مرض مزمن
بقلم: عمر الشريف
حدث مع صديق لي أن أجاب على اتصال هاتفي من أحد زملائه متلقياً صدمة خبر وفاة مدرسهم المحبوب لينهار بعدها حزيناً مذهولاً
ثم يعلن عن ذلك عبر وسائل الاتصال الإجتماعي، فتتالت عليه اتصالات عدة من أصدقائه وزملائه بالتعزية
وبعد ساعة من الذهول والصدمة يتصل به من أخبره
أولًا بوفاة مدرسهم ضاحكاً مفاجئاً إياه بأنه كذب عليه بما يسمى كذبة ابريل، ليتطور الموقف
بينهما في لحظات من مزحة إلى مشكلة كبيرة تشابكت فيها عدة أطراف من الأصدقاء والزملاء
كان من نتيجتها قطع صلاتهم به وبداية عداء بينهم وبينه.
فكذبة إبريل هي إحدى مظاهر انتشار ظاهرة الكذب في المجتمع حتى أصبح الكذب ملح لا يطيب الحديث بدونه، كما لا يطيب الطعام بدون وضع الملح فيه، فالكذب مرض اجتماعي مزمن وفتاك، وهو وجه قبيح من وجوه النفاق الاجتماعي الذي يمارسه الناس تجاه بعضهم البعض بداعِ أو بدون داع.
ويرى المختصون في علم النفس الاجتماعي والصحة النفسية أن الكذب عادة مكتسبة
وليست صفة أصيلة عند الإنسان، فالفطرة السليمة تحفز صاحبها على الصدق والحقيقة
بينما الوسط الاجتماعي الفاسد الذي يتربى فيها الفرد تكسبه صفة الكذب والخداع والمواربة
ليتعايش بعدها مع الكذب ويعتاده في يوميات حياته وعلاقاته مع الناس.
وعندها يتحول الكذب من مجرد مرض نفسي منفّر إلى منهج حياة مألوف وسياسة معيشة بين الناس
فقد أصبح المرء يفتح أبواب حياته بالكذب، ويقيم علاقات اجتماعية مختلفة على أساس الكذب
ويعيش متكيفاً مع من حوله بالكذب، فمساحات الكذب في حياتنا صارت واسعة على حساب الصدق والحقيقة.
والكذب مرتع خصب لأصناف من البشر لا يهمّها إلا تحصيل الغايات بغض النظر عن الوسائل الموصلة إليها سواء أكانت وسائل صالحة أم فاسدة
فالغاية عندهم تبرر كل وسيلة في سبيل تحصيلها.
كما أنه قناع زائل يغطي المرء به عيوبه عن عيون الآخرين ويخدعهم بترهاته الباطلة وألوانه المزيفة
والكذب أيضاً ملجأ الجبناء والضعفاء الذين عجزوا عن إدراك الحقيقة أو الاعتراف بها
فهم يغرقون أنفسهم ومن حولهم بروايات باطلة تجعلهم في مأمن من الحقيقة
التي يخافون أن تكشف مرارة واقعهم وسوء أفعالهم.