بقلم : د. محمد احمد عبدالحميد
تسمى أيضًا: نظرية مراحل التطور الاقتصادي، روج لها روستو في كتابه: “مراحل النُّمو الاقتصادي“، الذي استحوذ على اهتمام كبير في أوساط المتخصصين بقضية التنمية والدخل،
يقول عنه ريمون أرون: “لقد أقبل العالم كله على قراءة هذا الكتاب، وأصبح التمييز بين مراحل النُّمو الاقتصادي بغضِّ النظر عن التناقض بين النظم السياسية شيئًا عاديًّا”.
وبالرغم من أن روستو في هذا الكتاب لم يُعنَ أساسًا بتحليل قضية التخلف بالبلاد المتخلفة، فإن نظريته قد استخدمت بعد ذلك كاتجاه متميز في تفسير التخلف، والفكرة التي قدمها روستو هنا تتلخص في أن النُّمو الاقتصادي يتكون من مراحل معينة ذات تتابع زمني، بحيث إن كل مرحلة تمهد الطريق أوتوماتيكيًّا للمرحلة التي تليها،
وهذا يعني أن على البلدان المتخلفة أن تعيش نفس الطريق الذي مشته الدول المتقدمة في الفترة ما بين 1850 – 1950، حتى تقطع هذه المراحل وتصل إلى المجتمع الصناعي فما بعد الصناعي، وحسب روستو يمكن أن ينسب أي مجتمع من حيث مستوى تطوُّره الاقتصادي إلى إحدى المراحل الخمس:
• مرحلة المجتمع التقليدي.
• مرحلة التهيؤ للانطلاق.
• مرحلة الانطلاق.
• مرحلة الاتجاه نحو النُّضج.
• مرحلة الاستهلاك الوفير.
ويرى روستو أن هذه المراحل ليست إلا نتائج عامة مستنبطة من الأحداث الضخمة التي شهدها التاريخ الحديث.
المرحلة الأولى: مرحلة المجتمع التقليدي، وتتميز باقتصاد متخلف جدًّا يتسم بالطابع الزراعي، ويتبع أهله وسائل بدائية للإنتاج، ويلعب فيه نظام الأسرة أو العشيرة دورًا رئيسيًّا في التنظيم الاجتماعي، كما أن الهيكلة الاجتماعية مؤسسة على الملكية العقارية، ويستند نظام القيم إلى “القدرية ومعاداة التغيير”،
أما الناتج الوطني فإنه يقسم لأغراض غير إنتاجية، وقد ضرب روستو مثالاً لدول اجتازت هذه المرحلة؛ كالصين، ودول الشرق الأوسط، ودول حوض البحر المتوسط، وبعض دول أوروبا في القرون الوسطى، هذه المرحلة عادة ما تكون طويلة نسبيًّا، وتتميز بالبطء الشديد.
المرحلة الثانية: مرحلة التهيؤ للإقلاع أو الانطلاق، لا تختلف هذه المرحلة الجديدة – من حيث البنيان الاجتماعي والقيم والمؤسسات السياسية اللامركزية – اختلافًا جذريًّا عن مرحلة المجتمع التقليدي، ولعل الفارق الرئيس بين المرحلتين لا يعدو أن يكون فارقًا في طبيعة حركية المجتمعين؛ فحركية المجتمع التقليدي لا تتعدى أطرَ ذلك المجتمع؛ لأنها حركية داخلية جزئية بالضرورة، بينما تتميز مرحلة المجتمع المؤهل للانطلاق بظهور نوازع للتحول الجذري، تحول في المؤسسات السياسية – الاقتصادية، وتوسيع آفاق المصالح الفردية والجماعية التي تدفع بأفراد المجتمع إلى العمل المثمر، وإلى أخذ المبادرة.
