بقلم / محمد خضر
إذا كانت اللغات هي مفتاح العقول .. وترجمة الحضارات..
وإذا تعددت اللغات واختلفت في جوانب عديدة .. وتباينت في الحقب التاريخية بين القدم والحداثة..
إذا اختلفت هذه اللغات عن بعضها في عدة أمور .. كعدد أحرفها مثلاً.. أو مخارج تلك الحروف وطرق تركيبها في كلمات ومن ثم في جُمل..
فلا بد أن هناك لغة قد تميزت بمحاسن ندرت في اللغات الأخرى أو ربما انعدمت..
إنـــهـــــــا اللغة الأم { اللغة العربية }
فهي لغة فريدة في تكوينها .. مبهرة في تنظيمها .. معجزة في تاريخها مثيرة ببيانها .. بديعة في معانيها عجيبة في ألفاظها ..
فـحُــقَّ لنا بعد هذا أن نفخر بهذه اللغة الكنز .. وأن نوسعها بما يناسب عِظمها دراسةً وتحليلاً وإطراء وتفصيلاً..
أول ما أذكره هنا .. هو التسميات التي أطلقت على هذه اللغة .. وهي:
اللغة العربية: وهو الاسم الرسمي والمتداول لها .. وجاءت هذه التسمية نسبة إلى الناطقين بها وهم العرب سكان الجزيرة العربية ..
لغة القرآن الكريم:
وذلك لأن معجزة خاتم الأديان كتاب نزل بهذه اللغة المعجزة ..
لغة الضاد: حيث أن بها حرف من ضمن أحرفها الـ 28 .. لا يوجد بأي لغة أخرى من جميع لغات العالم .. الحية والميتة .. حرف (ض)..
ولهذه اللغة الرائعة فروع عدة .. وهي أبرز ميزة فيها .. وهذه الفروع هي
علم النحو:
وهو أساس علوم اللغة كلها .. فعلى هذا العلم نرتكز في إجادة نطق لغتنا بشكل سليم سواء كان نطقنا خبراً أو إنشاءً .. لابد أن نجيد التفريق بين المذكر والمؤنث في الخطاب والإضمار.. وهذه أيضاً ميزة تُجيَّر للغتنا.. وهو التفريقبين المذكر والمؤنث.. حتى يُعلم المقصود بالكلام
إذاً خلاصة القول: أن لهذا العلم أسس وقواعد إعرابية ثابتة تعتمد عليها لغتنا في إجادة سبكها ونظمها .. فهي علم مستقل بذاته .. شامل متكامل .. وله مؤلفات عدة قديمة وحديثة تبدأ بتفصيل أبو الأسود الدؤلي .. مروراً بألفية ابن مالك .. وهي 1000 بيت شعري نظمها.. أجمل فيها جميع قواعد هذه اللغة.. مطلعها:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم (اسم وفعل) ثم حرف الكلم
لتصل هذه المؤلفات إلى الدراسات الحديثة والأبحاث المتخصصة في هذا العلم فقط..
أما الفرع الثاني من فروع اللغة العربية..
لا يقل أهمية عن الفرع الأول وهو البلاغة والنقد ..
وتعرف البلاغة بأنها..
وضع الكلام في موضعه من طول وإيجاز وتأدية المعنى أداء واضحاً بعبارة صحيحة فصيحة لها في النفس أثر خلاب مع ملائمة كل كلام للمقام الذي يقال فيه وللمخاطبين به..
أما النقد فيأتي بمعنيين..
الأول: نقد الشيء بمعنى نقره ليختبره أو ليميز جيده من رديئه..
والثاني: الذي يقوّم به صاحبه الخطأ أو يكون لإظهار العيب والمثالب..
والبلاغة باب واسع جداً.. له ثلاثة أقسام.. كل قسم قائم بذاته.. وهي: علم البديع .. البيان .. المعاني..
ويعرف علم البديع بأنه .. علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة..
أما البيان فهو.. العلم الذي يعرف به إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه..
ويعرف المعاني على أنه.. تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره..
