محمود سعيد
الزواج له مقاصد عظيمة، شرع من أجلها، منها تحصين كل من الزوجين الآخر، والتمتع المشروع، وتكثير النسل، وتنشئته تنشئة صالحة، والقيام بمصالح الضعفة من النساء، والأطفال، وغيرها من المصالح، والمقاصد في المعاش، والمعاد.
ولذا كان عقد الزواج من أغلظ المواثيق؛ لأنه عقد متعلق بذات الإنسان، ونسبه، ويكفي في الدلالة على تكريم هذا العقد أن الله سبحانه وتعالى وصفه بالميثاق الغليظ، ولم يرد هذا إلا في عقد الزواج، قال تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:21}، وفيما أخذه الله على بني إسرائيل من الإيمان به، واتباع رسله، قال سبحانه: وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {النساء:154}، وفيما أخذه الله على أنبيائه من مواثيق، قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا {الأحزاب:7}، فعقد الزواج الأصل فيه أن يعقد للدوام، والتأبيد؛ ليتسنى للزوجين تحقيق مقاصده، وينعمان في ظلاله؛ ولذا ندب الله سبحانه وتعالى الأزواج إلى إمساك زوجاتهم، وإن كرهوهنّ، فقال سبحانه وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، قال ابن العربي في الآية: المعنى إن وجد الرجل في زوجته كراهية، وعنها رغبةً، ومنها نفرةً، من غير فاحشة، ولا نشوز، فليصبر على أذاها، وقلة إنصافها، فربما كان ذلك خيرًا له. انتهى. وقال ابن الجوزي في الآية: وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهية لها، ونبهت على معنيين:
أحدهما: أن الإنسان لا يعلم وجوه الصلاح، فرب مكروه عاد محمودًا، ومحمودٍ عاد مذمومًا.
والثاني: أن الإنسان لا يكاد يجد محبوبًا، ليس فيه مكروه، فليصبر على ما يكره لما يحب. انتهى.
فالأولى بالمسلم أن لا يكون ذواقًا مطلاقًا، وأن يصبر على زوجته، وإن رأى ما يكرهه منها، فإن الخير ربما كان في الصبر على ذلك، وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يَفْرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا، رضي منها آخر. والفرك هو البغض، فما بالك إذا كان الطلاق لغير نفرة من المرأة، أو بغض لها، فإن الكراهة تتأكد! فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أم سعيد، وهي سُرِّية كانت لعلي -رضي الله عنه- قالت: قال علي: يا أم سعيد، قد اشتقت أن أكون عروسًا، قالت: وعنده يومئذٍ أربع نسوة، فقلت: طلّق إحداهن واستبدل، فقال: الطلاق قبيح أكرهه.
وقد ذهب عامة أهل العلم إلى كراهة الطلاق من غير حاجة، بل ورد عن الإمام أحمد رواية أنه يحرم؛ لأنه ضرر بنفسه، وزوجته، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما، من غير حاجة إليه، فكان حرامًا، كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر، ولا ضرار. وقال ابن تيمية: والطلاق في الأصل مما يبغضه الله، وهو أبغض الحلال إلى الله، وإنما أباح منه ما يحتاج إليه الناس، كما تباح المحرمات للحاجة. انتهى.
فعلى الزوج أن يحرص على بقاء عقد الزوجية عند عدم وجود المفسدة المحضة، والضرر المجرد من بقائه، وعليه أن يتقي الله في زوجته، ويعاشرها بالمعروف، فإن ذلك خير له.
وعلى أولياء النساء أن يتقي كل منهم الله في موليته في اختيار الزوج الصالح لها المعروف بدِينه، وخلقه، وأن يتجنب تزويجها ممن عرف عنه الطلاق تذوقًا، وتشهيًا.
وعلى الزوجة أن تتودد إلى زوجها، وتتقرب إليه بكل زينة، ومتعة، تحببها إلى زوجها، مما يجعله حريصًا عليها، ومتعلقًا بها، فربما أراد طلاقها، فبحسن عشرتها، وتوددها له، قد تصرفه عما أراد.
وأما ما روي في شأن الحسن بن علي -رضي الله عنهما-، فقد روى ابن أبي شيبة أن علي بن أبي طالب قال: يا أهل العراق، أو يا أهل الكوفة، لا تزوجوا حسنًا، فإنه رجل مطلاق. وروى أيضًا أن عليًّا قال: ما زال الحسن يتزوج ويطلق؛ حتى حسبت أن يكون عداوة في القبائل.
ويكفي في هذا أن أباه لم يرض عن فعله، بل إننا لا نعلم الباعث للحسن على ذلك، وفعله ليس بحجة، بل ما ندب الله رسوله إليه من إمساك النساء، حتى مع كرههنّ، هو الأصل الذي ينبغي للمسلم التمسك به.