المرحلة الثالثة: مرحلة الانطلاق، مرحلة حتمية في عملية النُّمو، فإذا تعطلت العقبات التي تعترض سبل التنمية، دخل المجتمع مرحلة الانطلاق، وهي المرحلة التي تسيطر فيها القوى الفاعلة لأجل التقدم في كل مرافق الحياة، فيصبح النُّمو والتنمية ظاهرة طبيعية في المجتمع،
وهنا تختلف الحوافز الدافعة في هذا الاتجاه، غير أن أنماط التجارِب التاريخية أظهرت فعالية عاملين رئيسيين: التكنولوجيا، والثورة السياسية، بمعنى انتقال الحكم السياسي “إلى جماعة تعتبر تحديث الاقتصاد قضية جدية، وتعطيها المقام الأول بين القضايا السياسية”، وفي هذه المرحلة ترتفع نسبة الاستثمار من خمسة إلى عشرة بالمائة، فتتوسع الصناعات الجديدة بسرعة وتنشط ويتم تصنيع القطاع الزراعي.
المرحلة الرابعة: مرحلة النضج، مرحلة تُعَد فيها الدول المتقدمة اقتصادية؛ حيث تكون قد استكملت نمو جميع قطاعات اقتصادها القومي، وتمكنت من رفع مستوى إنتاجها، ترتفع القدرات التقنية للاقتصاد المحلي، وتقام العديد من الصناعات الأساسية، وصناعات أكثر طموحًا من ذي قبل، وصناعات قائدة للتنمية؛ كصناعة الآلات الصناعية، والزراعية، والإلكترونية، والكيميائية، مع زيادة الصادرات الصناعية.
وقد حدد روستو أهم التغيرات التي تأخذ مكانها في هذه المرحلة، فيما يلي:
• التحول السكاني من الريف إلى الحضر، وتحول الريف ذاته إلى شكل أكثر حضارة.
• ارتفاع نسبة الفنِّيِّين والعمال ذوي المهارات المرتفعة.
• انتقال القيادة من أيدي أصحاب المشروعات والرأسماليين إلى فئة المدربين التنفيذيين.
• النظر إلى الدولة في ظل سيادة درجة من الرفاهية المادية وكذا الفردية على أنها المسؤولة عن تحقيق قدر متزايد من التأمين الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين
المرحلة الخامسة: مرحلة الاستهلاك الوفير، وهي المرحلة التي يبلغ فيها البلد شأوًا كبيرًا من التقدم؛ حيث يزيد الإنتاج عن الحاجة، ويعيش السكان في سَعة من العيش، وبدخول عالية، وقسط وافر من سلع الاستهلاك وأسباب الرخاء، ومن مظاهرها:
• ارتفاع متوسط استهلاك الفرد العادي من السلع المعبرة (سيارات…).
• زيادة الإنتاج الفكري والأدبي للمجتمع
نقد النظرية:
أجمع الاقتصاديون على فشل هذه النظرية في أمرين:
أولهما: إثبات صحة المراحل التاريخية، وثانيهما: في إمكانية انطباقها على دول العالم الثالث اليوم، يقدم روستو فهمًا بسيطًا يصور التخلف على أنه تأخر زمني لا أكثر ولا أقل، وبذلك يتجاهل فهم تاريخ الدول المتخلفة، زيادة على اعتباره البلدان النامية وكأنها طبقة أو فئة واحدة، وبصورة أكثر تحديدًا يفترض روستو أن كل هذه البلدان تتعرض لنفس المشاكل، وتعاني من نفس المعوقات، وتتطور تقريبًا بنفس الشكل في عمليتها التنموية؛
فروستو صوَّر لنا مراحل النُّمو الخمسة على شكل (محطة قطار) عن طريقها، وبالضرورة يجب أن تمر كل الدول السائرة في طريق النُّمو، زيادة على هذا فقد أغفل روستو ظرفًا هامًّا من الظروف المهيِّئة للانطلاق في الرأسمالية الغربية، وهو الاستعمار ونهب الثروات، الذي حققت عن طريقه مراحل ازدهارها وتقدمها، في الوقت الذي حرمها فيها الاستعمار من فرص تنمية ذاتها، زعمًا بأن الرأسمالية هي السبيل الوحيد للتنمية والازدهار