أما الفرع الثالث.. فهو أمتعها .. لما يتمتع به من خيال حالم جميل .. ومشاعر جياشة منظومة في كلمات راقية .. هذا علم الأدب .. علم المشاعر والعواطف والخيال.. فن النظم سواء في أبيات شعرية أو عبارات نثرية ويعرف بأنه.. الكلام البليغ .. الصادر عن عاطفة .. المؤثر في النفوس.. وهو فنان: الشعر .. والنثر
أما الشعر: فهو الكلام المقفى الموزون .. وأما النثر: فهو الكلام المرسل الذي لا يتقيد بوزن أو قافية..
والأبيات الشعرية.. هي السحر الحلال.. الذي أخبر عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن من البيان لسحراً).. وله ضروب عدة.. نذكر منها: الشعر الإسلامي .. شعر المفاخرة .. الحماسة .. المدح .. النسيب (الغزل) .. الهجاء وغيرها..
تعتمد في نظمها على التقيد ببحر معين من بحور الشعر الـ16 .. حيث يختلف فيها وزن القصيدة حسب البحر المختار.. وهذه البحور هي:
الطويل – البسيط – الوافر – الكامل
الرجز – الخفيف – المديد – الهزج
الرمل – السريع – المنسرح – المضارع
المقتضب – المجتث – المتقارب المتدارك …….
أو ربما يلجأ الشاعر إلى الشعر الحر.. وهو النظم غير المقيد بوزن معين أو قافية موحدة..
ويسرني هنا أن أذكر معلومة سمعتها عن مولد الشعر العربي .. وهي أن أول من نطق الشعر من العرب هو المهلهل بن ربيعة (الزير سالم)..
أما الكلام المنثور في الأدب العربي فهو فن جميل له طابعه المميز .. على تعدد أشكاله .. فمنه الرواية .. القصة .. المسرحية .. المقالة .. الخاطرة وغيرها من ضروب الكلام المنثور..
رابع فرع من فروع لغة الضاد .. علم العروض والقافية .. هذا العلم الجميل .. وثيق الصلة بالأدب .. مختص بالنظم الشعري .. ويعرف هذا العلم الذي وُلد على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي بأنه: علم يعتمد على الموسيقى.. فكما أن للموسيقى رموزاً خاصة عندما تكتب لتعبر عن النغم (النوتة الموسيقية) كذلك للعروض رموز خاصة به في الكتابة تخالف الكتابة الإملائية وهذه الرموز تعبر عن التفاعيل التي هي بمثابة الألحان في الغناء وتعرف هذه الرموز بالكتابة العروضية..
وتعتمد الكتابة العروضية على أمرين:
أ. ما ينطق يكتب.
ب. ما لا ينطق لا يكتب.
وتعرف التفعيلة في العروض:
بأنها وحدة صوتية لا تدخل في حسابها نهاية الكلمات .. فمرة تنتهي التفعيلة في آخر الكلمة ومرة في وسطها.. وعلى ذلك أمثلة عدة يسهل على الباحث معرفتها..
وكما أسلفنا أن له 16 بحر .. سبق ذكرها في فرع الأدب..
آخر فرع نتطرق له هو.. علم حديث ولكنه متأصل في اللغة.. ولابد من معرفته وإدراكه وهو
علم الأصوات .. حيث يعرف هذا العلم كما عرفه ابن جني بأنه شرح العملية النطقية أو حدوث الصوت اللغوي بأسلوب مبسط.. حين شبه الحلق والفم بالناي فقال: “فإن الصوت يخرج مستطيلاً أملس ساذجاً كما يجري الصوت في الأنف غفلاً بغير صنعة فإذا وضع صنعه..
فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المنسوقة وراوح أنامله .. اختلف الأصوات وسمع لكل خرق منها صوت لا يشبه صاحبه فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم باعتماد على جهات مختلفة كان سبب استماعنا هذه الأصوات
إن فهم علم الأصوات يمكننا من فهم طبيعة الظاهرة اللغوية فهماً علمياً وبالتالي فإنه مدخل لفهم كثير من العلوم الأخرى المتعلقة باللغة العربية وبيان روعتها وإعجازها..
مما يؤكد بشكل قاطع تفوقها على لغات الأرض قاطبة.. والمأساة أن كثيراً من العرب لا يعرفون قدر لغتهم ويستخفون بها .. ولكن الحمد لله أنه حفظها بحفظ القرآن الكريم..