مصر يا سادة غير قابلة للكسر..
وهل كلمة مصر ممنوعة من الصرف؟
كتب عماد برجل
تكون مصر ممنوعة من الصرف إما بسبب اجتماع العّلّمية والعُجمة، أو بسبب اجتماع العُلّمية والتأنيث.
هذه العبارة تحتاج إلى تفسير لأنها عبارة تمس صميم اللغة العربية، وسنحاول في هذا المقال إيضاح بعض الأمور الغائبة عن البعض في لغتنا العربية الجميلة.
ارتبط اسم مصر بقصص الأنبياء التي رواها الله جل جلاله في القرآن الكريم، ومثلما أثار ورود لفظة مصر في الذكر الحكيم اجتهادات لدى المفسرين بخصوص روايات الأحداث التي دارت فيها.
فإن النحاة واللغويين أيضًا كان لهم نصيبهم في الاجتهاد بخصوص الوضع النحوي لكلمة مصر، خصوصًا بعد أن جاءت في كتاب الله ممنوعة من الصرف أحياناً و مصرفة حينا آخر.
فهل مصر ممنوعة من الصرف دائمًا؟ وما سبب منعها إذا كانت كذلك؟ وهل لهذا المنع استثناءات أقرها النّحاة؟نقدم الجواب الشافي بهذا الخصوص في السطور القادمة.
مصر هو اسم معرب لا يدخله تنوين التمكين، ويجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، إلا إذا أضيف أو دخلته أل فإنه يجر بالكسرة.. ويقصد بتنوين التمكين، التنوين الداخل على الأسماء المعربة كتنوين “زيد” و”صالح”.
تمنع بعض الأسماء في اللغة العربية من الصرف لعدة أسباب:
أولا: ألف التأنيث المقصورة أو الممدودة، مثل قولنا: حضرتْ ليلى، ورأيت ليلى، ومررت بليلى.
ثانيًا: أسماء لا بد أن يجتمع فيها سببان لمنعها من الصرف، وهذه الأسماء قسمان:
القسم (أ) يُمنع العلم من الصرف لعدة أسباب منها:
1 ـ إذا كان مركّبًا تركيبًا مزْجيًا، مثل: بعلبك، حضرموت، مثل: هذه بعلبكُّ. زرت بعلبكَّ. مررت ببعلبكَّ.
2 ـ إذا كان مختومًا بألف ونون مزيدتين، مثل: شعبان، رمضان، قحطان. كما في قولنا: رمضانُ شهر القرآن. صُمت رمضانَ. أُنزل القرآن في شهر رمضانَ.
3 ـ إذا كان العلم مؤنثًا، حيث يمنع من الصرف وجوبًا إذا كان مختومًا بتاء التأنيث سواء أكان مؤنثًا أم مذكرًا، مثل: معاوية، فاطمة. ويمنع جوازًا إذا كان عربيًا ثلاثيًا ساكن الوسط مثل: هنْد، ميّ دعْد، فنقول: حضرت هندٌ أو هندُ. رأيت هندَ أو هندًا. مررت بهندَ أو بهندٍ.
4 ـ إذا كان العلم أعجميًا بشرط ألا يكون ثلاثيًا، مثل إبراهيم، إسماعيل، ديجول. فإذا كان ثلاثيًا صرف مثل نوح ولوط.
5 ـ إذا كان العلم على وزن الفعل، مثل يزيد، تعِز، مثل قولنا: لابن يعيشَ كتاب مشهور في النحو.
6 ـ إذا كان العلم معدُولًا. ويقول النّحاة إن العدل معناه تحويل الاسم من وزن إلى وزن آخر، والأغلب أن يكون على وزن «فُعَل» مثل: عمر، زفر، زحل، فهم يقولون إن أصلها: عامر، زافر، زاحل.
القسم (ب)
1 ـ الصفة المختومة بألف ونون زائدتين مثل: سهران ـ تعبان.
2 ـ أن تكون الصفة على وزن الفعل، وذلك بأن تكون على وزن أفعل الذي مؤنثه فعلاء، مثل: أزرق وأحمر.
3 ـ أن تكون الصفة معدولة، أي محولة من وزن آخر، وذلك إذا كانت الصفة أحد الأعداد العشرة الأول ـ على الأغلب ـ وكان على وزن فعال أو مفعل. لا بد أن يكون الاسم فيه صفة بجانب سبب آخر.. مثل سهران ـ تعبان.
بعد أن عرضنا أسباب المنع من الصرف في اللغة العربية، يتضح لنا من خلال ذلك السرد الذي يمثّل شواهدَ نحوية بخصوص ورود كلمة مصر ممنوعة من الصرف أحيانًا، وصُرفت حينًا آخر.
فقد وردت مصر ممنوعة من الصرف في القرآن الكريم في أربعة مواضع:
1- قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) ﴿21 يوسف﴾
2- وقال عز من قائل: (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) ﴿99 يوسف﴾
3- وقال أيضًا: (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) ﴿51 الزخرف﴾
4- وقال في آية أخرى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا) ﴿87 يونس﴾
ووردت مصروفة في آية واحدة في قوله تعالى: “اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ” (البقرة61).
اجتمع في لفظة مصر علّتان تجيزان منعها من الصرف. العلة الأولى التي جعلت مصر ممنوعة من الصرف هي العلمية، أي دلالتها على اسم علم لبلد أو بقعة أو وطن معروف بموقعه وحدوده.
وهذا ما يُستشفّ من تفسير الآيات القرآنية التي وردت فيها الكلمة ممنوعة من الصرف، إذ تروي أحداثًا تاريخية محصورة في القطر المصري المعروف.
ودل على ذلك الحديث عن الفراعنة واليم الذي يقصد به نهر النيل. أما العلّة الثانية التي توفرت لتكون مصر ممنوعة من الصرف فهي أن هذا الاسم ثلاثي ساكن الوسط على غرار: هند ودعد وميّ. لكنه زاد عليها أنه لفظ أعجميّ.
فإن أحد هذين الشرطين زال وهو دلالتها العلمية. إذ إن معنى “مصرا” في الآية هو البلد عمومًا أو القطر دون تحديد، فكأن الله عز وجل قصد بقوله اذهبوا إلى أي بلد ستجدون فيه بغيتكم.
وبناءً على ذلك تكون مصر ممنوعة من الصرف إما بسبب اجتماع العلمية والعُجمة، أو بسبب اجتماع العلمية والتأنيث. أما إذا لم يقصد بها العلم فيُمكن صرفها.