاكل لوجدنا أنَّ سببها نقص في الحب، ولهذا قال مُعلّمنا بولس الرسول: ” إِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً ” (1كو13:3)