من ارشيف حرب اكتوبر
كتب / سيف الدين محمد
“عصام الحضري” كان سايق عربيته على طريق النصر، وهو عند المنصة خبط عربية راجل عجوز وأتلفها،
الحادثة دي حصلت بعد ما رجع منتخب مصر من أنجولا في فبراير عام 2010م، معاه كاس أمم أفريقيا للمرة السابعة في تاريخه والتالتة على التوالي، وكان “الحضري” واحد من نجومه؛ اللي راهن عليه الجهاز الفني وضمه ضد رغبة الملايين من مشجعي النادي الأهلي، بعد حادثة هروبه الشهيرة، وفعلا أبدع وكسب الرهان..
?الناس اتلمت زي النمل من كل حتة، احتشدوا، وانشقت الأرض عنهم وخرجوا حوالين الحادثة، اتوقف المرور وجت الشرطة وكلهم بيمسكوا في عربية السواق الغلطان، لكن بمجرد ما الإزاز الفاميه نزل، والشهود اكتشفوا شخصية “الحضري” الموقف اتبدل تماما، وحاولوا تخليص اللاعب من المشكلة بأي تمن، حتى لو هيضيعوا حق الراجل العجوز..
?طبعا دا بسبب إن الغلطان هو النجم الكبير، “البطل المصري” اللي ساهم في احراز كأس أمم افريقيا، اللهو الخفي اللي خلاهم يتنططوا في القهاوي ويزغرطوا ويصوتوا، وفجأة بدأ كل واحد يهدي النفوس
?وتحت نظر الجميع انذاك قاموا بتسريب “الحضري” في الزحمة، هربوه، وتكفلوا بتطييب خاطر الراجل، وكلمات من عينة “ربنا يعوض عليك” وكدا، وطلبوا منه ما يصعدش الموقف لان دا “عصام الحضري”، يعني حتى لو عمل محضر مش هينفعه، عشان نجم الكرة دا عنده بدل الضهر ألف ضهر، وله اتصال وطيد مع رموز النظام الحاكم وقتها..
?وكان فيه كلام زي “دا واجب عليك عشان مصر”! ،
وفي اللحظة دي تمثل الوطن في هيئة “عصام الحضري”! وفعلا خلع الوطن في عربيته بدون أي مساءلة قانونية، أو اعتبار لحالة الراجل العجوز؛ اللي عربيته راحت وهو نفسه كان هيروح..
✍ قبل الواقعة دي ب38 سنة، وبالتحديد في 8 يوليو سنة 1972م، صحيت مصر كلها على عناوين الجرايد، الرئيس “السادات” أصدر قرار جرئ جدا بطرد الخبراء السوفيت من مصر، العالم كله اتفاجئ باللي بالقرار دا، وشهد كل أبطال وقاده حرب أكتوبر بحتميه التخلص منهم قبل الحرب، ﻷن وجودهم عامل قلق أمني مخابراتي مصري،
?القرار دا قابله الروس بمنع قطع غيار الاسلحه الموجودة عندنا، علشان كل سلاح له عمر افتراضي ولازم تغيير القطع اللي فيه علشان يشتغل،
زي مثلا إنهم منعوا إمداد الجيش بتاعنا بإطارات الطيارات، ولكل إطار عدد مرات هبوط، ولازم يستبدل بعدها بواحد جديد، يعني توقف توريد الإطارات معناه توقف الطيارات عن الشغل أصلا، ودا لقى له الطيارين حل بتقليل حدة الهبوط عشان ما يستهلكوش الكاوتش، ودا حل مؤقت قدروا يزودوا عمر الإطارات بيه..
?لكن الكارثة كلها كانت في سلاح الدفاع الجوي، لأنه بيتكون من حائط الصواريخ، ودا 90% منه كتايب صواريخ سام 2 ، و 10 % كتايب سام 3 ، والصواريخ دي بتشتغل بوقود مش موجود غير في روسيا، والوقود له فتره صلاحية محددة وبعدها ما يبقاش صالح للاستخدام، فأوقف الروس توريد الوقود للصواريخ، ودا معناه إن مفيش حائط صواريخ ولا فيه دفاع جوي، يعني من الآخر مفيش حرب من الأساس..
