نورهان تُبهرُ الجميع
كتب – محمود الهندي
في أحداث مسلسل بين السما والأرض ، أبهرتنا الفنانة الشابة نورهان ، بهذا الأداء الرشيق ، والحضور المتميز ، وطريقة السهل الممتنع ، بلا صخب ولا ضجيج ولا مُبالغة ، والانتقال السلس والهادئ بساطة وتلقائيه، وتناغم حركي ، ولغة جسد رشيقة .
وفي تقديري ، سيبقي مشهد الولادة بالأسانسير ، وحالة الشَجن غير العادية ، التي حركت جنباته ، واستمالت القلوب ، سيبقي علامةً فارقة في حياة نورهان الفنية .
إننا اليومَ أمامَ فنانة شابة قضت رحلةً مع الفن ، ليست بالقصيرة ، وأعطته كثيراً ،ولم تأخذ منه حتي وقتنا هذا .
تميزت في كلِ أدوارها ، منذُ بداية ظهورها في التسعينيات ، بالطلة الجميلة ، والعيون الساحرة ، والملامح الحنونة ، فكانت نجمةً مكتملة المواصفات ، وفتاة أحلام جيل بأكمله ، ولا ننسي أعمالها ، التي تركت بصماتٍ واضحةً ، في سوق العصر ، والحاج متولي ، والعصيان ، وغيرها من عشرات الأعمال .
اتسمت أدوارها جميعاً بالاحترام ، وهو اصطلاح قد لا يروق للكثيرين من أهل الفن ، ولا أعرفُ لماذا ، فالاحترام لا يتعارضُ يقيناً مع الموهبة والإبداع ، ولماذا يُسوق لنا بعضُهم أن الفن يجب أن يبقي هكذا بلا ضابط ولا رابط ، بلا حواجز !! حتي وصلنا ، وعلي سبيل المثال لا الحصر إلي مثلِ هذه النماذج المُحزنة ، فقط في دراما رمضان الجاري :
* أختُها حامل ، و من غير خطيبها ( ضد الكسر )
* بنت الكابتن حامل ، وبدون زواج ( ضل راجل )
* الأم تمارس الهوي ( ملوك الجدعنة )
* الغجرية مرافقة إبن كبير الغجر ( نسل الأغراب )
* قُصة الشعر العجيبة للسيدة المتنكرة في ثياب رجل صعيدي ( وكل مانفترق ) .. وغيرُ ذلك الكثير .
أعودُ مرةً أُخري إلي نورهان ، و أتساءلُ ، ولعلكم تتساءلون معي ، نجمةُ بهذه المواصفات القياسية ، لماذا لم تُفرد لها أدوار البطولة إلي الآن ..؟ في وقتٍ تُطلُ علينا ممثلات ، متواضعات المستوي ، يأخذن أدواراً كبيرة ومساحاتٍ واسعةً ، وهن لا يمتلكن الحد الأدنى من الموهبة ، أتُراها الواسطة التي أفسدت كلَ شئ ؟ أم هي أشياءُ أُخري ، سترها اللهُ ، ولا يعلمُها الناس .
نورهان لِمَنْ لا يعلمُ ، ممثلة ومخرجة ومدربة كوادر فنية ، ولها في هذه المجالات جميعاً ، نجاحات كبيرة ، إذن هي تعلمُ تماماً ماذا تقول ؟ وكيف تقول ؟ فأين هي من المقام اللائق في الساحة الفنية ؟ وأين المكانةُ التي يجبُ أن تتبوأها ؟
لقد أصبحنا أمام مشهد إعلامي غريب وعجيب ، لا يُنصَفُ فيه الموهوبون ،مشهد ، لا يُعبر عن واقع ، ولا تُراعي فيه حُرمات ، البلطجة فيه جدعنة ، والفقر الإبداعي والركاكة ، سمة سائدة ، والمجاملة واقعٌ لا مفرَ منه ، حتي وجدنا أن منهن من قالت : بفلوسي ، ومنهن من قام زوجها المخرج ، بطلاء كل الفنانات باللون الأسود ، وتركها وحدها ، دونَ غيرِها ، بيضاءَ تسرُ الناظرين !! ولم ينسَ أيضاً أن يُقدم دوراً لشقيقته ، ويشكر والديه في تتر المسلسل !!
لماذا لا يتنبه القائمون علي العمل الفني في مصر ، من منتجين ، وكوادر فنية ، إلي هذه المسئولية الجسيمة ، مسئولية الاختيار ، اختيار الأنسب والأصلح والأصدق ..
إننا ننفقُ المليارات علي مشهدٍ إعلامي مرتبك ، سواء برامج أو أعمال درامية ، ورغم إنفاق هذه المليارات عليها ، إلا أنها في الحقيقة مُفلسة ، فنياً وإبداعياً ، لا طائلَ من ورائها ، فضلاً عن مردوداتها المجتمعية السلبية ، لماذا ؟ لغياب المصداقية والموضوعية ، وطُغيان المجاملات ، ولأن الأمر يتولاه غيرُ أهله .
أين أعمالُ الماضي التي كان يُنتقي لها أفضلُ العناصر ، ويكتبها أمهرُ الكُتاب ..؟
أين الدراما الحقيقية ، التي كانت تبهرُنا ، وتحترمُ قيمَنا وعاداتِنا .. ؟
لماذا أضحت هذه المهنة ، عبثاً في أيدي قلة ، لا تعلمُ شيئاً عن الإعلام الهادف ، الإعلام الذي يغرسُ القيم ، ويستنهضُ الهمم .. ؟
أقول لنورهان : لقد أبكيتينا جميعاً ، بأدائك الصادق ، وحضورك المتميز ..
أنتِ نجمة فريدة ، تزدادُ تألقاً وتوهجاً مع الأيام ، وأتوقعُ لكِ انطلاقة حقيقية ، نحو بطولة انتظرها الناس ، تأخرت ، لكنها حتماً ستأتي .
وأقول لصُناع الدراما ، طوروا أدائكم ، وكونوا صادقين مع أنفسكم ، فقد انفض الناسُ من حولكم .
أقولُ لهم : ابحثوا عن نورهان ، وعن من هم علي شاكلتها ، لعلكم تعودون إلي جادة الصواب .