كتبت وفاء مصطفى
هي ملحمة سومرية مكتوبة بخط مسماري على 11 لوحا طينيا اكتشفت لأول مرة عام 1853 م في موقع أثري اكتشف بالصدفة وعرف فيما بعد أنه كان المكتبة الشخصية للملك الآشوري آشوربانيبال في نينوى في العراق ويحتفظ بالالواح الطينية التي كتبت عليها الملحمة في المتحف البريطاني. الألواح مكتوبة باللغة الأكادية ويحمل في نهايته توقيعا لشخص اسمه شين ئيقي ئونيني الذي يتصور البعض أنه كاتب الملحمة التي يعتبرها البعض أقدم قصة كتبها الإنسان.
تعد ملحمة جلجامش الرافدية، أهم وأكمل عمل إبداعي أسطوري شعري، كتبت سطوره منذ العهد السومري في المرحلة الواقعة بين (2750و2350) قبل الميلاد عن الملك جلجامش الذي عاش في مدينة أوروك «الوركاء» الواقعة في وادي الرافدين على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وقد تشكلت حول شخصه باقة من الحكايات الأسطورية والبطولية، التي تسرد أخبار أعماله الخارقة، وسعيه المستميت إلى معرفة سر الحياة الخالدة.
تبدأ الملحمة بالحديث عن جلجامش ملك أورك – الوركاء الذي كانت والدته إله خالدا ووالده بشرا فانيا ولهذا قيل بان ثلثيه إله والثلث الباقي بشر. وبسبب الجزء الفاني منه يبدأ بإدراك حقيقة أنه لن يكون خالدا. تجعل الملحمة جلجامش ملكا غير محبوب من قبل سكان أورك؛ حيث تنسب له ممارسات سيئة منها ممارسة تسخير الناس في بناء سور ضخم حول أورك العظيمة.
ابتهل سكان أورك للآلهة بأن تجد لهم مخرجا من ظلم جلجامش فاستجابت الآلهة وقامت إحدى الإلهات، واسمها أرورو، بخلق رجل من الطين وحي كان الشعر الكثيف يغطي جسده ويعيش في البرية يأكل الأعشاب ويشرب الماء مع الحيوانات؛ أي أنه كان على النقيض تماما من شخصية جلجامش. ويرى بعض المحللين أن هناك رموزا إلى الصراع بين المدنية وحياة المدن الذي بدأ السومريون بالتعود عليه تدريجيا بعد أن غادروا حياة البساطة والزراعة المتمثلة في شخصية أنكيدو.
كان أنكيدو يخلص الحيوانات من مصيدة الصيادين الذين كانوا يقتاتون على الصيد، فقام الصيادون برفع شكواهم إلى الملك جلجامش؛ فأمر إحدى خادمات المعبد بالذهاب ومحاولة إغراء أنكيدو ليمارس الجنس معها؛ وبهذا تبتعد الحيوانات عن مصاحبة أنكيدو ويصبح أنكيدو مروضا ومدنيا.
حالف النجاح خطة الملك جلجامش، وبدأت خادمة المعبد -وكان اسمها شمخات، وتعمل خادمة في معبد الآلهة عشتار – بتعليم أنكيدو الحياة المدنية؛ ككيفية الأكل واللبس وشرب النبيذ، ثم تبدأ بإخبار أنكيدو عن قوة جلجامش وكيف أنه يدخل بالعروسات قبل أن يدخل بهن أزواجهن.
ولما عرف أنكيدو بهذا قرر أن يتحدى جلجامش في مصارعة ليجبره على ترك تلك العادة. يتصارع الاثنان بشراسة؛ فهما متقاربان في القوة، ولكن الغلبة في النهاية كانت لجلجامش، حيث اعترف أنكيدو بقوة جلجامش، وبعد هذه الحادثة يصبح الاثنان صديقين حميمين.
يحاول جلجامش دائما القيام بأعمال عظيمة ليبقى اسمه خالدا؛ فيقرر في يوم من الأيام الذهاب إلى غابة من أشجار الأرز؛ فيقطع جميع أشجارها، وليحقق هذا عليه القضاء على حارس الغابة، وهو مخلوق ضخم وقبيح اسمه خومبابا. ومن الجدير بالذكر أن غابة الأرز كان المكان الذي تعيش فيه الآلهة ويعتقد أن المكان المقصود هو غابات أرز لبنان.
يتبع ….. الي الجزء الثاني