?لأن خطه الحرب المصرية قامت علي إدراك حقيقي لواقع ان القوات الجوية للعدو، اللي كانت بتتفوق تفوق كاسح علي القوات الجوية المصرية، وكان لازم وقف السيطرة الجوية لهم، ودا مش هيحصل غير بالدفاع الجوي ومن بعده القوات الجوية، يعني مصر هتهاجمهم بأسلحة دفاعية تحقق لهم خساير عالية، علشان مفيش وجود سلاح هجومي عندنا وقتها يحقق نفس الخساير، ومع عدم وجود الوقود يبقى خطتنا كلها فشلت من قبل ما تبدأ..
?وعليه، بدأت تتحرك أجهزة الجيش والمخابرات والدولة كلها علشان تحل المشكلة، واحد اتجاهات التحرك كانت داخل مصر نفسها، يعني باللجوء للعقل المصري ودي كانت مهمة “المشير محمد علي فهمي” قائد قوات الدفاع الجوي، وكان لسة برتبة لواء أيامها..
?الراجل فتش في السر كدا داخل الأجهزة والمعامل الفنية التابعة للجيش، لكن مفيش حل، واجهه عجز تام، لأن الوقود التالف دا لازم التخلص منه، لكنه لم ييأس وقرر إن يخرج بالمشكلة كمهمة وطنية تخص كل علماء مصر، فاتجه للعلماء المصريين المدنيين، ولف على كليات العلوم في الجامعات..
?سنة كاملة بيلف ويدور زي الغريق؛ بيدور على قشاية يتعلق بيها، ولما لقى حتمية الغرق ضبش وعاند في وش التيار،
وفي مايو 1973م عرض المشكلة بالكامل على المركز القومي للبحوث، وهناك تقدم له أستاذ بقسم التجارب نصف الصناعية بالمركز، دكتور شاب اسمه “محمود يوسف سعادة” الذي انكب على الدراسة والبحث..
?وفي اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في يونيو 1973م، اتعرضت مشكلة الوقود على “السادات” اللي قال : بصراحة كدا الحرب مستحيلة بدون توفير الوقود،
فطلب اللواء “محمد علي فهمي” انضمام واحد مدني لهم، ووصلت عربية مكتوب عليها “جيش” لبيت الدكتور “سعادة”، ونزل ظابط من الحرس الجمهوري وطلب حضوره لوزارة الدفاع..
?خلال الشهر كان نجح العالم المدني في استخلاص 240 لتر وقود جديد صالح للاستخدام، من الكمية المنتهية الصلاحية الموجودة بمخازن قوات الدفاع الجوي، وبالفعل أخد عينة معاه وكمية دفاتر وأوراق وانضم لاجتماع المجلس الأعلى للحرب، وقدام قادة الأفرع والريس بدأ يشرح اللي عمله طول الشهر اللي فات..
ببساطة، توصل الدكتور لفك شفرة مكونات الوقود، ووصل لعوامله الأساسية والنسب لكل عامل، ثم قام بتجميعها مرة تانية واستخلص ال240 لتر،
انبهر “السادات” بالعقل دا، وأمر “اللواء فهمي” بإجراء تجربة شحن صاروخ بالوقود الجديد، علشان يشوف مدى فاعلية إطلاقه، وفعلا نجحت التجربة بشكل عبقري..
?استثمر النجاح دا، وتم تكليف أجهزة المخابرات العامة بإحضار عينة من الوقود من دولة غير روسيا، وبعد إحضار العينة تم استيراد المكونات كمواد كيماوية عادية، وحصل دمج بين المركز القومي للبحوث مع معامل القوات المسلحة، وتحت إشراف “الدكتور سعادة” انقلبوا لخلية نحل، بيشتغلوا 18 و20 ساعة يوميا..
?ونجح ولاد مصر المدنيين والعسكريين مع بعض، الجنود المجهولة اللي اشتركوا في الجهد العظيم دا، وتم إنتاج كمية كبيرة حوالي 45 طن من وقود الصواريخ، وبكده أصبح الدفاع الجوي المصري مستعد جدا لتنفيذ دوره